الموضوع
:
نبوءات الشعراء والأدباء : دراسة معمقة
عرض مشاركة واحدة
02-16-2011, 10:18 PM
المشاركة
10
ايوب صابر
مراقب عام سابقا
اوسمتي
مجموع الاوسمة
: 4
تاريخ الإنضمام :
Sep 2009
رقم العضوية :
7857
المشاركات:
12,768
نبوءة الشعراء
ولا تقتلوا 'زهران' الجديد: مصر وتونس تعيدان
الحنين الى الزمن الثوري
ابراهيم درويش
2011-01-30
القدس العربي
بالعودة إلى شرارة الثورة
التونسية التي انهت حكم طاغية آخر ـ شاهدنا الجماهير التي لم تنس الشابي وراحت تردد
اغنياته عن الحياة والقدر والارادة، والآن نجد انفسنا امام ثورة المصريين وكل منا
له وصفه للثورة الحالية
.
الماغوط والارهاب العربي
وفي هذه اللحظة يجد
المرء نفسه مدفوعا للعودة الى ما كتبه
الماغوط
وهو 'يخون وطنه' ( ربما لم يقرأ من
الثائرين الجدد هذا) متسائلا 'هل فقدت الشعوب العربية احساسها بالأرض والحرية
والكرامة والانتماء إلى هذه الدرجة؟ أم أن الارهاب العربي قد قهرها وجوّعها وروّعها
وشرّدها سلفا أكثر بكثير مما فعلته وما قد تفعله اسرائيل في المستقبل؟'.
هذه نبوءة
الشاعر تتحقق، وهنا لا بد من الاشارة إلى ان الشاعر الذي هرب من وطنه قبل ان يجد
يدا يحمل فيها حقيبته او يرتبها كتب قائلا 'آخر مرة كانت الى تونس، اربعة الاف كيلو
متر فوق البحار والقارات وانا احدق من نافذة الطائرة، كما يحدق اليتيم في واجهات
الحوانيت في الاعياد. كانت الغيوم هاربة من العرب، الامواج هاربة من العرب، الاسماك
هاربة من العرب التلوث هاربا من العرب، العروبة هاربة من العرب. وبعد اسبوع كنت
اعود اليهم وحزام الامان ما زال حول خصري'. لكن العرب اليوم اكتشفوا ذاتهم وحريتهم
وحطموا جدار برلين. تأخروا قليلا ولكنهم الان على قمة العالم. لم يخن الماغوط وطنه
لان قلبه كان عليه، فهو لا يمكن ان يكون من نوعية الخونة الذين تساءل عنهم السياب
'
اني لأعجب كيف يمكن ان يخون الخائنون.... أيخون انسان بلاده؟؟'، ولا من بائعي
الارض الذين تحدث عنهم ابراهيم طوقان 'اما سماسرة البلاد فعصبة / عار على اهل
البلاد بقاؤها
'.
دمشق والثلاثية الحمراء
اليوم وفي انتفاضات الشعوب العربية
التي تكسر قيود الخوف وتطالب بالتغيير ـ تحضر في القلب والعقل كل القصائد الجميلة
التي سجلت الحزن والفجيعة والثورة.
من شوقي ومرثيته لدمشق وهو يغني 'وللحرية الحمراء
باب / بكل يد مضرجة يدق'، وهو يرثي عمر المختار،
وابراهيم طوقان وهو يكتب 'اوبرا
'
الثلاثية الحمراء عن شهداء انتفاضة البراق الذين اعدمهم الاستعمار البريطاني في سجن
عكا 'لما تعر ض نجمك المنحوس / وترنحت بعرى الحبال رؤوس/ ناح الأذان واعول الناقوس
/
فالليل اكدر والنهار عبوس'.
مثل الشهداء في الزمن العربي السابق يعيد لنا هؤلاء
الشبان الزمن الجميل، الزمن الذي كان فيه الشعر بياناً ثورياً لم يذق بعد حس
الهزيمة. شعر كان يتطلع إلى الحرية، ولم يكن قد واجه بعد عام 1948 ولا عام 1967 ولا
حتى خروج المقاومة 1982.
تذكرنا الانتفاضات الجديدة بالشعر الجميل هذا مع اننا لم
نسمع منه الكثير في مظاهراتهم التي لم تحمل سوى يافطات تهتف بسقوط الصنم، وقطعا
سيأتي الشعر الجميل فيما بعد. ويظل من الغبن ان نصف ثورات الشباب بأنها ثورات
الياسمين والخبز والزبدة، فهي ثورات مخضبة بالدماء تحمل وسام سليمان الحلبي وعمر
المختار وعز الدين القسام وشهداء الثورة الجزائرية، وزهران بطل صلاح
عبدالصبور
.
صلاح عبدالصبور وشنق زهران
ويجد من يشاهد الانتفاضة المصرية عن
بعـد نفسه مدفوعا مرة اخرى إلى القراءة والبحث عن صورة البطولة في الحياة المصرية
وما اكثرها، ويقع على ما كتبه
صلاح عبد الصبور
عن مذبحة دنشواي، حيث تمنحه المشاهد
الملحمية صورة تتفاعل وتتماهى بين ابطال اليوم وشبابها وبين ما صوره عبد الصبور عن
زهران.
