عرض مشاركة واحدة
قديم 02-22-2011, 11:41 PM
المشاركة 26
رقية صالح
أديبـة وكاتبـة سوريــة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تلك الأيام


(ج 1)





ذهبت تلك الأيام‏


تلك الأيام الجيدة


الأيام الممتلئة والنزيهة‏


تلك السماوات المغطاة بالبلك *


تلك الأغصان المثقلة بالكرز ‏


تلك البيوت المتكئة معاً على غلاف‏


اللبلاب الأخضر


سطوح البالونات اللعوبة تلك


تلك الأزقة السكرى من عطر الأكاسيا


ذهبت تلك الأيام‏


حيث من بين شقوق أجفاني‏


يتصاعد غنائي مثلما فقاعة تغلي‏


مترعة بالهواء‏


وحيث تنعكس عيني على كل الأشياء‏


وتشربها كحليب طازج


كأنما في بؤبؤيَّ أرنب قلق وسعيد‏


يسافر كل صباح مع الشمس العجوز‏


إلى حقول مجهولة


وفي الليالي‏


يغوص في غابات العتمة


ذهبت تلك الأيام‏


الأيام الثلجية الآفلة‏


عندما من وراء الزجاج

في الغرفة الدافئة دائماً‏


أتأمل في الخارج

ثلجي الطاهرَ‏

كيف يتساقط مثل زغب ناعم‏


بهدوء‏


على السلم الخشبي القديم‏


على حبال الغسيل المرتخية‏


على ضفائر الصنو برات العجائز‏


وأفكر بالغد...


آه‏


الغد: حجم أبيض صقيل‏


يبدأ مع حفيف عباءة جدتي؟


مع بزوغ ظلّها الشبحي في إطار الباب‏


وهو يطلق نفسه في إحساس النور البارد


وفكرة التحليق الحائر للطيور


في كؤوس الزجاج الملونة


الغد...‏


دفء الكرسي يجلب لي النوم


عجولة أنا وغير خائفة

أبتعد عن‏ أنظار أمي

لأمسح خطوط الباطل

من‏ مسوداتي العتيقة

عندما ينام الثلج

أتجول قلقة في الحديقة

وتحت أصّ شجرة الآس اليابسة‏

أدفن عصافيري الميتة

ذهبت تلك الأيام‏


أيام الانجذاب والحيرة‏

أيام النوم والصحو

أيامَ كل ظل له سر

وكل علبة مغلقة تخفي كنزاً‏

وكل زاوية من الصندوق
في سكوت‏ الظهيرة
كأنها العالم
وكل من لا يخاف من الظلمة‏

كان في عيني هو البطل

ذهبت تلك الأيام‏

أيام العيد‏

انتظار الشمس والوردة

ارتعاشات العطر في اجتماع صامت

وعفّة النرجس الصحراوي‏

الذي يزور المدينة آخر صباحات‏

الشتاء


* البلك: نوع من الشذر الصغير الملون تزين به الثياب



يتبع


.


.

هذي دمشقُ وهذي الكأسُ والرّاحُ
إنّي أحبُّ... وبعـضُ الحبِّ ذبّاحُ
أنا الدمشقيُّ لو شرحتمُ جسدي .. لسالَ منهُ عناقيـدٌ وتفـّاحُ
ولو فتحتُم شراييني بمديتكم .. سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا
زراعةُ القلبِ تشفي بعضَ من عشقوا .. وما لقلبي إذا أحببتُ جرّاحُ
مآذنُ الشّـامِ تبكي إذ تعانقني .. وللمآذنِ كالأشجارِ أرواحُ
للياسمينِ حقـوقٌ في منازلنا.. وقطّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتاحُ
طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتنا .. فكيفَ أنسى؟ وعطرُ الهيلِ فوّاحُ
هذا مكانُ "أبي المعتزِّ".. منتظرٌ ووجهُ "فائزةٍ" حلوٌ ولمّاحُ
هنا جذوري هنا قلبي .. هنا لغـتي فكيفَ أوضحُ؟
هل في العشقِ إيضاحُ؟

- - - - - - - - - - - - - -
(أعشق وطني والمطر)