عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
13

المشاهدات
6576
 
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي


محمد جاد الزغبي is on a distinguished road

    موجود

المشاركات
1,187

+التقييم
0.18

تاريخ التسجيل
Jan 2006

الاقامة

رقم العضوية
780
07-11-2011, 06:59 PM
المشاركة 1
07-11-2011, 06:59 PM
المشاركة 1
افتراضي الرد على فتوى قبول الدية فى قتل المتظاهرين
الرد على فتوى قبول الدية فى قتل المتظاهرين


تناثرت مؤخرا واحدة من الفتاوى والدعاوى المستفزة التى يُستخدم بها الدين لغرض فى نفس يعقوب ,
وأشباه هذه الدعوات التى ألفناها مؤخرا من بعض المنتسبين إلى السلفية ـ والسلفية منهم براء براءة الذئب من دم بن يعقوب ـ ومن آخرين لا هم لهم إلا تطبيق نظرية خالف تعرف ,
وما يهمنا حقيقة هو تدارس تلك المودة واللهفة التى يبديها بعض منسوبي التيار السلفي فى مصر للنظام السابق وللشرطة التى كانت عصاه الغليظة فى القتل والترويع , وهى مودة لا يمكن بأى تفسيرها إلا على وجهين ..
إما أنها تطبيق عملى لنظرية الإستبداد وحب العبودية التى شرحها المفكر الكبير عبد الرحمن الكواكبي والتى فسرت دفاع المظلومين عن الظالم بخلل نفسي فى طبيعة المقهورين واستمرائهم لتلك العبودية ,
وإما أنها كاشفة عن حقيقة الشائعة التى أطلقتها ضدهم بعض القوى من أنهم كانوا أداة فى يد الدولة لا أكثر ولا أقل , وأنهم ما اتخذوا الدين عبر الفضائيات إلا وسيلة للتكسب ..

وما يؤلمنا حقيقة أن هؤلاء المنتفعين الذين ظنهم أناس أهل دعوة وفقه , جاءت أحداث الثورة لتفضحهم فضيحة عظيمة مثلت صدمة كبري لجماهيرهم , ومثلت صدمة أكبر لعلماء المنهج السلفي الحقيقي الذين جاهدوا وكانوا فى مقدمة الثائرين والداعين للثورة , وأيضا لشباب المنهج السلفي وكتّابه والمدافعين عنه ضد افتراءات العلمانية والغرب ,
وذلك بعد أن مثل هؤلاء الدعاة نقطة مطعن بالغة القوة على الدين الإسلامى كله بأقوالهم ومواقفهم شديدة الخنوع التى سمحت لهم بمساندة النظم القمعية ضد الشعوب المنتفضة لنوال حريتها , وانكشفت على الفور أسطورة دعاة الفضائيات الذين ما فتئوا يدعون الناس لقول الحق فلما جاء موعد الإختبار كان السقوط مريعا ..
ورغم الموقف المخزى الذى اتخذوه من الثورة ومساندتهم نظام مبارك بكل قوة حتى سقوطه المدوى , ورغم أنهم باعوا مبارك تماما بعد سقوطه وفوجئنا ببعضهم يروح ويجيئ ويتاجر بالثورة ودم الشهداء دون أدنى حياء وهو الذى كان قبلها بأيام يتهم الثوار بالعمالة والفوضي والخروج عن الحاكم ..
ورغم أنهم استخدموا الدين ـ بمنتهى الوصولية ـ مطية للظهور الإعلامى وجعلوا من أكبر آيات الجهاد وأكثرها مثوبة جعلوها من أكبر الموبقات عندما تناسوا حديث النبي عليه الصلاة والسلام (أكبر الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ) فجعلوها من أكبر المعاصي !!!
رغم كل هذه الفضائح التى أثقلت ضمير الأمة , إلا أنهم لا زالوا يثبتون فى كل يوم أن الإفتقاد إلى فضيلة الحياء فعلا يهدم أى شعور لدى المرء باحترام نفسه تطبيقا لحديث النبي عليه الصلاة والسلام
( إنه مما بلغ الناس من كلام النبوة الأولى , أنه إن لم تستح فاصنع ما شئت )
ففي ظل انتهاكات الشرطة الرهيبة التى عانى منها المتظاهرون وفى ظل الأحداث المزلزلة التى تطوف بالوطن نتيجة التأخر فى محاكمة قتلة الشهداء , خرج علينا بعضهم بدعوة غلفوها بغلاف إسلامى لإنقاذ رقبة سفاحى حبيب العادلى من القصاص العادل وذلك بدعوتهم لأهالى الشهداء لقبول الدية فى شهداء الثورة !!!

