عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
7

المشاهدات
5269
 
رقية صالح
أديبـة وكاتبـة سوريــة

اوسمتي


رقية صالح is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
2,577

+التقييم
0.50

تاريخ التسجيل
Mar 2010

الاقامة

رقم العضوية
8808
02-19-2011, 11:17 PM
المشاركة 1
02-19-2011, 11:17 PM
المشاركة 1
افتراضي الكـولاج عنـد أدونيــس







الكــولاج عنــد أدونيــس



آلان جوفروي فرنسا

ترجمة: مي محمود




منذ بداية التسعينات، حقق أدونيس ما يربو على مئة عمل وأكثر من الكولاجات، تميزت جميعها بفرادة واضحة. ويظهرفي هذه الأعمال مرتاحاً، رشيقاً، عميقاً، جلياً، ومحيراً، كعهدنا به دائماً. ونكتشف نحن هذه اللوحات كمن يكتشف بلد للمعرفة، كما لو أننا عدنا لاكتشافها بعد أن نسيناها. نقع على أثره بعد مغادرته لها، نتعرف على نظره، وبصمته، ونحن ننتقل من عمل إلى آخر، على الطريق المتعرجة، المستقيمة، الوعرة، السالكة ذاتها، إنها ذات الطريق التي يفتتحها من قصيدة إلى أخرى، ومن كتاب إلى آخر.


في هذه الكولاجات، يجعلنا أدونيس نرى ما تجعله الكلمات أحياناً حاضراً دون أن نراه، محسوساً ولكنه عصي على الإدراك. وتشكل هذه الأعمال مجتمعة ما يشبه مساحة الأرض، هو مالكها، إنها مسلات صغيرة تقود سيرنا داخل المتاهة الشاسعة لأعماله المكتوبة.



المبدأ السائد على هذه اللوحات بسيط، إذ أن أدونيس يجمع أينما مر مواداً صغيرة، بقايا من خشب، وحجر، وخرق، وورق، ومقطعات غير مرمزة من واقعنا العادي. إن هذا النهج في القطف الجسور للأشياء التي لا نراها عادة، ويمر بها العابرون والسائرون دون أن يلحظوها، يلحظها هو ويجمعها في حقائب سفره ليعود لرؤيتها من جديد، هذه الأشياء تذكرنا بكولاج ال"ميرز" لكورت شويترز، الذي قال لنقاد الأدب عام 1922 "إن اقتطاع العمل الفني من الطبيعة، والذي من الناحية الفنية لا يمكن الإعداد له، يتطلب معرفة أكبر من تلك التي يتطلبها تكوين عمل فني يعتمد على قواعد الفنان الخاصة، وذلك بفضل مواد لا قيمة لها. الفن لا يعير أهمية للمادة، ويكتفي بتكوينها ليخرج العمل الفني منها (....) فهل بوسع ناقد الأدب فهم هذا ؟ في واقع الأمر، استطاع هذا الـ"خطف" للأشياءالواقعية، إن كانت من الطبيعة أو من طبيعة صناعية - وبموازاة خط أعمال مارسيل دو شامب المعدة سلفاً، مع اختلاف كامل في الأسلوب – أن يوفق بين أمرين لا تزال الثنائية الغربية تفصل بينهما: الفن واللاّ فن، المعنى واللاّ معنى، المرئي واللاّمرئي . أما أدونيس فهو يقف بكولاجاته على الخط الموحِد، الذي على الرغم من كل ماقيل عنه بقي غير مفهوم.


لا يكتفي أدونيس بتجميع لقطهِ وترتيب بعضها مع البعض الآخر، طبقاً لمعايير الشكل والمادة واللون، على غرار العديد من فناني التجميع، ولا يرضى بالتوقف عند هذا الحد، إنما هو يلصقها على خلفيات من ورق أو من ورق مقوّى ويخط عليها، لا قصائده هو، بل قصائد مكتوبة لمن أعجب بهم من شعراء عرب، ويقدمها لنا لنقرأها في آن واحد، كما لو أن كلمات الآخرين والأشياء المجهولة تكون كلاً واحداً يحتاج من يفك رموزه.



أمامنا كولاج فوق لوحة الخط، وإن كان هذا الخط في بعض الحالات هو لكتابة مختلقة وغير مقروءة، تعوضه عن الاستشهاد بنصوص بيّنة. وهكذا نجد أن اللغة المكتوبة تستخدم كخلفية أولى للأشياء التي انوجدت صدفة. وهنا يكمن الابتكار الأساسي لأدونيس في هذا المجال الذي باتت الابتكارات الحقيقية فيه معدومة تقريباً.



