عرض مشاركة واحدة
قديم 07-11-2011, 07:00 PM
المشاركة 2
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
ولهذا عندما جاء أئمة الإسلام لتفسير آية الإفساد فى الأرض .. وهى قوله تعالى ..
( من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا )
وهذه الآية توضح الفارق بين جريمة القتل كفعل فردى وبين القتل إفسادا وإلحادا وإستحلالا للدم بلا مبرر
وهى قرينة الآية الكريمة ..
(إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض)
فى تفسير تلك الآيات لم يذكر المفسرون حرفا واحدا عن الدية , ولا تناولها الفقهاء فى معرض أحكام الإفساد فى الأرض إطلاقا وهى الجريمة الثابتة فى شأن قتل المتظاهرين حيث أنه قتل عمد لسفح الدماء بلا مبرر وبلا أدنى وازع واقترن هذا بنهب الأموال وترويع الآمنين لتصبح الجريمة مكتملة الأركان فى هذا الشأن
ولنعرض لما قاله بن كثير مثلا فى تفسيره ولنركز على المثال الذى ساقه هذا المفسر العظيم فى شرح تلك الآيات ..
يقول فيها بن كثير فى تفسيره ..
( والصحيح أن هذه الآية عامة في المشركين وغيرهم ممن ارتكب هذه الصفات ، كما رواه البخاري ومسلممن حديث أبي قلابة - واسمه عبد الله بن زيد الجرمي البصري- عن أنس بن مالك : أن نفرا ، قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعوه على الإسلام ، فاستوخموا الأرض وسقمت أجسامهم ، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " ألا تخرجون مع راعينا في إبله فتصيبوا من أبوالها وألبانها؟ " فقالوا : بلى . فخرجوا ، فشربوا من أبوالها وألبانها ، فصحوا فقتلوا الراعي وطردوا الإبل . فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليهوسلم فبعث في آثارهم ، فأدركوا ، فجيء بهم ، فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم ، وسمرت أعينهم ، ثم نبذوا في الشمس حتى ماتوا .)

والمتأمل فى المثال السابق يجد أن النبي عليه الصلاة والسلام طبق حد الإفساد فى الأرض ولم يطبق حد القتل لأن الجريمة كانت بلا مبرر حيث أن هؤلاء الدهماء قتلوا الراعى بلا معرفة مسبقة ولا أى مبرر ثم سلبوا ماله وطردوا إبله وأفسدوا فى الأرض لمجرد الرغبة فى ذلك دون أدنى دافع أو مبرر
فما بالنا بالله عليكم عندما نقارن هذه الجريمة بجريمة قتل ألف متظاهر على الأقل لا جريمة لهم إلا أنهم ضجوا من النهب المنظم لمواردهم المسلوبة وهتفوا لنيل حقوقهم بلا أدنى سلاح فكان جزاؤهم على أيدى عصابة نظام مبارك أن قتلهم بدم بارد وبأسلحة فتاكة قاصدا إلى ترويعهم وإلى مد شريان الحياة لنظامه الناهب واستمراره فى الحكم بلا أدنى شرعية
ناهيكم عن توافر أركان جريمة ( الإفساد فى الأرض ) على نظام مبارك وزبانية الداخلية أنفسهم قبل حتى أن يقتلوا متظاهرا واحدا من متظاهرى ثورة يناير المجيدة , وذلك يتضح من خلال استرجاع سياستهم الأمنية التى جعلت من الإسلام والتدين هدفا لها ,
فأى إفساد فى الأرض عند الله أعتى من أن يكون صاحب اللحية أو مؤدى الصلاة غير آمن فى سربه ولا على أهله , ويمارس شعائر دينه فى الخفاء كمان لو كان يرتكب الموبقات , وذلك خوفا من بطش الأنظمة التى تترصد المساجد وتترك حانات الخمور وأوكار الدعارة بل وتمنحها تراخيص رسمية أيضا .. وتعتبرهم من فنانى الدولة ووجوهها الإعلامية الرائدة !
وأى إفساد فى الأرض عند الله أكثر من أن تكون إسرائيل حليفة استراتيجية لنظام سياسي يدعى أن دينه الرسمى هو الإسلام , وتشترك سياسات نظام مبارك مع نظام أولمرت ونتياهو فى حصار وتجويع أطفال وعجائز المسلمين فى غزة باعتبارهم إرهابيين ومفسدين فى الأرض؟!
ليس هذا فقط ,
بل تصدر أحكام الإفراج عن الجواسيس الإسرائيليين والذين كانوا يُعاملون فى السجون معاملة الأشقاء , فى نفس الوقت الذى تمتلئ به معتقلات الداخلية بعشرين ألف معتقل لا ذنب لهم إلا أن قالوا ( ربنا الله ) !
ولم يشأ مبارك فى أواخر أيام حكمه أن يترك أدنى فارق بينه وبين إسرائيل ففتح المعتقلات والمحاكم الإستثنائية لرجال المقاومة الإسلامية ( حماس ) واعتبرهم من الإرهابيين المطلوبين ولفق لهم التهم المفتعلة لخدمة السياسة الإسرائيلية ولم يعد باقيا له إلا استبدال النسر فى العلم المصري بنجمة داوود حتى يتم تغيير اسم مصره إلى مصرائيل !