كانت مذبحة دنشواي، تلك القرية الهادئة التي وقعت فيها المذبحة في بداية
القرن العشرين، بداية مرحلة للخروج من رق الاستعمار ثم جاءت الثورة المصرية عام
1919
لتعيد خلق الانسان المصري وصورته عن نفسه. ومصر اليوم في بداية العقد الثاني
من القرن الحادي والعشرين على اعتاب ثورة ستكون لها اصداؤها ليس في مصر بل في كل
العالم. فأيامها الأربعة او الخمسة او الستة هزت حتى الان المنطقة. وما يهم الان هو
ان لا ندع الديكتاتور يشنق زهران/ الشباب لأن عب دالصبور كتب عن بطله زهران قائلا
:
'
كان زهران غلاما ..
امه سمراء
والاب مولد، وبعينيه وسامة
وعلى الصدغ حمامة،
وعلى
الزند ابو زيد سلامة .
ممسكا سيفا وتحت الوشم نبش كالكتابة..
اسم قرية ( دنشواي
)
..
شبّ زهران قويا ونقيا،
يطأ الارض خفيفا واليفا'،
فهذا الشباب ولد من نسغ زهران الذي
'
كان يحب الحياة..
كان زهران صيقا للحياة،
مات زهران وعيناه حياة..
فلماذا قريتي
تخشى الحياة؟'.
لكن شباب اليوم يحبون الحياة مثل زهران ولم تعد مصر تحب الموت كما
كان اجدادهم الفراعنة يهيئون كل شيء لما بعد الموت
.
بين جوع المقريزي وجوع
الحرية اليوم المثير الآن في ثورات الشبان انها ثورات محلية وان كان لها بعدٌ
خارج اراضيها ومع ذلك تظل مطالبها محلية تطالب بإزالة آثار استعمار الديكتاتوريين
وانظمة قمع استعمرتهم لعقود، وهي وإن تأثرت ببعضها البعض من خلال التكنولوجيا
الحديثة، التويتر، والانترنت والفيسبوك الا ان مطالبها لا علاقة لها بالهم العربي
العام، فهي ليست معنية بالصراع العربي ـ الاسرائيلي ولا الوحدة العربية ولا 'الوطن
الاكبر' ولا الوحدة الاممية ولا حتى الوطن الاسلامي الذي رفعه المصلحون المسلمون
والاسلاميون. انها ثورات بلا اعلام ولا قيادات ولا شعارات الا شعارات، وبلا لحى او
خنافس، ترفع اصواتها ضد الظلمة وهي في هذه تعيد الينا الهبات الشعبية في التاريخ
الماضي عندما كان الناس يهبون مطالبين. ونعود مرة ثانية الى ان الثورات هذه وان
ذكرتنا بثورات الجياع التي حدثنا عنها المؤرخ المعروف المقريزي في كتابه 'اغاثة
الامة بكشف الغمة' و الذي صور فيه 'تاريخ المجاعات في مصر' ، لكن هؤلاء الشبان
الثائرين المتعلمين تختلف فهم يريدون العمل والحياة الكريمة، جوّعهم النظام، وليسوا
كجياع المقريزي الذي كتب عن المحن والمآسي التي عاشها المصريون في غفلة من حكامهم،
الذين ابتعدوا عن الجماهير. فقد ذكر المقريزي في كتابه ما يقرب عن 26 مجاعة. ويعود
المقريزي الى جذور مصر الفرعونية ليحدد ان اول مجاعة اصابت البلاد حدثت في عهد
الملك السابع عشر. ويقدم المقريزي قصصا اخرى عن البلاء الذي حل بمصر بشكل ادى الى
ان راح الناس يأكلون الكلاب والاطفال الصغار. وفي احدى المجاعات بيع رغيف الخبز
بألف دينار فيما اكلت جماعة حمار الوالي فشنقها الاخير، ووجد الناس ان جثث
المشنوقين قد اكلت قبل طلوع الفجر. ولم يكن المقريزي هو من كتب وحده عن مجاعات مصر
بل قص علينا عبداللطيف البغدادي في كتابه 'الافادة والاعتبار في الامور المشاهدة
والمعاينة بأرض مصر'. وقصص البغدادي مزعجة عن الحال الذي آلت اليه مصر. رجال يأكلون
بعضهم بعضاً وولاة يأكلون لحم الصغار وصعاليك يأكلون لحم امرأة سمينة. ويقول ان
الجوع اشتد بالفقراء حتى اكلوا الميتات والجيف والبعر والروث ثم تعدوا ذلك واكلوا
صغار بني آدم...'. في مصر اليوم جوع من نوع آخر، جوع حقيقي ( غياب الفرص واسعار
باهظة واغنياء يعيشون في بيوتهم المسورة) وجوع للحرية والتخلص من الطغيان. ولهذا لم
يعد المواطن يحلم بالوحدة العربية او حتى يهتم بالقضية الفلسطينية بنفس الحرارة
التي يعرف بها المصريون طوال عهود القضية، وهم الذين قدموا من اجلها الارواح
والاموال. وشوق المصري للحرية وكذا العربي التونسي والجزائري والسعودي واليمني هو
شوق للتخلص من حكام تكلسوا على كراسيهم وقادوهم من كارثة إلى أخرى وافقدوهم
كرامتهم، وهذا يذكر ما دمنا نبحث في الشعر عن مقابل او مواز للاحداث في العالم
العربي.
