عرض مشاركة واحدة
قديم 08-15-2010, 12:22 AM
المشاركة 9
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي
غسان كنفاني ...كاتب لكل زمان ومكان

قل لي كيف تريد أن تموت .. أقل لك من أنت ؟؟
بهذه العبارة أستهل الحديث عن كاتب رحل
لكنه لم يرحل !!
من الطبيعي أن يكون دمه قد جف ..
ومن الطبيعي أن حياته انتهت ..
لكنها ممتدة امتداد الشعاع من الشمس
انه غسان
كلما مضى على رحيله زمن أحببناه أكثر
انتزعوه طفلا من أحضان يافا .. المدينة التي هدهدته
في مهده في مساءاتها الصاخبة .. ولما تكتمل طفولته
بين ربوعها وفي أزقتها التي ما فتئت توثق خطو الغزاة
فمضى في رحلة أثيرية مع السحب ينمو بداخله حب وطن
قسا عليه وترك بصماته العابثة على قلبه
لكن غسان ومن فرط حبه لهذا الوطن زاوج بين تفاؤلين
الارادة والعقل .
فقد جاء يبحث عن مساحة مهما كانت ضيقة
على الأرض وهو يدرك أن لكل مخلوق منا
مساحة منحها الله إياها يلملم فيها أحلامه
ويزرع فيها شتلة آماله
انه جال هنا وهناك يبحث عن كوخ صغير يمارس فيه
حريته .. يشعل فيه ناره يبدد بها العتمة
وقلم ومحبرة يكتب بهما في الفضاء أغنية لفلسطين
التي تاهت منه مثلما تاه عنها مرغما
فيعلن تمرده على الانكسار وكل أشكال الطواعية
ويزيح عن كاهل كل فلسطيني جدارا من الخوف
يريد أن يسقط فوق رأسه
ومضى غسان في رحلته يؤلف قاموس المقاومة
ولكن بقلمه ومحبرته وبأسلوبه الذي ميزه عن غيره
هذا القاموس يصلح لكل زمان ومكان فلسطيني
هذا القاموس يشمل كل أشكال الرفض ..
رفض اللجوء ورفض مجالس السلطان ..
رفض الخنوع والتبعية ..
ورفض الحدود بكل أشكالها
بالاضافة الى رفض الصمت
فكما عبّر ناجي العلي عن رفض الصمت برسوماته المذيّلة
بتوقيعه :
( لا لكاتم الصوت )
عبر عنه غسان كنفاني بأسلوبه الخاص
عندما قال : الموت وجه الحياة والحياة وجه للموت
اللاعمل هو الموت وكل ما يحدّ الحركة موت
كل ما يحاصر الفكر موت .. وكل ما يكبـّل الحرية موت
ولا معنى للحياة ان هي أضحت ذلا
وارتزاقا أو امتثالا مهينا
يقول عماد في مسرحية ( الباب ) :
لا أريد الطاعة .. ولا أريد الماء
وهذا يعني أن الموت عطشا أفضل من التوسل الى مستبد
انها فلسفة الموت التي تنتج المقاومة التي يعلن عنها
غسان في كتاباته
- وها هي تتكرر الصورة في غزة -

وبهذه الكلمات تحول غسان الى فارس ذلك الزمان فقد
انفتحت له كل الأبواب .. خاصة عندما طرق باب الفقراء
والمتمردين والساخطين على كل شيء يحيل حياتهم مذلة
تداخل الى أعماق البسطاء وتفاعل مع نبضهم وارتشف معهم قهوة همومهم واكتشف بعد ذلك أنهم أبلغ الخطباء
لم يكن ما كتبه غسان من وحي الخيال
أو قصص مفتعلة بل استمع الحكاية من أفواه أصحابها
وأنصت الى قصص من أبطالها الحقيقيين
لقد أ ُعجب بالمرأة التي لا تقرأ ولا تكتب ( أم سعد )
فقال فيها : علمتني أم سعد كثيرا وأكاد أقول أن كل حرف في السطور التالية ( رواية أم سعد ) انما هو مقتنص من شفتيها اللتين ظلتا فلسطينيتين رغم كل شيء
هكذا اذن كانت كتابات غسان ترجمة للواقع بحروف وكلمات أصحابها ويذيلها هو ببصمته التي تميزت
حار غسان أين يذهب ..
فتجول في أزقة التاريخ منقباً وباحثاً ..
فوجد الفلاحين ضحية مزدوجة للأفندية والغزاة
وأحب ألا يقع فقراء ذلك اليوم الذي عاش فيه
والذين يملكون القدرة على التمرد والرفض
أسرى لأفندية اليوم
انه حس الطبقية لذي لا زال موجودا حتى يومنا هذا

وعندما وصف غسان الرجال الثلاثة في الخزان
في ( رجال في الشمس ) عرض لنا نموذجا لا يرغبه
لشكل من أشكال الموت فهؤلاء الثلاثة رضوا بالهوان ولم يقرعوا جدران الخزان
00لقد قادهم وهمهم وعجزهم الى موت
لا كرامة فيه
وبذات الوقت .. عرض غسان نموذج آخر لموت آخر
في ( آخر ما تبقى ) حين يخرج حامد من غرفته البائسة ليقاتل في عرض الصحراء متحديا كل شيء
ونموذج أم سعد التي تشهر سيفها أمام الفقر عملا
بما قيل ( لو كان الفقر رجلا لقتلته )
ان الموت
بفلسفة غسان ليس بالضرورة أن يكون هدفا أو هروباً ..
انما هو الإختيار والسلاح الذي يستخدمه الانسان الفلسطيني بحثا من خلاله عن حياة كريمة
اذن غسان ألف قاموس المقاومة وها هو يغرف منه
وينثر في حكاياته ورواياته
في كل مرة مفردة من مفردات قاموسه
كان الشكل الفني في روايات غسان يميل الى استخدام الرموز والموحيات التي جعلته قادرا على ايصال الشعور المناسب في الوقت المناسب وبصورة جمالية قادرة على الجذب والايثار
ان روائع غسان كنفاني يرحمه الله باقية كقطع موسيقية
خالدة لا تموت بموت صاحبها ..
لأنه عزف على الأوتار الحساسة في حياة الفلسطيني

ورحم الله محمود درويش الذي قال عنه في تقديم ٍ لمؤلفه
( في الأدب الصهيوني )
وتحت عنوان ( غزال يبشر بزلزال ) :
(( من الطبيعي أن يكون دمه قد جف .. ومن الطبيعي أن يكون أصدقاؤه قد عادوا الى لغتهم .. ومن الطبيعي أن نستعيد قدرة الكلام عنه كما نتحدث
عن الأنهار التي اخترقتنا وذهبت
وهذا ما يحدث لي : أيام وأيام أحاول فيها أن أعتاد هذا ( الطبيعي ) لأكتب عنه في هدوء.. ولكنه يطردني عن الورق .. فإن حبره لم يجف.. هو الذي يمنعني من أن أفي بوعدي .. هو الذي يمنعني عن الكتابة.
ويختتم محمود درويش تلك المقدمة التي استمرت ست عشرة صفحة من صفحات الكتاب بقوله :
لا أحد يحيا لنفسه كما يشاء
ولكننا نراك في كل مكان .. تحيا فينا ولنا ..
وأنت لا تدري ولا تعلم ))
يرحمك الله يا درويش حين وصفت فأبدعت وصف كاتب وفيلسوف رائع مثل غسان
ويرحمك الله يا غسان فأنت لا زلت تسري بدمائنا



إلى اللقاء .. في شخصية أخرى
تحية ... ناريمان