الموضوع
:
عش رشيد الميموني الدافئ
عرض مشاركة واحدة
03-07-2011, 12:35 AM
المشاركة
31
رشيد الميموني
من آل منابر ثقافية
اوسمتي
مجموع الاوسمة
: 2
تاريخ الإنضمام :
Dec 2010
رقم العضوية :
9563
المشاركات:
597
(10)
اليوم صرت طفلا .. أو على الأصح عدت طفلا ..كما كنت منذ الأزل .. هل كان القرار قراري ؟ لا أدري ، ولكني وجدت نفسي ألهو و أرتع هنا و هناك .. ألملم أشيائي الخاصة .. وأقطف باقات ورد حين أشتهي ذلك .. أو أقذف بالحجر بعيدا حتى يتوارى عن ناظري أو أرمي به على سطح الغدير لينط مرات ومرات قبل أن يهبط و يستقر في قعره ..
استطابت نفسي هذا التحول المفاجئ ، وكان لا بد لي أن أبحث عنك كما اعتدت على ذلك في كل ضحى لنخرج سويا ممسكين بيدي بعضنا البعض .. نتحدث دون رقيب أو حسيب في داخلنا .. حين أغضب فإني لا أواري غضبي ، وحين تزعجك تصرفاتي تعبسين في وجهي وتنصرفين غير مكترثة ببقائي وحيدا .. لم يتنازل أي منا عن أنانيته الطفولية ، لكننا سرعان ما كنا نهدي بعضنا البعض أحلى و أجمل ما وقعت عليه أيدينا .. هل تذكرين كم باقة ورد أهديتك وكم إكليل زهر وضعته تاجا على رأسك أو طوقت به عنقك ؟
صرت شقيا كما كنت ، بل أكثر شقاوة من ذي قبل .. وزادت مشاكساتي لك بقدر ما كنت تتدللين و تثيرين غضبي بتصرفات ربما هي غريزة في الأنثى . كنت تغيبين في الوقت الذي كنت أبحث عنك متلهفا .. وكنت تظهرين دون أن يبدو عليك شيئا ينم عن لهفتك .. بينما أنا أتحرق شوقا لرؤيتك .. لكنك في المقابل كثيرا ما تأخذك نوبة من البكاء وعلى حين غرة ، فأفاجأ بك تلقين ما بيدك أرضا وتولين الأدبار ثم تهرولين لا تلوين على شيء .. فأغتم لذلك ، و أظل أنتظر إطلالتك من جديد حتى تقبلين علي ، ربما بعد يوم أو يومين مبتسمة مشرقة و كأن شيئا لم يكن .
أنا الآن أنظر إليك من عشي .. تلتقطين بعض الأعشاب الجافة لنرمم بها أعشاش العصافير التي تضررت من الرياح العاتية التي هبت أمس .. أراقبك تنحين و خصلات شعرك تحجب الرؤية عن وجهك فتلوحين بها إلى الوراء .. يعجبني فيك ذاك الوجه الطفولي المشاكس .. عيناك أيضا تنطقان بشقاوتك .. لم أعرف قط كلمة حب .. ولم يذكرها لساني لأنني بكل بساطة لا أعرفه .. أو على الأقل لا أعرف هذا المصطلح .. قد أكون متلهفا إليك كلما غبت أو حضرت .. وقد آخذ بيديك وأنا في قمة سعادتي لأذرع بك هذه الربى ..وحتى حين أقطف لك وردة ، فإني لا أفعل ذلك سوى لأنك تحبين الورود و تسعدين بإهدائي لها إياك ..
ألا ترين أننا نتحكم في كل شيء يخصنا ؟ .. نعدو حين نريد .. نجلس لاهثين حين يجد في الجلوس متعة .. نلتقي متى شئنا .. نفترق متى رأينا أنه علينا أن نفترق .. نلتقي في الصباح لأجدك في انتظاري أو العكس .. حتى أحلامنا ، ربما كانت تغوص في الليل على سجيتها .. فألتقي بك وأعيد صخب النهار و عربدة الضحى و تأملات المساء ونحن على ضفة الغدير الساكن في تأملاته مثلنا .
