انهضْ معَ الطِّينِ الملوَّنِ و الدَّقيقِ
شِعر : مُختار الكَمالي
-1-
طفلٌ يغنِّي لا يملُّ من الغناءْ
لا شيءَ في الحقلِ الكبيرْ
لا شيءَ إلَّا جدولٌ للماءِ يحتضنُ الضَّفادعَ ما تمالَكتِ النَّقيقْ
في قريةٍ بلغتْ كمالَ جمالِها
بثمانِ حَفناتٍ من الطِّينِ المُلوَّنِ و الدَّقيقْ
و كَكُلِّ أطفالِ البيوتِ الغافياتِ على يديهِ
تأتي طفولته إليهِ
لا بدَّ للولدِ الشَّقيِّ - و إنْ تَكبَّرَ - أن يعودَ إلى اللَّعِبْ
لا بدَّ أن يصطادَ شُرغوفاً لكي يلهو بهِ
وقتَ الظَّهيرةِ عند جُرفِ النَّهرِ فيما لو تَعِبْ
لا بُدَّ أن يدري
بأنْ لا شيءَ في الحقلِ الكبيرِ
لا شيءَ إلَّا كومةً من أضلعٍ تغفو على "شَلِّ الشَّعيرِ"
و تقولُ للماضي : كفى !
يا أيُّها الولدُ المشاغبُ قد غفا
في قريةٍ بلغتْ كمالَ جمالِها
بثمانِ حفناتٍ من الطِّينِ المُلوَّنِ و الدَّقيقْ
-2-
قمرٌ تَدلَّى عبرَ نافذةٍ تُطلُّ على رؤاهُ
الدُّميةُ البيضاءُ غافيةٌ و تحضنُها فتاةٌ لا تراهُ
بعضُ الفراشاتِ التي حَطَّتْ على طرفِ الضَّفيرةِ
لونُها لونُ الرَّبيعِ قدْ ارتدتْ ما تشتهيهِ من الرَّحيقْ
تلكَ الفتاةُ لها ضفائرُ من ضياءٍ من ضياءْ
في حينِ كانَ الطِّفلُ يغفو فوقَ أكوامِ الشَّعيرِ
كانتَ تنامُ على الحريرِ
على الحريرِ و لا تراهُ !
كانتْ كما الأطفالُ في الحَيِّ المُدلَّلِ
تغفو على نغمِ الحكاياتِ البعيدةِ
عن أغاني الرِّيفِ
و الأشجارِ
و الحُلُمِ الشَّفيفِ
عن الرَّغيفِ
عن طفلٍ ينامُ و لا ينامُ على حكايةْ !
كانتْ لهُ قمراً تَدلَّى عبرَ نافذةٍ تُطِلُّ على رؤاهُ
في حينِ لم تلمس ضفيرتَها يداهُ !
-3-
يا أيُّها الطِّفلُ المشاغبُ لا تُطِل عنَّا غيابكَ أيُّها الطِّفلُ الكبيرْ
لا تتركِ الفلَّاحَ ينتظرُ المدائنَ و العناوينَ الكبيرةَ أيُّها الطِّفلُ الكبيرْ
لا تتركِ الغربانَ تجتَثُّ المناجلَ من حقولِ القمحِ أو حقلِ الشَّعيرْ
طالَ المَنامُ على رؤاكَ على رؤايْ
و يداكَ تشبهها يدايْ
يا أيُّها الولدُ المشاغبُ في دِمايْ
للمنجلِ المذعورِ أغنيةٌ و نايْ
للجدولِ المهجورِ أغنيةٌ و نايْ
للشَّاعرِ المغمورِ أغنيةٌ و نايْ
لكَ ما تريدُ و ما أريدُ
لكَ ما تريدُ .. و ما أريدُ
-4-
للآنَ أذكرُ كُلَّ شيءٍ .. كُلَّ شيءْ
للآنَ أذكرُ كَمْ يفاجئنا نهارٌ آخرٌ
لمْ ننتَبِهْ لقدومهِ
كنَّا انشغلنا بالأحاديثِ القديمةِ
بالأناشيدِ الجديدةِ
بالتَّنَدُّرِ و التَّشاقي
بالليالي العاطفيَّةِ و الدَّموعُ على المآقي
بالـ(لا تقولُ) و (لا أقولُ)
و يكادُ يقتلكُ الفضولُ
للآنَ أذكر كُلَّ شيءٍ ..
كُلَّ شيءْ !
-5-
لكَ يا أخي المُبْيَضُّ في حبوي إليكْ
هذا النَّشيدُ المخمليُّ و لي نشيدْ
لكَ أنْ تقولَ و أنْ تعيدْ
لكَ أنتَ وحدكَ أنْ تُغنِّي (للـرَّشَا)
لكَ (إنْ تشاءُ و إنْ يَشا)
لكَ ما عَليَّ و ما عليكْ
فانهض معَ الطِّينِ المُلوَّنِ و الدَّقيقْ
فلكُلِّ أغنيةٍ طريقْ
و لكلِّ باديةٍ طريقْ
و لكلِّ حَطَّابٍ و ما يجني حريقْ !
***
هامش :
في المقطع الأخير إشارة إلى أبيات الحلّاج التي مطلعها : يا نسيم الريح قولي للرَّشا / لم يزدني الوِردُ إلَّا عطشا