الموضوع: أبي
عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
3

المشاهدات
3046
 
محمد السيامي
من آل منابر ثقافية

محمد السيامي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
4

+التقييم
0.00

تاريخ التسجيل
Jun 2009

الاقامة

رقم العضوية
7301
05-17-2011, 01:48 AM
المشاركة 1
05-17-2011, 01:48 AM
المشاركة 1
افتراضي أبي



أبي ، هل تستطيع سماعي ؟ أتعرف كم اشتقت إليك ؟ إلى ابتسامتك ، ضحكك ، حديثك ، رائحتك ، صوت خطواتك وأنت ترتقي درج منزلنا ، وتهبط ، إلى قرع عكازك على أبوابنا وقت الصلوات ، ونداؤك لنا : قوموا صلوا ، اشتقت حتى إلى عبوسك في وجهي عندما أرتكب خطأ ، وكثيرًا ما كنت أرتكبها .

أبي يستوطن الزمن حجرتك الصغيرة ، كأنه توقف هنا ، يتربع على مقعدك الخشبي القديم ، يقلب صفحات كتابك الأخير، ويرتشف ذكرياتنا معك من فنجانك المفضل ، يحكي القصص التي كنت ترويها لنا ، يخبأ أبطالها ، خلف الباب ، وبين خزائن ملابسك وكتبك ، وفي ثنايا ثيابك المعلقة ، وطي الستائر ، وفي شقوق الجدار .

أبي أشيائك في أماكنها التي تركتها فيها ، كأنك ستعود إليها في أية لحظة ، ما زالت تلك الأشياء تحتفظ بدفء يديك ، لم نلمسها لأنك عودتنا ألا نعبث بأشيائك ، أو نحركها، حتى العصا التي تؤدبنا بها ، ما زالت معلقة خلف الباب ، لم نستغل غيابك ونُخفِها عنك ، لم نلمسها .

كتابك المفتوح ، ينتظرك لتنهي قراءته ، سجادتك ، تشتاق لجبينك ، ملابسك ، تحن لحبات عرقك ، مذياعك الصغير ، الذي طالما قذفت به نحونا ، يفتقد من يحرك أثيره ، أتعرف كم اشتقت إليك ؟

أمي بخير يا أبي ، نرعاها ونهتم لأمرها ، لا تنشغل بأمرها ، لكنها أكثر شوقًا إليك منا ، في كل صباح بعد أن ترتشف فنجان الشاي بجوار مقعدك ، تقرأ في كتابك بضع أسطر ، قبل أن تعيده على المنضدة ، كما تركته ، ثم تعود إلى مكان ، لتقرأ في وردها الصباحي ، وبعد أن تفرغ ، تبدأ في تمشيط شعرها ، همست لي ذات مرة بأنك تفضله طويلاً ، ثم تجمع تلك الشعيرات ، وتدسها في صرة ، تخفيها تحت وسادتها ؛ نقدم لها كل فرائض البر ، لكننا لم نستطع تعويضها عن حبها الكبير .

أبي هل تسمعني ؟ هل أنت بخير حيث أنت ؟ رحمك الله يا والدي وغفر لك ، وجزاك عنا خير الجزاء ، كم اشتقت إليك .

.