لا بد من العودة إلى القصيدة ـ البيان الثوري الممنوع في وقته للشاعر
الفلسطيني المعروف عبد الكريم الكرمي ( ابي سلمى) ( 1909 ـ 1980).
وهي القصيدة التي
نعى فيها الحكام العرب ، حيث قدم
لهم صورة ساخرة كاريكاتيرية
.
بيان ابي سلمى الثوري
في الوقت الذي كتب فيه
القصيدة كانت فلسطين تعيش ثورتها الكبرى ( 1936- 1939) وجاءت القصيدة كغنائية
بياناً ثورياً، تحمل كل ألام المستضعفين في العالم العربي ويدعو الشاعر فيها العرب
إلى الخروج من قيد السجن والتخلي عن حكامهم الذين يلهون أنفسهم بلعب الشطرنج وصيد
الصقور وملك يسبح ويلبس عباءة التقوى وحاكم لا يزال يعيش شعبه في عصر ثمود، سيوفه
صدئة.
وفي مقابل هذه النخبة التي حملها ابو سلمى مسؤولية الكارثة هناك القسام الذي
يضيء وجهه الفجر، وفرحان السعدي ( احد قادة الثورة الفلسطينية) الذي يمشي الى حبل
الشهادة 'صائما مشي الاسود'.
القصيدة هي 'لهيب القصيد'.
انشر على لهب القصيد
/
شكوى العبيد الى العبيد.
شكوى يرددها الزمان الى الابد الابيد' .
ومثل ملوك العرب
اليوم وحكامهم يعبر ابو سلمى
عن حال المواطن العربي في نبوءة شعرية
.
وتبدو لهجة
ابي سلمى القاسية على ملوك زمنه وهو يقول
دكت عروش زينوها بالسلاسل والقيود
سحقا
لمن لا يعرف سوى التعلل بالوعود
واعطف على بغداد واندب عرش هارون الرشيد.
وفي القصيدة يبدو غضب الكرمي
على الانكليز المستعمرين - لم يكن الامريكيون بعد قد جاؤوا- حيث يقول 'لو كان ربي
انكليزيا لدعوت بالجحود
لن تطهر الدنيا وفيها الانكليز على صعيد'.
طبعا يمكن تغيير
الانكليز اليوم بالامريكيين.
النيل
المثقل بالقيود
والبيان الثوري يظهر كيف يقتل الحاكم آمال قومه كما فعل صاحب
اليمن السعيد 'وما هو باليمن السعيد' حيث يكتب عن شعبه قائلا '
تفنى الحياة وشعبه ما
بين قات او هجود'.
ويذكر ملك مصر، فاروق، بانه دمية يلهى بها في يوم عيد.
ولأن
فاروق كان يتهيأ له انه سيصبح خليفة المسلمين حيث لبس عباءة الخلافة ومسبحتها وكتب
'
دع عنك سبحة التضليل واخلع عنك كاذبة البرود
احسبت ان الملك يطلب بالتسبيح
والورود'.
والنبرة الاكثر اثرا هي وصفه للنيل الذي يقول '
والنيل يبكي حيث لا يقوى
على جر القيود
زرق العيون حياله من كل شيطان مريد'.
ماذا ترك الملوك اللاهون
لأمتهم غير الاهلين الذين ضاعوا بين الوعد والوعيد
ما بين ملقى في السجون وبين
منفي طريد
او بين ارملة تولول او يتيم او فقيد'.
اهم ما في قصيدة ابي سلمى انه
وضع التغيير في يد الشعوب العربية عندما قال
ايه شعوب العرب انتم مبعث الامل
الوحيد
لا تصهر الاغلال غير جهنم الهول الشديد'
.
وكما في مصر وتونس واقطار العالم
العربي اليوم يقول ابو سلمى '
حلفت دماء الثائرين على العلوج ان لا تسودي
الثورة
الحمراء نطعمها الجسوم مع الكبود'.
واخيرا ينادي ابو سلمى الشعوب العربية وهو يقول
'
يا من يعزون الحمى ثوروا على الظلم المبيد
بل حرروه من الملوك ومن العبيد
'.
نبوءة شعر ام تهويمات من زمن ماض، فالايام القابلة تحمل معها رايات من نوع جديد،
رايات كسر حاملوها حواجز الخوف. فهل نرحب بالفرسان الجدد ام ندعو الله ان لا يقتل
الصنم زهران في مصر؟
ناقد من اسرة 'القدس العربي
'
رد مع الإقتباس