أفبعد هذا كله ..
وبعد ما فعله هامان وفرعون وجنودهما ..
يأتى إلينا شخص يدعى الإسلام ويدعى الإنتساب للسلف الصالح لكى يفتى أو يدعو للعفو عن قتلة الشهداء , ولقبول دية يعلم هو وغيره أنها من أموال الشعب المنهوبة لا من أموال هؤلاء السفاحين ..
وكم صدقت نبوءة نبي الرحمة عليه أفضل الصلاة والسلام حين قال :
( إن الله لا يقبض العلم انتزاعا من الناس , بل يقبضه بقبض العلماء , حتى إذا لم يعد عالم اتخذ الناس رءوسا جهالا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا .. )

وكما ظهر من بين المنتسبين للسلفية أمثال هذه الآراء , ظهر للأسف الشديد مثلها فى مؤسسة الأزهر الشريف ,
ولو صدقت جريدة اليوم السابع فيما نقلته عن أحد أساتذة الثقافة الإسلامية لكانت كارثة ! , فقد نسبت إليه القول بأن الشهداء ليس لهم قصاص ولا حتى دية ! ,
لماذا ؟!
لأن الشهداء ـ حسب رأى الأستاذ الجامعى ـ لم يحدث أن طالب أحد فى تاريخ الإسلام ـ على حد زعمه ـ بالقصاص أو الدية بحقهم ,
ورغم أن هذا القول لا يحتاج ردا أصلا لما فيه من الخلط المريع إلا أنه ينبغي الإيضاح لمن فات عليه إدراك هذا ,
فالأستاذ الجامعى المنسوب للأزهر الشريف , جمع مفهوم الشهادة فى بوتقة واحدة وتعامل مع شهداء الحق شهداء الثورة المصرية كما يتعامل مع شهداء الحروب الإسلامية ـ وهم بالفعل لا قصاص لهم ولا دية ـ ونسي أو تناسي أن شهداء القتال والزود عن دين الله فى مواجهة العداء الخارجى وفى ساحة وميدان قتال , يختلف جذريا عن الشهادة فى سبيل الله فى مواجهة الظالم من المسلمين ,
فالشهادة أنواع ومرتبة على نحو حصري حسب ترتيب الأفضلية ,
أعلاها الشهادة فى سبيل الله وتنقسم ما بين الأعلى درجة وهى كلمة الحق فى مواجهة سلطان جائر , بنص حديث النبي عليه الصلاة والسلام ( خير الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ) , وحديث آخر ( سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى حاكم ظالم فأمره ونهاه فقتله )
والقسم الثانى هو الجهاد فى سبيل الله جنديا فى قتال ضد أعداء الإسلام لنشر الدعوة أو الزود عن أرض الإسلام والمسلمين ,
ثم تتابع درجات الشهادة بعد ذلك فيأتى شهيد القتال فى سبيل الأرض , ثم شهيد الدفاع عن ماله وأرضه وعرضه فى مواجهة غاصبين , ثم شهداء الإبتلاء بالطاعون أو الحريق أو ما سواها مما حددته نصوص الأحاديث النبوية واعتبرت الموت بسببه للمسلم الموحد شهادة فى سبيل الله ,
وبدون شك فإن الأنواع السابقة منها ما يستوجب القصاص ومنها ما لا يستوجبه ,
فشهيد القتال والحرب لا قصاص له ولا دية لأنه مات فى ميدان قتال , وكذلك شهيد الإبتلاء بالمرض ,
أما الشهادة فى سبيل الله فى وجه حاكم أو ظالم أو صاحب فتنة أو غاصب فلا شك أنه يستوجب القصاص بلا جدال ,,

