عرض مشاركة واحدة
قديم 08-15-2010, 01:56 AM
المشاركة 2
سحر الناجي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي


نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

** احتفال بأنك راحل

من أين تهب الجراح .. !

تلك الظامئة إلى هطول النزف .. والمبعثرة على دهاليز وعيي .. تلك المستلقية بجبروت يتآكل له صبري , جراح قانية .. بحزمة صارخة من الغضب .. وإنسكابات للوجع .. وذكريات .. شتات وتنهدات .. وسقم مرير يعتريني في وحشة بهيمية .. حيث أطياف أخذت تزدحم في أحداقي .. وتركل خنوعي بحزمة من الويل المتناثرة من زمن بالي ..
من أين تنهض أحزاني .. وأذرع للقهر .. تتطاول للتو متأبطة غصة باتت تشنق خلجاتي .. حنيني .. وأنيني .. وليلة لاحت على جسد المدينة واجمة كأنها الموت القادم من العدم ..
ليلة تتمرغ على مروج الأفق .. وتكتظ بهمهمة سوداء لا يبددها الصمت .. ليلة تكابدني أزمانها الملوثة بالشجن .. فيعتريني الذبول ..
ويحي .. من يأتيني بالفرح .. وليس غير خوفي .. والندم .. وكومة من الآهات .. ليس غير أولئك من ينقش رعشاتي ..
أتسلل - كعادتي كلما أضحى الوجع وخيم - إلى باحتي .. أسيرعلى غير هدى .. أجر خطواتي المتعثرة على ممر ظننته بعد آخر لزمن سرمدي في غير عالمي .. خلت أني أمضي في كون موازي بدون كائنات أو أحياء .. بلا مخلوقات كونية , أتحسس الفراغ من حولي .. وعند مشارف الظلال الجاثمة بجانب شجرة اللوز ..أسقط بقامتي إلى الأسفل ..أقوقع جلستي على بلاط بارد .. فالأرض باتت ملاذي .. وليس من ضوء يعانق أحداقي .. ليس من قنديل أعالجه كمصباح لعلاء الدين .. والمارد أينه يحقق رغبتي الأخيرة .. غايتي اللحظة أن أستكين وأن أخلع عني أسمال القهر ..
أرفع رأسي المتخم بالدوار ..أنياب الوقت تنهش وعيي المتلبد بالنعاس ويقضمني مخلب الوهن الى حد التراخي أرمق - كما هو دأبي وللمرة الألف - البدر .. كان يطل علي من هامة الكون بهيآ ,, يستدير على شوارع الفضاء .. يتدحرج بين السحب ضاحكا لهذا الوجود المتخم للويلات .. ثمة أفلاك في العمق السحيق تتزركش بالزرقة والاحمرار .. ومجرات .. ثمة ظلمات فوقها ظلمات كبحر لجّي .. كانت أهدابي تغوص في أنواره الآتية من المجهول .. لذلك شرعت أحداقي إلى عمق الكون أفتش عن نجم آخر بين النجوم .. عن وجه طالما رأيته هناك ولم أتبينه .. وجه بين المجرات دأب على دس السرور في طية الجوزاء أو كوكبة الجبار .. كان ينقش محيا ساخرا إلى جوار الشعرى أو حتى بجانب الدبران .. دوما ينحت على مروج الكون شعاع ملطخ بالغرور .. وجه نحيل .. بقسمات حادة , وأحداق ترمقني بحنو وتغرس في قلبي قشعريرة ..
كأن السماء برحت شاحبة بلا تلك العيون .. كأن أندروميدا بدونه انكمشت على أرصفة الليل تواسيني بسراج زاهر من الفأل الهزيل .. وألوان من العذاب ..
يهبط وجهي من جديد إلى الأرض .. أدفنه في حضن كفي .. ثم أستند بظهري إلى الجدار .. وبلا ادراك .. أخذ النشيج يلتف على شهقاتي وصوتي المكتوم .. دموعي التي تنزلق بين أصابعي .. أحرقت بقايا صمودي .. دموعي والألم .. وزفرة كأنها الإحتضار .. شهقة لجمت لهنيهة البكاء .. فترنحت بالإختناق.. .. قطرات ساخنة أخرى توقظ إنهياري .. ومن بين شظايا عبراتي .. أخذت أتنفس بصعوبة وأنا أجاهد لأمحو صورعديدة ارتسم خيالها على جمجمتي .. صورتك فقط ظلت عالقة ولم تزل .. أرجع برأسي إلى الأعلى وألقيه على الحائط .. أرمق القمر مرة أخرى.. رأيته عابسا للتو .. رأيته يربت بنوره على كتف وعيي .. ويكفكف إسرافي في الوجع .. القمر وصيحات من العويل تفطر فؤادي ..أمحو حتى أحلامي التي شيدتها على رابيتك ..أمحو كل أمنياتي .. وعند لحظة تساوت فيها كل مشاعري .. تجلت سطوتك المطلة على ضعفي .. بوحك الذي تعطر بالعشق ..وأنسام من رائحتك المزهوة .. كانت كلماتك كالماء الزلال حين كنت عطشى ..كانت أحاسيسك يومذاك كبريق أومض كل بقاعي الداكنة .. قلت لي :
