عرض مشاركة واحدة
قديم 01-26-2011, 01:09 AM
المشاركة 25
رشيد الميموني
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
(6)


بعيون متفحصة يبدو فيها مزيج من الفضول و الترقب ، كانت عصفورتي تقف على غصن قريب من عشي ، إلى جهة اليمين قليلا .. كان رفيقها قد طار إلى جهة لا أعرفها .. ربما ليبحث عن أعواد و قضبان رفيعة يقوي بها عشهما .. تأملتها لحظات و أنا أعد نفسي لكتابة شيء ما ، حسب ما تمليه علي أحاسيسي المتضاربة في ذلك الأصيل الذي لونت شمسه الكون بصفرة فاقعة .
لم أبد حركة ولكني حاولت الابتسام .. ثم مددت يدي إلى جيبي لأستجمع حبات البر .. لكن العصفورة لزمت مكانها .. سحبت يدي ببطء شديد ثم فتحت كفي .. كانت جرأة مني وكنت أعلم أنني قد أتسبب في اختفاء العصفورة .. لكن شيئا من هذا لم يحدث .. ولبثت على تلك الوضعية بضع دقائق حتى كدت أيأس من ردة فعلها التي أترقبها بفارغ الصبر .. ثم ، وبدون مقدمات ، قفزت العصفورة قرب ركبتي وهي تتطلع إلي .. كانت عيناها تنطق بشهية عارمة ولا أدري لم تمثلتا لي نجلاوين كعيني عصفورتي الأخرى الغائبة عني .. ولا أدري أيضا لم تخيلت ريشها شعرا غجريا ومنقارها شفتين قرمزيتين .. هل أحلم ؟ .. لا أدري .. ففي الوقت الذي انكبت فيه العصفورة على كفي تلتقط البر مدغدغة كفي ، كنت سابحا في دنيا أخرى ووجدت نفسي أتحدث إليها هامسا :
كلي يا عصفورتي و قري عينا .. هنيئا مريئا .. لم كل هذا الخوف مني ؟ هل حسبتني اغار من رفقتكما ؟.. ألا فاعلمي أنني كنت أنتظر هذه اللحظة من رفيقك الغائب فجئت عوضه .. وكنت في أمس الحاجة لمن يؤنس وحدتي فكنت أنت المؤنسة .. لا يغرنك معدات الكتابة هاته فهي لا تسمن ولا تغني من جوع .. قد تبدد وحشتي للحظات لكن لا شيء يملأ علي دنياي منذ غادرتني تلك التي وهبتها القلب و الروح .. لم تغادرني وهي تعلم أنها الهواء الذي اتنفسه و الضياء الذي يملأ عيني ؟ .. هل من جواب لديك ايتها العصفورة الجميلة .. ما أشبهك بها .. قولي أين أنت الآن ؟ ومتى تعودين .. كل جداولي قد جفت وكل أوراقي قد ذبلت .. أفلت شمسي و خسف قمري وانكدر نجمي حين فضلت الرحيل لتجربي - كما قلت لي - حبك لي ومدى صبري و صبرك على الفراق .. هل جربت الحب و الفراق ؟ أم تخجلين من أن تبدي أمامي منكسرة مهزومة .. عجبا لك .. كنت تمقتين الفراق و تخشين الهجر وتقبلين على الحب بنفس متعطشة لا ترتوي .. وكنت تعبرين لي عن خشيتك من يوم نفترق فيه .. بل إنك لم تكوني تريدين تخيل هذا الفراق ..رحلت فرحل معك الضياء .. وهجرت فلم يبق لي سوى حزن يطبق على القلب و الروح .. وجرح لا أخاله يلتئم يوما ما .. نفسي مثخنة بالجراح .. ذهني مشتت لا يملي علي شيئا أحبه .. كلماتي تستعصي علي ولا أطوعها إلا بعد جهد جهيد ..
أنسيت أنك كنت ملهمتي في كل ما أكتب ؟.. و أنك كنت تقرئين معي كل القصائد التي كتبتها لك .. فتتيهين خيلاء و تهمسين أنك ستحفظينها عن ظهر قلب لتحرقيها فيما بعد ، لأنك لا تقبلين أن تقع عليها يد أحد .. كنت تملكينها وتعتلين عرشها كما ملكت القلب و اعتليت عرشه .. هل علي الآن أن ابحث عنك في الآفاق و أجوب كل الأمصار لعل كلماتي و حروفي تطاوعني .. أم قدر لي أن أظل هنا أراقب حركة الليل و النهار واندفاع الشهب ليلا و أستمع إلى زمجرة الرياح و هي تدوي بين الوديان لعلها تأتيني بأخبارك ؟
نعم .. سأظل هنا .. أنتظرك .. يوما أو شهرا أوعاما وربما دهرا .. فكما جئتني من الأزل .. سوف أنتظرك إلى الأبد .
أفقت على حفيف جناح العصفورة فوجدتها تتطلع إلي من جديد وقد عادت إلى غصنها .. لم يكن رفيقها قد عاد .. فأحسست أنني و إياها نعيش وضعين متشابهين .. فلم أملك إلا أن أتأملها من جديد و أتفحص عينيها .. منقارها .. ريشها .. و قلمي يسطر أشكالا دون أن أعي ذلك ..
تنفست الصعداء وكأن ما بحت به قد نفس عني بعض ما كنت أحسه من ضيق و كرب .. ثم نظرت إلى أوراقي لأجد بوحي كله هناك .. وقد ذيلته صورة غادة نجلاء العينين.. قرمزية الشفتين .. تسبح بين الغيوم وقد تناثرت جدائل شعرها الغجري في أرجاء
السماء ..