عرض مشاركة واحدة
قديم 02-17-2011, 12:48 PM
المشاركة 30
رشيد الميموني
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
(9)



و الآن .. ماذا تنتظرين مني أكثر مما قلته لك سواء في عشي أو على الربى و الصخور وبين الوديان و الخوانق .. عند الأصيل و في السحر .. سواء صحا الجو أو امطر ..؟ هل تريدين المزيد ؟ ألم أشبعك كلاما حتى أتخمت مسامعك ؟ أين تختفين ؟ ومتى ستظهرين من جديد ؟ كنت أحسب أن ذاك الصباح الذي تلا العاصفة إيذان بلقاء لن يعقبه فراق ..وتفاءلت حين وجدت العصفورين أمامي وقد التقيا بعد أن ذاقا مرارة الفراق مثلي .. لكنهما الآن ينعمان معا بالأنس و المودة هناك في عشهما المقابل لعشي .. هل تدرين أنني صرت أستوحشه كلما دنوت منه ؟ ولولا وجود العصفورين لكانت هذه الوحشة أشد و طأ على قلبي والجريح و نفسي المكلومة .
هذا المساء ، وجدت في عش العصفورين قطعة من ورق كنت أكتب عليه بوحي وأنا أرسم صورتك .. لازالت جدائل شعرك الغجري وعيناك النجلاوان كما رسمتها و كأني بها قد قاومت ثورة الطبيعة و أمطارها و ريحها العاتية لتصمد و تبقى ملتصقة بالأغصان ..
أنا أعلم أنك قريبة مني .. تسمع أنفاسي اللاهثة وأنا أذرع الربى و الوديان بحثا عنك .. و أعلم علم اليقين أنك تنتشين بملامح القنوط و اليأس التي تعلو محياي وكأنك تخشين أن يدب الفتور إلى لهفتي عليك متى ظهرت و وضعت حدا لهذا الفراق ..أنت تعرفين جيدا مدى حبي وعشقي لك و شوقي إليك .. ربما حملت لك أوراق الخريف الذابلة أجزاء هذا الحب لتلملميها و تشكلي أبهى صورة لهذا العشق الذي لا يزيد إلا تمكنا مني و من كياني .. حب غزا جوانحي وتغلغل في روحي عبر مسامي و سرى في شراييني مسرى دمي .. كم حاولت اجتثاثه واقتلاع جذوره لكني كنت أتراجع في اللحظة الأخيرة ، ولا أدري ماهي هذه القوة الخفية التي تجعلني أحتفظ به لك بين جوانحي .. ربما كانت كل لحظة أعيشها تذكرني بك .. سواء في الصباح أو المساء مرورا بالضحى و الزوال و الأصيل ، و انتهاء بالليل و السحر .. كل لحظة تسمعني منك ترنيمة أو تضوعني شذا أو تلهبني أنفاسا و همسا لا أفيق من سكرته ..
حبك سيدتي شيء عذب ، أليم ، غريب .. حبك يدنو مني حتى يكون في متناولي و طوع إشارتي فقط حين أعرض عنه و أفكر في استئصاله ..
لكنه يختفي كالسراب و ينأى كلما هفوت إليه أروم احتضانه و التنعم بدفئه .. لقد تعودت عليك .. وتعودت على نزواتك و أهوائك .. وصرت أتحملها عن طيب خاطر و بصدر رحب .. صرت أعرفك أكثر وأنت بعيدة عني .. أعرف طبائعك و طريقة تفيكرك .. اعرف متى تفرحين ومتى تغضبين .. أعرف متى تشتاقين إلي فتزهر الأشجار و تهتز التلال و تربو ، و حين تتبدل مشاعرك نحوي أعرف ذلك في ذبول أوراق الشجر و تساقطها .. بل إنك صرت ملمة لكل جزئيات نفسي المتعطشة دوما لرؤياك .. تحصين علي أنفاسي وتتظاهرين باللامبالاة .. تقتفين أثري ثم تكابرين لكي لا يبدو منك اي اثر للهفتك علي .. تتجاهلين نظراتي وأنت تتحرقين شوقا إليها .. تعرضين عن بوحي ، لكنك تغلين لهفة للمزيد .
تبدين عدم اكتراثك لتهافت المعجبات ، لكنك تتميزين غيظا و غيرة وتودين لو صرخت فيهن كلهن أني لك .. لك وحدك .
لم كل هذا ؟ .. ألا تعلمين أن هذا سيتعبك كما أتعبني ؟ .. وأنك ستتألمين كما اتألم ، فقط لأنك تريدين ذلك ..
هاهو الخريف يمضي .. وتمضي معه ايامنا و ليالينا .. يمضي وفي جعبته بوحي لك منذ أن بدأ حبي لك وليدا ، فتعهدته بالرعاية و العناية رغم تجاهلك له .. فشب و ترعرع حتى صار يافعا .. جميلا بهيا .. وسيبقى بوحي يتردد هنا و هناك عبر الجبال ، بين الوديان .. عند الغدير .. ولن يتوقف ، بل سيستمر مع توالي الفصول .. وسوف أبقى هنا أنتظر الخريف الآتي .. فلربما حملتك نسائمه عن طواعية لننعم بلقاء ما بعده فراق .