- اجعليني عكازك الذي يحميك من العثرات ..
قلت أنفلت من طغيان حضورك : إرحل أيها الغريب .. فلست حلمك .. ابتعد عن قلعتي المسيجة بالويل ..
قلت تتحداني : سأقتحم عالمك .. مهما كانت الصعاب ..
وفعلت .. أتيت فارس يستل عزيمته على أبوابي ليحطم إنغلاقاتها .. أتيت ولم يجرؤ سواك على هذا الحلول .. أتيت ثم ذهبت .. وكان في ترقبي لمجيئك .. أن انتظرت .. وعدت .. عدت بعد أن زهوت بأنك الرجل الوحيد الذي تهادت بوابات عالمي أمام وقع خطاه ..
قلت تجرني إلى عالمك : لنذهب .. ولكن في الخفاء ..
تملصت من يدك , قلت كسيرة : لا .. لم يحن الأوان لذلك ؟
سألتني : ومتى سيحدث ذلك .. إن العمر يمضي بنا .. وحان لنا الرحيل ..
تنهدت أحيطك بخوفي علما : أعلم .. لكنني لن أخرج معك إلا بالضوء .. وأمام كل الجموع ..
هتفت لي : لماذا تصعبين الأمر علي .. ألا يكفيك أني ملكت عليك حواسك ؟
أجبتك باقتضاب والدموع تتحجر في عيني : لا .. لا يكفي ...
نعم سيدي .. لا يكفي , ولا يبهرني عشقك الملوث باللامبالاة .. ولا صوتك الصادح عنوة بإغفاءات السلام .. ولا معانيك التي تزلزل كل أركاني .. لا يكفيني صوتك الممزوج في ذاكرتي .. لا يشجيني ..ولا يغويني أن أكون لك , أنت .. تريدني زخرفة تزين بها عمرك ..وجه شهير يتلألأ به حياتك ..أنت وأنا ..وهواجس تزجر رزانتي .. وواعز يؤلمني .. بأن أبرح مجرد شمعة بيضاء تتألق في عتمات طموحك .. طموح أرعن ما جاء بك إلى شواطئي ..
من أجل البريق المحتضن لأحرف اسمي تريدني .. ذاك المتربص لكل السلام في وجدي .. قدمت من أجل ضياء لي وشموخ على قمم الوجود .. أتيت كي ترص مزيج من شرف وفخر إلى جوار لقبك .. هذا هو حلمك .. ترى .. هل كنت تتسلقني لتصل إلى المجد .. تقفز على سياجي .. وتعدو فوق مروجي كي تنعم بشئ من الرخاء المضئ ..!
سألتك حينها : أصدقني القول .. من أكون بالنسبة إليك ؟
قلت كطفل يتلعثم كاذبا على حدود الحقيقة : حورية .. هيمنت علي بروعتها ..
صحت : فقط ..؟؟!!
قلت لي بحيرة : لا أدري بالتحديد .. ماذا تريدين ..
أريد .. يا عابرآ كل خلجاتي .. يا مارا بهيبتك مدني الحزينة .. أن أكون كل شئ .. أو لا شئ ..أريدك ساعدا أتوكأ عليه في تعبي .. وكيانا أحتمي به إذا ما هبت رياح جامحة .. ألوذ به .. أتلحف بكل قوته في هنيهات ضعفي ..أخالك رجل حط برحاله على موانئ قلبي .. وقام يتسكع بزهوه ويلطم بخطاه صمت طرقاتي .. رجل .. لا يماثله كائن بشري في هذا الزمان .. رجل .. وحده فقط .. لا يخبئني في جيوب عمره .. هو بذاته يقر أني نصفه الثمين .. قلت أيضآ لي ذات مساء صخب بضحكنا وفرحنا :
- أنت .. رائعة جدا ..
ربما .. هكذا تراني فقط .. ربما أن الحب بمنظورك .. كان مجرد ضوء تقتبسه أحداقك من سفوح أنت تخالني جناحك إليها .. تريد أن تحلق من خلالي إلى سطح النجومية .. تعبس حين أدلق على مسامعك بالحقيقة .. تتجهم , وكأنك الضحية وأنا الجلاد .. تصمت وتغيب من جديد .. تتركني لتعاقبني لأنني سموت بك فوق كل الرجال ..
بداية اللاعودة بيننا تجلت مليا في صلفك .. وقسوتك .. وأحيانا مفردات سقطت من صوتك سخرية .. افترقنا وحياة أخرى كنت تأنس إليها .. تفاصيل كنت تحجبها عني ..
ذات فجر تبلل بالمطر .. وعواصف قسوتك .. اعتذرت لتغيبك .. ولكن قلبي عافاك .. حضورك هلّ .. وجاءت معه كل الهزائم .. والاحساس المرير بالإنكسار .. كنت أقسو .. أقرّ .. ولكن رحيلك هو الخيار .. ليتك أدركت ما أختزله من بهاء للحب وإشراقات .. ليتك فهمت .. ياعمري .. يا أغلى الفرسان .. كيف أصبحت بالنسبة لي ساذج تمكر به أهوائه .. وتغويه أحلام تتربص بي لأكون ظلا منسيا ..
ارحل .. فلم يعد للبقاء معك معنى .. ارحل .. كي أتخلص من بقاياك من أركاني .. ارحل لأحتفل بأفول نجمك إلى الأبد ..
تحيتي