عرض مشاركة واحدة
قديم 03-01-2011, 05:36 PM
المشاركة 24
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
س2 : أيضا ليس كل يتم مبدع. ولا كل مبدع يتيم . نعم أن ما ذهبت أليه يؤكد أن نسبة عالية من كبار عباقرة العالم هم أيتام . ولكن ليسوا هم الأيتام فقط . فهنالك أيتام غيرهم لم يكونوا شيء. وهنالك أيتام حصلوا على رعاية طيبة ولم يحققوا لنفسهم تاريخ أو حضور إنساني . فكيف نتعامل مع هذا المطلق المطروح ضمن فضاء الأطروحة.

ما جئت به هنا صحيح تماما فليس كل مبدع يتيم... وليس كل يتيم مبعد، ولكن ذلك لا يمكن أن يقلل من أهمية العلاقة البارزة بين اليتم والإبداع كونها مؤكدة إحصائيا وتحليليا. وكما قلت لا يمكن تجاهل تلك النسبة العالية من الأيتام من بين الخالدون العباقرة فهي حتما نسبة تتعدى الصدفة.

أما لماذا لا يكون كل يتيم مبدع؟: فذلك يتعلق بمجموعة عوامل أهمها أن اليتم بحد ذاته ليس السبب في ولادة الإبداع فالأمر ليس (كن فيكون) هنا، وإنما المهم هو أثر اليتم والسر يكمن في اثر الصدمة على كيمياء الدماغ تحديدا، والتي يبدو أنها تأخذ في التدفق بغزارة عند البعض لكن ذلك لا يحصل عند آخرين حتى ولو مروا في تجربة اليتم وربما السبب يعود لمجموعة من العوامل البيولوجية والبيئية والاجتماعية. ولاسباب اخرى مثل التعليم والتأهيل ووجود القدوة الخ من عوامل..

وقد يكون للتوقيت في وقوع صدمة اليتم اثر مهم جدا على دفق كيمياء الدماغ، كما أن الصدمة الأولى لوحدها قد لا تكون كافية حيث يبدو أن تكرار المآسي والصدمات والفجائع في وقت لاحق يرتبط ارتباط وثيق بدفق كيمياء الدماغ، وبالتالي على التفكير الإبداعي ويظهر ذلك جليا في حياة عدد كبير ممن خلدتهم قدراتهم الإبداعية.

فلا نكاد نجد شخص خلده عمله الإبداعي لم تكن حياته تراجيديه بكل ما في الكلمة من معنى. ويلاحظ أن أعظم الأعمال الإبداعية تولد في فترة الحزن التي تلي فقد متأخر حيث يُحيي هذا الفقد المتأخر على ما يبدو الم الفقد المبكر فيكون الدفق الكيماوي في الدماغ مزلزلا وفي أعلى حالاته، خاصة عندما يكون الشخص قد تأهل في مجال إبداعي معين، وامتلك فلسفة تبريرية تجعله قادرا على الاستمرار في الحياة، ويطلق العنان لقدراته الإبداعية ويوجهها لكي تخرج على شكل مخرجات إبداعية بدل أن تتحول الطاقة الناتجة عن تلك الحالة إلى قوة مدمرة ذاتيا.

ويلاحظ انه كلما اشتدت المآسي والفجائع والصدمات وكانت أكثر كثافة وحدة وتكرار، وكلما كانت أبكر (أي كلما حدثت في سن مبكرة)، يكون لها اثر أعظم يمكن ملاحظته من خلال المخرجات الإبداعية طبعا...فمثلا نجد أن الشاعر الذي يكون قد فقد احد والديه أو كلاهما في سن مبكرة واستمرت حياته مأسوية نجده قادر على إنتاج ليس فقط متعدد المجالات، أي امتلاك القدرة على الإنتاج والإبداع في مجال الرواية مثلا والقصة والشعر والرسم الخ.. وإنما الأهم من ذلك هو العمق في النص الإبداعي والقدرة المهولة على القول المبدع البليغ والمؤثر والذي يخلد هذه النصوص، بل نجد أن هذه النصوص تكون وكأنها كتبت بلغة كودية تحمل على معاني مستقبلية، وقد تكون غامضة ورمزية وغير مفهومة المعنى لكنها في زمن لاحق تظهر وكأنها نبوءات كان عقل المبدع الفذ قادر على إنتاجها في أعماله الإبداعية، وتطلب فهمها مرور زمن لاحق طويل أحيانا حتى.