والمرء يحتار حقيقة فى فهم التركيبة النفسية لهؤلاء الناس ,
فبغض النظر عن أن هذه الدعوة لا اعتبار لها شرعا ولا حتى قانونا , ولا يمكن أن يقول بها عالم درس أساسيات الفقه , إلا أن مصدر الحيرة الحقيقي هو السؤال عن هذا الغرام الذى يشعر به أولئك الدعاة تجاه جهاز الشرطة لدرجة مناصرة نظامه قبل وأثناء الثورة , ثم المناداة بإنقاذهم من حق القصاص بعد الثورة !!
هذا بالإضافة لمدى الوقاحة فى اختيار التوقيت , فليت أنهم قدموا دعوتهم تلك بعد صدور أحكام الإعدام الواجبة ضد هؤلاء السفاحين الذين ترصدوا الثوار ببنادق القناصة وقتلوهم بدم بارد مباشرة فى القلب والصدر والرأس , وليت أنهم تقدموا بها بعد أن مثل كل المتهمين وكل القناصة للمحاكمة ,
بل تقدموا بها فى ظل تواطؤ حكومى أشعل غضب الجماهير للذروة عندما ماطلت المحاكم فى تلك المحاكمات ولم تقدم النيابة المصرية حتى اليوم عُشر المتهمين الحقيقيين من وزارة الداخلية , ولم تقدم قناصا واحدا من بين ثلثمائة قناص يتبعون وزارة الداخلية مارسوا عملهم ضد المتظاهرين بشهادة الشهود وبتوثيق ملفات الفيديو المصورة , وليس هذا فقط بل إن كافة القيادات التى تم تقديمها للمحاكمة خضعت لها وهى فى مناصبها الرسمية بجهاز الشرطة ؟!
وفى ظل هذا الجو المحتقن والشعور الكاسح بالظلم لدى أهالى الشهداء يخرج هؤلاء ليقترحوا عليهم الدية !!

ونعود للتأصيل الشرعى لهذه الفتوى أو هذا الإقتراح الذى يثير الأسي بقدر ما يثير من السخرية فى الواقع !!
فالدية فى هذا الموقف لا تجوز لا بالشرع ولا حتى بالقانون الوضعى ,
ونبدأ بالقانون الوضعى لسهولة القاعدة فيه ,
حيث أن القوانين الوضعية تأخذ بنظرية العقد الإجتماعى التى ألفها المفكر الفرنسي جان جاك روسو ومنها استقت أوربا نظرية القانون وعملت به , وتقوم هذه النظرية على أن الدولة تتكون من شعب يقطن وطنا معينا وسلطة توافقيه جاءت بإرادة هذا الشعب وتمثل الدولة أمامه ,
ووصف جان جاك روسو طبيعة العلاقة بين الدولة والمواطن الطبيعى أنها علاقة عقد إجتماعى يؤدى فيه المواطن حق الدولة فى الضرائب وفى الإلتزام بالقوانين التى تقرها الحكومة فى مقابل أن تضمن له الدولة حق المعيشة بأمان ,
ومن لوازم هذا العقد فى الجانب الجنائي ـ وهو موضوعنا ـ أن عقاب المجرم على أى جريمة تجاه أى مواطن فى الدولة هو حق أصيل للدولة وليس للفرد ,
بمعنى أن الفرد هنا لا يملك العفو عن مرتكب الجريمة حتى لو كان هذا الفرد هو المجنى عليه وحتى لو أبدى استعدادا للتنازل عن حقه ,
وقد رتب القانون الوضعى الحق فى الجريمة الجنائية إلى شقين ,
حق للفرد يتمثل فى إمكانية حصوله على التعويض المدنى نتيجة الجريمة , وفى حالة القتل يكون حق التعويض ثابتا لورثته , وذلك فى إثر حكم قضائي نهائي بات فى الشق الجنائي
وحق للدولة يتمثل فى احتفاظها وحدها بمعاقبة القاتل بحكم قضائي لا يتأثر بتنازل أهل المجنى عليه عن حقهم المدنى ,
والتطبيق المباشر لهذا الكلام معناه أن القانون الوضعى لا يقر مبدأ الدية من الأساس فى أى جريمة من الجرائم , لأنه يحتفظ للدولة بحق محاكمة وإدانة المجرم أو القاتل وتطبيق هذا الحكم بغض النظر عن موقف المجنى عليه .. ويقر فقط حالات التنازل عن القضية فى الجنح وليس فى الجنايات ,