فلو أخذنا بوجهة نظر القائل بعدم وجوب الدية والقصاص للشهيد لوقفنا عاجزين عن تفسير القصاص فى حالة شهداء الصحابة الذين بشرهم النبي عليه الصلاة والسلام بالشهادة نصا فلقوا حتفهم بالقتل وتم القصاص من قاتليهم وهم الخلفاء الثلاثة الراشدين عمر وعثمان وعلىّ رضي الله عنهم وقال فيهم النبي عليه الصلاة والسلام وهو واقف معهم على جبل أحد
( اثبت أحد .. فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان )
وكان معه أبا بكر وعمر وعثمان , وأما على رضي الله فقد بشره بالشهادة بحديث منفصل ونبأه بوسيلة قتله وصفة قاتله أيضا ..
وقد تم القصاص من أبي لؤلؤة المجوسي فى دم عمر رضي الله عنه , ونادى الصحابة جميعا بقصاص عثمان رضي الله عنه ولم تقم الفتنة على الخلاف فى وجوب القصاص وإنما قامت على الخلاف فى أصحاب الحق بالقصاص هل هو خليفة المسلمين علىّ أم ولى الدم معاوية رضي الله عنهم جميعا ,
وتم القصاص كذلك من عبد الرحمن بن ملجم الحميري الذى قتل عليا رضي الله عنه ,
فهل كان القصاص من قاتلى الخلفاء الثلاث قصاصا غير مشروع باعتبارهم شهداء ـ حسب نظرية الأستاذ الجامعى ـ أم يا ترى كانت صفة الشهادة للخلفاء الثلاثة غير متوفرة فى نظره ؟!

وليس هذا فقط ,
بل إن على بن أبي طالب رضي الله عنه أشعل حربا كاملة على الخوارج فى موقعة النهروان للقصاص من قتلة عبد الله بن خباب رضي الله عنهما , والذى قتله الخوارج هو وزوجته بالعراق , ولما طالب علىّ زعماء الخوارج أن يدفعوا إليه قتلة خباب رفضوا ذلك , فحاربهم فى النهروان وانتصر عليهم قصاصا لدم هذا الشهيد الجليل
كذلك ما اختلف أحد من العلماء على أحقية القصاص ـ بغض النظر عن إمكانية تطبيقه ـ من الخليفة المأمون فى قتله العلماء فى فتنة خلق القرآن وعلى رأسهم محمد بن نوحالذى كان أحد خمسة رفضوا اتباع المأمون فيما أمر به , وكذلك فى أحقية القصاص من الخليفة الواثق لقتله العالم الجليل أحمد بن نصر الخزاعى عندما نهاه عن القول بخلق القرآن ورفض موافقته على ذلك
والتاريخ الإسلامى حافل بأمثلة القصاص من الظالمين الذين قتلوا من نادى بالحق فى وجوههم , وهى الحالة التى تنطبق على من كل من خرج هاتفا بالحق فى وجه الحكام المعاصرين , فكان جزاؤه القتل والترويع ..

نسأل الله تعالى أن يتبصر أولى الأمر من القائمين على الدعوة أو النصح أو العلم ,
فليست الخطورة فيما يقولون أو يروجون له من بعض نظريات وآراء صادمة وحسب , بل الكارثة الأكبر أنهم يبدون هذه الآراء الشاذة وهم يتحدثون باسم الإسلام واسم السلف الصالح , وهو ما يستغله العلمانيون ومن تابعهم على ذلك فى غزل الإتهامات المختلفة والإفتراءات العديدة التى يوصم بها التيار الإسلامى بأكمله ,
هذا ناهيك عن استغلال التيارات البدعية المختلفة كالشيعة مثلا , لهذه الأمور كى يهتفوا تملقا للشعوب فى ثوراتها , وطعنا فى أهل السنة ومن يمثلهم مستغلين أمثال هذه الآراء للترويج لمذهبهم وأطماعهم ..
والله المستعان