وفي ذلك مؤشر بأن اليتم يتسبب في دفق كيماوي في دماغ اليتيم ذلك الدفق يؤدي إلى خلق الاستعداد لحالة الإبداع، ويطلق عليها البعض لحظة ولادة العمل الإبداعي، وهي أشبه ما تكون بلحظة الوجد التي يصل إليها المتصوفة الأيتام من خلال ممارساتهم لطقوس معينة، ويطلق عليها الشاعر عبد اللطيف عقل مثلا "لحظة فعل الشعر" وهو يرى أن لحظة فعل الشعر أشبه ما تكون حالة يطير فيها الشاعر ويحلق عاليا ، لحظة من فقدان الوزن ...وفيها تلتقي الأمكنة كلها في نقطة واحدة، كما تلتقي فيها الأزمنة كلها في لحظة واحدة ، وهذا ما يفسر احتواء النصوص الإبداعية عند الأكثر والأشد يتما على نبوءات مذهله حيث تكون لغته وكأنها كودات تحمل على لغة مستقبلية.

أما آلية حدوث ذلك فلا بد أن كيمياء الدماغ المتدفقة تلك تعمل على توفير الإمكانية لالتقاء المادة بنقيضها في فضاء الدماغ فيحدث الاشتعال الذي لم يتمكن علماء الفيزياء من الحصول عليه في المختبرات حتى الآن وهو مؤشر على عظمة فضاء الدماغ واعجازيته حتما.

ونقيض المادة يطلق عليه علماء الفيزياء الـبوزيترون positron وقد تمكن أطباء الدماغ، وكما يقول د. خالص الجلبي ، في كتابه" الثورة العلمية ألحديثه والإيمان " من حقن الدماغ بالسكر والذي يحمل ذرة كربون مشع فيحدث الوهج ( التألق ) نتيجة لالتقاء ذرة الكربون بنقيضها من عالم اللاماده ( قرينها )، وهو الأمر الذي يمكن الأطباء من تحديد الأورام وأماكن الخلل في ثنايا الدماغ وهو احدث تقنية طبية لهذا الغرض.
ويبدو أن ذلك ما يحدث عندما يوفر الدفق الكيميائي في الدماغ والناتج عن صدمات اليتم البيئة الصالحة لالتقاء المادة بنقيضها فتتولد طاقة مهولة وكأنها من عالم ما ورائي تجعل الدماغ يعمل بقدرة لا محدودة ومتناسبة طرديا مع كم الدفق الكيماوي المتجدد.

وهذه الطاقة هي التي أسميتها (طاقة البوزيترون) وهو اصطلاح أطلقته على حالة الاشتعال الإبداعي ويستخدم لأول مرة على الإطلاق من قبلي، في وصف القوة الدافعة للحظة ولادة العمل الإبداعي، فيبدو العمل الإبداعي بفعل تلك القوة اللامحدودة عندما يولد وكأنه عمل موحى به، أو وكأنه ولد من ثنايا وأعماق مجهولة وغير معروفة يسميها البعض مثل فرويد اللاوعي.

ويمكن لنا أن نتخيل هذه القوة البوزيترونية إذا ما قارناها بقوة الانفجار الذي يحصل كنتيجة لارتطام 0.147 من المادة مع قرينها من عالم اللامادة كما يصفها د. خالص جلبي في كتابه المذكور آنفا، فيقول أن مثل ذلك الانفجار يعادل انفجار 100 قنبلة هيدروجينية.

طبعا لا بد من التشديد هنا أن هذا الطرح خاصة في يتعلق بطاقة البوزيترون يظل نظري إلى أن يتم إثباته في المختبر، ولكن يظل هذا التفسير هو التفسير الأكثر منطقية الذي يتوصل إليه العقل البشري في محاولته لتفسير سر الطاقة الإبداعية في ظل هذا التقدم التكنولوجي والعلمي المهول. ومن هنا تأتي أهمية نظريتي في تفسير الطاقة الإبداعية .

يتبع ،،

- هل كل مبدع يتيم ؟