عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
4

المشاهدات
4177
 
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي


ريم بدر الدين is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
4,267

+التقييم
0.67

تاريخ التسجيل
Jan 2007

الاقامة

رقم العضوية
2765
06-07-2011, 07:23 PM
المشاركة 1
06-07-2011, 07:23 PM
المشاركة 1
افتراضي مغارة سماوية كما قرأها الأستاذ الناقد محمد عبد السميع نوح

مغارة سماوية
تمتلكني رغبة حادة بالصراخ ..
ربما ..لكي تستيقظ جذور النبات في رحم التربة و تقدم لي بعض العزاء فما عاد لي في ظاهر الأرض من يقدمه.
ربما..أصرخ كي أهب ذاكرتي قبلة الحياة فأنا أحتاج أن تجلدني بسياطها المرعبة لئلا أحيد ثانية عن دربها المرسوم.
من أنا؟ لست أدري .
ماذا سأكون ؟ لا أعي على وجه التحديد.
أين تستقر قدماي الآن؟
ربما تسبحان في هواء ..خواء مدته لي بكل براعة يدان أتقنتا رسم اللامدى و اللامنظور و جعلت منه عالما متكاملا دون أن ألمس منه ذرة في الواقع.
كانت الكلمات فعلا لا تشابه الكلمات، و مازالت هكذا!!
لكن جرعة أفيونها المخدر بدأت بالتلاشي بعد انقضاء نصف عمرها المؤثر و بدأ العقل بتنظيف سمومها و آثارها الجانبية.
كلمات كشجرة لبلاب أسطورية أصلها في التراب و فرعها بين الغيوم تسلقتها حتى وصلت عيون السحاب ..سحاب اعتلت متنه مغارات و تجاويف تسمع من عمقها همهماتٍ و قهقهاتٍ مخيفة لكائنات غير بشرية تسكنها.
رغم هذا خطوت إليها ...ولجتها بكامل إرادتي و ليس في يدي غير قنديل صغير بضوء شحيح بدأ نوره يذوي قليلا قليلا لأنه ما بقي فيه نقطة زيت و ربما لانعدام الأوكسجين لا فرق!
الغريب هنا أنّي ما زلت أتنفس!
طالعتني وجوهٌ طائرة لم أدر كيف رأيتها...من أين استمدت الضوء اللازم لأراها؟ ...وجوه مرعبة حينا و مألوفة حينا !
مظلمة تلك المغارة . كان بودي انتزاع قلبي المتقد فوق رأسي أضيء به الدرب لكنني أيقنت الهلاك و لم تكن ورائي جموع أقودها تحتاج الضوء كما كان دانكو* من قبل، فقررت أن أترك القلب يحترق في تجويف الصدر في حينٍ مقدورٍ لا أملك عنه حيادا.
تساءلت: لكل نفق لا بد من نهاية أخرى، هكذا يقول علم الهندسة. و لكل مغارة لا بد من منفذ آخر، هكذا تقول الجيولوجيا،لكن هذه مغارة فوق الغيوم، فهل تخضع للمقاييس الأرضية؟
سمعت خرير مياهٍ آتٍ من مكانٍ ما فاستيقنت أن ينبوعاً ما ينبجس من قلب صخرة .
إذاً هذه مغارة تشبه المغارة الأرضية،لم لا يكون لها من منفذ؟
قررت أن أموت و أنا أتقدم المسير فهو خير لي من أن أبقى قابعةً في مكاني أنتظره، فلربما أقابله في منتصف الطريق ،أوفر الزمن من أجلي و أوفر الجهد من أجله!
ارتقيت قدمي و امتشقت شجاعتي و عاودت المسير بخطى وجلة أتحسس موضع كل خطوةٍ كي لا أجد نفسي في هاويةٍ سحيقةٍ ...
درجات الأسود في الهواء بدأت تخف قليلا ..فهل أنني تعودت الظلام فتآلفت عيناي معه؟ أم أنّي اقتربت فعلا من نهاية المغارة؟
لست أدري..!
دندنت بأغنيةٍ ما علّي أزيح بعضا من وحشةٍ تغلف قلبي .
رددت جدران المغارة و حجارتها معي كلمات الأغنية ،كألف إنسان جاءوا ليشكلوا جوقة غير متناسقة.
مرعب صدى صوتي عندما يكون بهذا التعدد!
لكنني أعجبت بالتجربة، فكررتها، و رفعت صوتي بالغناء..ضحكت بهستيرية...كلمت نفسي ..تحدثت بكل لغة أعرفها :
To be or not to be that is the question
هاملت.. معلق بين السماء و الأرض، تعال هنا و شاركني وحشة المكان يا صديق !
صرت أسعد برد الصدى!
في مرحلة ما لم يعد يعنيني أن أبلغ بوابة الخروج .
عضني الجوع بأنيابه ،استيقظت فيّ غريزة الحياة فتركت اللعبة التي اخترعتها و سررت بها و غذذت السير.
شعاع رقيق جدا بدأ يتسلل ...فركت عيني أهو حقا بصيص ضوء أم أنني واهمة؟
اقتربت ..أكثر ...أقرب ..أقرب... بدأ اللون الرمادي الغامق ..فالأفتح..الأفتح...الأبيض.
خرجت إلى النور و الهواء، لأكتشف أنني أمضيت أعواما في جوف مغارة.
وجدت اللبلابة تنتظرني فامتطيتها و عدت إلى الأرض .
جدول مياهه رقراقة كان هناك..طالعت وجهي في صفحته لأجد أن هذه الرحلة لم تنل من روحي هماً و انطفاء أمنيات فقط ،و إنما نالت من جسدي هزالا و نحولا.
غسلت وجهي و يديّ مما نالهما و عاودت المسير من جديد..لكن في الوجهة الأخرى !!
-------------------------------------------------------
*دانكو شخصية محورية لقصة "قلب دانكو المحترق "
لمكسيم جوركي في مجموعته "مولد إنسان"
كتب الأستاذ الناقدمحمد عبد السميع نوح في قراءته لـ " مغارة سماوية"