لكننا نميل مع ذلك إلى تصنيف الكولاج عند أدونيس طبقاً للألوان السائدة فيه، فهنالك على سبيل المثال، الأسود والأحمر، الأسود والأبيض، الماروني والبيج أو الأحمر، الرمادي والأسود. ولكن هذا التصنيف لأعماله، وإن سهل إجراءه، لا يخدمنا كثيراً في قراءتها أو تفسيرها. إن الغاية التي يضعها أدونيس لنفسه في هذه اللوحات هي ليست بالغاية الجمالية حصراً، مثلما لا يمكن اختزال الغاية في قصائده بالإغواء الأدبي.



وهو في هذا أيضاً يخترق خلسة الأنظمة والمراتب. فما هو دقيق ولا شكل له يملك القيمة ذاتها للكبير وللذي له شكل.
ويقيناً، هو لا يريد أن يوحي لنا بأن الكل مكافئ للكل، مما سيفسر على أن بإمكان أي شيء أن يمتزج بحقيقة كبرى. في حين بإمكان أي شيء، بالنسبة له، أن يقود إلى شيء جسيم (وقد يكون العكس فيقود كل شيء جسيم إلى أي شيء). شريطة أن نبقى متيقظين، وحذرين إزاء كل ما نفعله ونقوله، أي أن نكون في حالة تيقظ دائم إزاء الواقع، وهذا هو حاله على الدوام، إن كان يكتب أو يلصق، أو يجول الدروب بحثاً عن لقاء مع العالم، أو جالساً على طاولة الكاتب يستجمع أفكاره. إن هذه المواد المنضدة على لوحات الخط تكون على سبيل المثال، شخصيات وقامات بشرية، أو هي حيوانات حقيقية أو خرافية، أشكال معمارية، أبواب، وشبابيك، ومسلات، ومنازل، وصروح. هذه الشخصيات هي إما واضحة للغاية أو خفية، عندئذٍ علينا معرفة قراءة هذه الكتابة التي لا كلمات فيها، فهي، كما يبدو، مواد لا ترتبط فيما بينها إلا بعلاقات قليلة. إن شئنا التعرف عليها أم لم نشأ، الأمر سيان، لأن حضورها المستتر كائن، ويعبر عن اختيار طوعي.



على الناظر لهذه الأعمال أن يبحث ليعثر على ما شاء لنفسه من تفسير، وهنا يحضر القول الشهير لدو شامب، وإن هو حاضر في كل زمان ومكان: "إنهم الناظرون الذين يصنعون لوحة الرسم". ولكن المرء عندما يتعرف في إحدى لوحات الكولاج لأدونيس المنجزة في عام 1998، على عين، وبؤبؤها، وقرنيتها، وأهدابها، وحاجبها، لا يحتاج إلى بذل جهد كبير ليشعر بأنها تنظر إليه في العمق. إن أدونيس يخاطب كل ناظر من الناظرين، لا سيما عندما يستحضر تلك الشخصيات البشرية، الراقصة أو المحاربة. إنه يخاطب كل ناظر وفي الوقت ذاته كل قارئ، ويدعوه لخلق الواقع من جديد. العالم برمته في حاجة لإعادة تأويل، الكل يعلم ذلك- أو لنقل عليه أن يعلم ذلك.





هذي دمشقُ وهذي الكأسُ والرّاحُ
إنّي أحبُّ... وبعـضُ الحبِّ ذبّاحُ
أنا الدمشقيُّ لو شرحتمُ جسدي .. لسالَ منهُ عناقيـدٌ وتفـّاحُ
ولو فتحتُم شراييني بمديتكم .. سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا
زراعةُ القلبِ تشفي بعضَ من عشقوا .. وما لقلبي إذا أحببتُ جرّاحُ
مآذنُ الشّـامِ تبكي إذ تعانقني .. وللمآذنِ كالأشجارِ أرواحُ
للياسمينِ حقـوقٌ في منازلنا.. وقطّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتاحُ
طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتنا .. فكيفَ أنسى؟ وعطرُ الهيلِ فوّاحُ
هذا مكانُ "أبي المعتزِّ".. منتظرٌ ووجهُ "فائزةٍ" حلوٌ ولمّاحُ
هنا جذوري هنا قلبي .. هنا لغـتي فكيفَ أوضحُ؟
هل في العشقِ إيضاحُ؟

- - - - - - - - - - - - - -
(أعشق وطني والمطر)