لا أحد يمنعنا من التحدث طويلا عبر شباك نافذتينا .. حقا ، هناك زجر لكي نخلد إلى الراحة و نستعد للذهاب إلى المدرسة في الصباح الباكر .. فنظل نهمس حذرين ، ونكتم بين الفينة و الأخرى ضحكاتنا حين نتذكر شيئا مر بنا أثناء النهار .. أذكرك بالعجل الذي وخزته بإبرة فانطلق يخور عبر الحقول و صاحبه يتوعد بالويل و الثبور من تسبب في ذلك ، و أنت منبهرة بما فعلته .. كنت أستلذ أن أبدو أمامك رجلا بكل معنى الكلمة .. ثم تذكرينني بالهرة التي وضعت في قوائمها حناء و بالدجاجة التي ألبستها قبعة صغيرة حتى غطت عينيها و حجبت عنها الرؤية فلم تعد ترى طريقها . ثم نتساءل متى سنخرج إلى المدرسة في ذلك اليوم الخريفي الزاهي .. وهل سنتمكن من الجلوس جنبا إلى جنب مثل العام الماضي .. لا أنسى يوم فرق بيننا المدرس لأننا سهونا عن الدرس و أخذنا نتحدث عن جني البلوط ..كم كان ذلك التفريق بيننا قاسيا علي حتى كدت أبكي لأنني لا استوعب درسا إلا و أنت بجانبي .
أنتظر الصباح بكل شغف رغم أنني هنا من نافذتي أسمع همسك الضاحك و أفهم إشاراتك .. تلوحين لي مودعة فأعلم أنك تعبت ..
الطريق إلى المدرسة ممتع .. نجري هنا و هناك .. نلتقط بعض الحصى دون أن نعرف ماذا نفعل بها .. أو نتسلق أغصان شجرة صغيرة ، ونشرب من منبع في الطريق وأرش عليك الماء بحفنة من يدي فتولولين وتاخذين أنت أيضا حفنة منه وتظلين تلاحقينني حتى تفرغ راحتك من الماء .. ثم نصل إلى الجسر لنعبر فوق النهر .. أحدثك عنه كما حدثتني جدتي التي تهديني كل ليلة حكاية دون أن أسمعها إلى النهاية .. لكني أتلذذ بالبداية المعتادة : - سالتك .. فأجيب بحماس .. " سال لا تخاف " .. فتبدأ الحكاية .
مرة واحدة استطعت مغالبة النعاس حتى النهاية .. كانت الحكاية لأميرة اغتسلت عند المنبع ، وحين أتى أخوها الأمير ليشرب حصانه ، علقت شعرتها بأسنانه ، فأقسم على أن يتزوج الفتاة صاحبة الشعرة .. وحين علمت الأميرة بقرار أخيها هربت وجلست على صخرة وطلبت منها أن تعلو بينما أهلها يترجونها أن تعود ، فتجيب أباها أولا :
في الأول كنت أبي
و الآن ستصير حماي
اعلي بي يا حجرة
فتصير الحجرة صخرة ثم تلا ، إلى أن تتحول إلى جبل .. ويتقدم كل فرد من أفراد أسرتها يستعطفها كي تنزل فتعيد قولتها كل حسب قرابته لها ..
وحين تقترب الحكاية من نهايتها أسمع جدتي تقول :" وفي الطريق .. اشتريت حلوى .. وهي تذوب .. وتذوب .. وتذوب .. حتى صار كل شيء كذوب .( كذب ).
أذكر يوما أنك طلبت مني أن أروي لك هذه الحكاية لكثرة ما حدثتك عنها .. وحين وصلت إلى ذكر الحلوى .. كنت قد وضعت رأسك على كتفي و نمت وضفيرتك مدلاة على صدري.. كم كنت جميلة في ذلك اليوم و نحن جالسان قرب النهر .. ربما شعرت بشيء غريب نحوك دون أن أدري ما هو ..
سأبقى طفلا مادمت تدلينني وتشبعين غروري .. وستبقى الطفولة سمتي ما دمت تصفحين عن زلاتي وتقابلين إساءتي بابتسامة و رحابة صدر ..
سأكبر يوما ما .. لكني سأبقى طفلا .. فكوني أبدا طفلة ودعي طفولتك تسكنك مثلي ..
رد مع الإقتباس