جذور الإنسان كثيرا ما تكون المفزع الذي تأوي إليه الروح إذا حزبها الواقع لتلوذ بالآباء والأجداد في أجداثهم ، كما لو كانت لهم يد من العون أو النجدة .. الجو ضبابي جدا ، والقصة تصور بريشة رسام الكوابيس عالما خاصا جدا اخترعته الكاتبة واقترحت مفرداته بعناية .
نجد النبرة الطالعة من عالم تحكمه قوانين قاهرة ، لدرجة أن المرء كثيرا ما يحترم هذه القوانين رياء ، ثم مع الوقت يتشربها ولايكون عنها بد ، فهو درب مرسوم كما لو بمراسيم ملكية لاتقبل النقض .
ولو قرأنا شيئا من تفسير الأحلام عند ميلر أو عند ابن سيرين وجدنا للسباحة في الهواء عالما من الافتراضات سواء في علم النفس(ميلر وفرويد) أو اعتمادا على الدلالات الدينية(ابن سيرين) ولن نفصل الكلام حول ذلك ولكنها مجرد إشارة عابرة ، والذي يهمنا أن زلزالا عنيفا لو ضرب الأرض كلها فإن الفضاء الخارجي هو الملجأ الأوحد ، وهو ما استشعرته من عملية الهروب هذه .
رؤية خاصة لما لايرى ، وافتراض للرؤية بشكل غير تقليدي ، وإلا كيف وصفت بالإتقان (اللامدى واللامنظور؟) وهي بذلك تقترب في حذر وتأدب حين تتماس مع الحقيقة الكبرى والقدرة الإلهية التي كان كل شيء من إبداعها .
(الكلمات لاتشابه الكلمات) لامنطقية سيرورة الأشياء والناس والوظائف والعلاقات ، وتنافر كل ثنائية من ثنائيات هذه التركيبة المجتمعية تماما كطرفي سلك الكهرباء ، أحدهما سالب والآخر موجب ، ولايصح اثنان في الموجب أواثنان في السالب بحال . ولكنها قضية العقل البشري حين تسكنه االمعرفة بحسناتها وأوشابها، بنشوتها وآلامها ، لابد أن تعضل قضية الوجود هذه العقول المعذبة إلى الأبد .
أما (الأفيون المخدر) فجملة تتفجر بالثورة على كل مستقر وثابت في النفوس ، المبدع دائما تواق للتغيير ، هو طفل لايستريح إلا أن يعبث باللعبة حتى وإن أحرقت أنامله . ربة البيت المبدعة تغير كل فترة قصيرة من وضع الأسرة والأرائك والكراسي في بيتها لتبدو الأشياء كما لوكانت جديدة متجددة على الدوام ، والمبدع يفكك ويعيد تشكيل العالم على كل الاحتمالات ، ولم نتخلف عن الركب إلا بعد أن أغلقنا أبواب الاجتهاد في العلوم والفنون واكتفينا بالشروح وكتابة الحواشي حولها ، وحبسنا أنفسنا داخل توابيت تقديس مايمكن التنويع على أصوله والحوار معه وتطويره دون الكفر به ، ولكن باكتشافه من جديد . هذه عبارة (الأفيون المخدر) تدفع بشدة إلى هذا التصور .

