عرض مشاركة واحدة
قديم 03-09-2011, 07:42 PM
المشاركة 2
نايف المطلق
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
((الفصل الأول))
"دموع ورجاء"
يملئ أرجاء الغرفة الصمت والسكينة وبعض أصوات المعدات الطبية التي تشرف على حالة ((ساري)) الذي يرقد في غيبوبة إستمرت ثلاث أعوام متتالية.
يدخل الأطباء والممرضات كل يوم ويخرجون وليس بيدهم تغيير أي شيء إنها إرادة القدر أن يبقى ساري طريح الفراش فاقد الوعي ولا يعلم أحدهم إن كان سيستيقض أو لا.
لا صلة لساري بالحياة سوى ذلك المغذي الذي زرع في يده حتى يمنحه بعض من الطاقة التي لا يمكن له أن يستمده سوى من رحمة الإله وحده.
وإعتاد صديق طفولته حمدان أن يزوره في كل خميس وجمعة وكالعاده ينظر إلى صديقه الطريح الذي شاء القدر أن يلقيه على هذا الفراش.
ينظر حمدان إلى صديقه ساري ذو الهيبة والشموخ مغمضاً عينيه لا يهمس بأي حرف مجرد شاب إكتست ملامح الشحوب على وجهه
كما إعتاد حمدان إحضار بعض أدوات التنظيف والمناشف لصديقه ويجلس إلى الكرسي الذي بجواره وهو يدع له بالرحمة.
فحمدان وساري صديقين لدرجة كبيرة فقد تربيا سوياً في نفس الحي الشعبي الذي ليس به نهار.
وقف حمدان مقترباً من رأس صديقه ساري وهو يقرأ القرآن عند رأسه تارة وتارة يدع له.
وتارة تذرف دموعه وهو يهمس لصديقه "قم ياساري" لقد إشتقت إليك" ويعود لوضع الذكريات في رأس ساري الملقى جسداً بلا أي روح تتحرك
وسط غرق وجه حمدان بالدموع التي إكتست على وجهه وهو يذكره بالرفقه والاصدقاء والطفولة والمدرسة حتى يصل إلى درجة تكاد تشبه الألم
فساري هو من ساعد أسرة حمدان الفقيرة وكان في مثابة أحد أبنائهم وحمدان كان يسير على خطئ ساري ولولا إرادة القدر لكان مصير حمدان هو نفس مصير ساري.
رفع حمدان رأسه للنافذة وهو ينظر إلى السماء التي إكتستها الغيوم التي تعشق هذه المدينة الحزينة "الطائف"
وماهي إلا لحظات لتتداخل ومضات البرق واصوات الرعد المرعب لتسقط الأمطار.
فتح حمدان النافذة ورفع يده للسماء وهو يدع لصديقه المقرب إلى قلبه كثيراً وسط عودة الذكريات التي جمعتهما,أخرج يده ليكتسي المطر حصته منها.ومسح بها وجه ساري وهو يردد "ليتني أنا"
سمع حمدان صوت طرقات الباب ودخلت الممرضة وهي تلوح بنهاية الزيارة نظر حمدان لصديقه في أسى وحزن على الحال.
ولبس معطفه وهم للرحيل وعندما إقترب من الباب كان معتاد أن يودعه بنظرة الرحيل رغم إيمان حمدان بأن إفاقة ساري من الغيوبة أمر ضئيل نسبياً وانه قد يرحل في أية لحظه إلا أن لا يريد أن يضع هذه الفكرة في مخيلته مهما كانت.
نظر حمدان خلفه وهو في بؤس شديد و إتسعت حذقة عينية في ذهول فضيع وهو يرى ساري يفتح عينيه بصعوبه بالغه.
عجز حمدان عن التمتمه إكتفى بالإشارة بيده وسط صمت وماهي الا ثواني معدودة وصرخ حمدان مستنجداً بالاطباء.
نظر ساري للسقف أمامه ثم "للمغذي" وسط تعجب ثم رأى الأطباء وهم يهمون عليه وحمدان يسجد على الارض والدموع ملئت وجهه حامداً لربه.
الحمدلله لقد إستيقضت يا ساري وهو يبعد الاطباء ويحتضنه بقوة بالغة.