أما فى الشريعة الإسلامية ,
فقد أقرت مبدأ الدية فى ظروف معينة كحكم اختياري محفوظ لولى الدم وحده يشمل جريمة القتل بالخطأ أو الجريمة شبه العمدية والعمدية بشرط أن تكون الجريمة فى تكييفها الشرعي جريمة قتل ,
وهذه هى النقطة الفارقة ..
وفى غير ذلك فالقصاص واجب لا شك فى ذلك يقوم به القاضي ــ ممثل الدولة ـ إلا أن يعفو ولى الدم أو يقبل بأخذ الدية , لأن الشريعة الإسلامية جعلت لولى الدم حقا أصيلا فى تطبيق القصاص وذلك فى قوله تعالى
( ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف فى القتل إنه كان منصورا )
هذا كما سبق القول فى خصوص جريمة القتل ..

ولكن السؤال هنا ..
هل ما حدث من قتل للمتظاهرين السلميين على يد سفاحى وزارة الداخلية عمدا ومع سبق الإصرار يمكن أن يتم تكييفه فى إطار جريمة قتل ؟!
كلا بالطبع ..
فجريمة القتل كما عرفها الشرع وعرفتها أيضا القوانين الوضعية هى جريمة شخصية .. نكرر جريمة شخصية سواء كانت جريمة عمدية أو شبه عمدية أو على سبيل الخطأ ..
ومعنى أنها جريمة شخصية أنها تتمتع بنوع ما من التوصيف بين القاتل والمقتول , ويمثل هذا التوصيف دافعا للقتل أو الشروع فيه حسب التكييف القانونى للجريمة ,
أما قتل المتظاهرين من قناصة الداخلية بالعشرات , وبلا أدنى مبرر أو سبب أو سابق معرفة أو وجود أدنى عذر ـ قد لا يكون سببا للبراءة ـ لكنه يصلح كدافع للقتل , فهذه ليست جريمة قتل بل هى فى عرف الشريعة الإسلامية ( إفساد فى الأرض ) وهو تطبيق مباشر يستحق حد ( الحرابة ) لا حد القتل قصاصا
ويسميه القانون الحديث ( البلطجة والإرهاب )
والفارق الدقيق بين جريمة القتل العادية ـ التى توجب حد القتل ـ وبين الإفساد فى الأرض ـ الذى يوجب حد الحرابة ـ هو توافر الدافع للقتل من عدمه
فإن توافر دافع للقتل عند القاتل أيا كانت ملابسات هذا الدافع , فهى جريمة قتل تجوز فيها الدية بشروطها ..
أما عدم توافر الدافع فهو يخرج بالجريمة من جريمة قتل عادية إلى إفساد فى الأرض يستوجب إحدى العقوبات الثلاث التى حددتها الشريعة ويصبح القصاص فيه واجبا على الإمام أو من يقوم مقامه وهنا لا يمكن تطبيق نظرية الدية بأى حال من الأحوال وتحت أى مبرر ..

هذا فضلا على أن الدية فى شأن قضية قتل المتظاهرين بالذات , غير مسموح بها لأسباب واقعية تعود إلى طبيعة الجريمة فضلا على موانعها الشرعية
فالدية تستوجب قبول ولى الدم وهو ما يتعذر فعله أصلا لكثرة الضحايا وعدم اتفاقهم , وحتى لو حدث المستحيل وتم تجميع كافة أولياء الدم وقبوا الدية فى القتلي ,فهناك القتلى مجهولى الهوية , وهناك القتلى الذين ليس لهم ولى للدم وبالتالى تعود الولاية لولى الأمر فى الدولة وهنا لا يكون من حق الحاكم ( ولى الأمر ) قبول الدية لأنه ليس وليا أصيلا وبالتالى يستوجب القصاص بلا بديل
وهذا هو ما فعله النبي عليه الصلاة والسلام مع الدهماء الذين قتلوا الراعى ونهبوا ماله فأمر بهم فسُملت أعينهم وقطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف ثم نبذوا أى تركوا فى الشمس حتى ماتوا .. تطبيقا لحد الحرابة
ولما سبق يكون الحديث عن الدية فى معرض هذه الجريمة حديث خرافة يمكن القول به نظريا مع استحالة تطبيقه عمليا ..
يتبع ...