(نصف العمر) من عادة المسجونين أو المجندين للخدمة الإلزامية أن يعدوا الأيام انتظارا لانقضاء مدتهم ، وهذه عبارة تضعنا في هذا الجو من الانتظار والملل .
شجرة اللبلاب (الأسطورية) وسيلة المواصلات ، والإنسان ينمو كما تنمو الأشجار ، ولكل عائلة شجرة تحفظ نسبها ونسبتها . وهنا أشعر بنسمة هواء صوفية تكشف عن باحث دؤوب يتتبع سلسلة النسب من أب وجد وأب جد وجد جد وهكذا نزولا بالشجرة الإنسانية إلى مصدرها الأول ، أو إلى الإبن وابن الإبن وابن ابن الإبن صاعدا إلى يوم الدين .. هذه الشجرة من اللبلاب بمثابة السلم أو المصعد الكهربائي (الأسانسير) وهو رمز محوري في القصة .
الاستغراق في الرحلة ، والإصرار على المغامرة ، ومفردة السحاب تحيل إلى الجدب والجفاف حسب المنطق الخاص للنص ، خاصة وأن كل شيء مقلوب هنا ، وكان الهروب إلى عالم مقلوب أيضا في مقابل هذا العالم الذي حكمت عليه القصة بالعدم .
وهو تدرج طبيعي أنتجته اللمحة السابقة عن عيون السحاب ، ولابد أن تكون هذه الكائنات غير بشرية ، وإلا لوكانت بشرية لما كان للهروب من داع .
ويظهر ضوء شحيح لقنديل صغير وهواستمرار للأمل برغم كل شيء ، ولابأس من كونه صغيرا ، فإنه على كل حال بصيص من الضوء . وكثيرا ما تضعنا ضآلة تجاربنا الحياتية في مآزق لايجد العقل ما يستأنس به إلا القليل النادر ، ويزداد هذا الأمر لدى المثقف الذي اضطر لأن يتعامل مع نوع آخر من الحياة العملية ، أو مع غير المثقف الذي وجد نفسه مقحما في أمور ثقافية ، كلاهما يتخبط كتخبط بطلة هذه القصة . وتحيط حالة الغربة بنفس الراوية لدرجة أن لم يعد فرق بين شيء وشيء ، ولايهم أن اختلف الوضع عن حال دانكو أو وافقه ولكن التأكيد على هاملت
يشي بأن في هذه الموجودات التي حكمت عليها الراوية البطلة بالعدم منها ما يجب الثأر منه والقصاص ، وترد الجملة الإنجليزية مؤكدة حال الاغتراب التام ، فوجودها في السياق العربي نشاز مقصود به اللفتة إلى الغربة العامة حتى في الكلام ، ولم لا ؟ وهي تنسب الضوء إلى الأذن في قولها ( أذني تعودت الظلام ) وعلينا نحن أن نكمل التراسل ونفترض هذه الجملة بالمقابل ( وعيني تعودت الصمت ) وتطلق عقيرتها بأغنية وتنشد الجوقة الغير منتظمة ، وتتعدد أصوات مغنية واحدة تعددا يخيف ثم يؤلف .. هذه الارتجاجات النفسية ذات صلة عميقة بروح الفنان المفعمة بالحيوية والعاطفة الكونية التي لاتحدها حدود ، ولذلك يكون الأثر جبارا إلى درجة ثورة داخلية مكتومة ولابد أن تبقى مكتومة لأن أحدا لن يتسن له أن يقدر لهذه الثورة قدرها ، إذ الحاتل كحال المتصوفة الذين يتكلمون عن ذوق خاص لايوصف كلاما .
وتتمايل التجربة بين الاستسلام والثورة في لامنطقية واقعية ، ولايمكن لمنطقية الواقع أن تتجاور مع منطق خاص اقترحه النص .
وتكون شجرة اللبلاب بالانتظار، وهي وسيلة المواصلات بين عالمين أسوأهما مانعيشه .
وللون الأبيض يجب أن نقف متأملين ، والبياض ملبس العروس ، والبياض لون الأكفان ، والبياض شفافية الروح ، والروح الشفيف يعيش الموت عرسا كاملا ..
هذه مغارة سماوية حقا ، حيث أشرقت على الروح منها سحائب الغيث والاستسلام للقدر استسلاما غير سلبي ولكنه مشمول بثورة للتغيير فيما هو بشري يلح على التغيير ،
كانت هذه الأصوات لدى المغارة السماوية معادلنا الموضوعي الي استأنسنا به دالا على أناس جذبتهم أنوار البياض نحو عالم فوق السحاب بدأ كابوسيا عند ريم بدر الدين وانتهى إشراقيا روحيا ..