الموضوع
:
عبد اللطيف عقل- يتيم الاب والوطن
عرض مشاركة واحدة
01-21-2011, 09:31 PM
المشاركة
14
ايوب صابر
مراقب عام سابقا
اوسمتي
مجموع الاوسمة
: 4
تاريخ الإنضمام :
Sep 2009
رقم العضوية :
7857
المشاركات:
12,768
تابع
جدل الشعر والحياة
عند الشاعر الفلسطيني عبد اللطيف عقل
فيصل قرقطي (كاتب من فلسطين)
النداء المسترسل للقصيدة
في "حوارية الحزن الواحد" تنبني قصيدة شاعرنا على تعدد اوجه الخطاب الذي يدخل حيز الجدل المعرفي فلسفة وسياسة وامتداد دلالات. على انه لا يحاور الثابت والمعد سلفا في حياتنا الطويلة منذ الطفولة، وحتى الرجولة فحسب، بل وانما يسعى من خلال الحريق الذي يعتري صوته ان يفجر ما هو سائد مع محافظته على ربطنا بالقيم والاشكال الحياتية التي نعيش وتخصنا نحن وذلك بغية الوصول الى قصيدة جديدة وجريئة تتبنى ثورة على سلبية السائد والمألوف لتصل الى كمالها. وتسبح القصيدة عنده في ند ائها المسترسل الهاديء تارة والثائر تارة أخرى لكن هدوءها يحكي كل الممنوعات بصراحة جارحة. ويتدرج الصوغ الشعري عند شاعرنا، بشكل عام، وفي معظم مراحل حياته الشعرية من المحسوس الى المجرد، حيث يسحب التجريد ايقاعاته ودلالاته الى بوح شعري خفيض تارة، متفجر بايقاعات واجراس تارة أخرى عبر امتدادات لجغرافيا حياة تمتد من ملوحة البحر الميت، حتى اطراف اكعاب بحر حيفا.
وهذا الامتداد الجغرافي للصوت في القصيدة وللجغرافيا في النص الشعري وللقصيدة في روح شاعرنا لا ينبع من هلامية ضائعة في الواقع بل على العكس تماما انه متولد من احساس عنيف بالاشياء وبالواقع وبعذابات النفس الانسانية. فالتجريد اللغوي والصوغي يؤدي بالضرورة الى احتمالات متعددة للقراءة النصية وهذا التعدد يمنح النص الشعري لشاعرنا رهافة محببة الى النفس عبر شمولية تطفى على محدودية القول، بل تلفي هذه المحدودية بغية فسح المجال للبرهة الشعرية بالحضور والتجسد لانه كما قال دون كنليف: "على الشعر اليوم الا يذوب فقط بل عليه تفحص العالم من حولنا (…) وان الشعر يجب ان يكون ثوريا مشعا وماهرا متقدما وداعية حب" وهذا ما لقي استجابة كلية في نص شاعرنا كبنية شعرية لها طغيان التصور واشتباك الدلالات في المعطى النقدي لان اللذة المتصلة بالمعرفة والفهم حينما تصل اللفظة الى السمع يصل المعنى الى القلب. ولكن هناك لذة اعمق وأبقى حينما نتلمس ظلال او اطراف هذه اللذة ونبدأ بالكشف عنها بأنفسنا من هنا تبدو العلاقة المؤسسة في نص شاعرنا على عمق تجربة وابحار في دلالات بنية القصيدة التي هي حركة انتقال باللغة من كونها شيئا محددا ثابتا الى كونها بؤرة من الاحتمالات يجعلنا نقف امام مشهد شعري يتساوق مع بنية ودلالات الواقع بل ويتجاوزه في محاورات، وخلق تصورات، وتعبيرات، تجذبه معطى حياتنا حينا، وتنقض معان أخرى حينا أخر، لتؤسس صورتها المتفجرة والمتحركة والوثابة في معطى ودلالات افكار مضيئة أحايين أخرى لنصل بمعنى ما الى تجاوز الذات الفردية الى حوارات مفتوحة على ابواب واسعة مع الذات الجمعية عبر ايغال في معان ودلالات تخرج من المعنى المحدد في اللغة لتشكل لها وحدانية معطى معرفيا جديدا وبريئة في تداعي النص الشعري.عند شاعرنا- عبد اللطيف عقل
.
دلالات التناص الشعري
في "حوارية الحزن الواحد" تحمل في طيات صفحاتها قصائد
تواصل سيرتها وترتبط ارتباطا عميقا وجدليا فيما ذكرت من محاور تلمست خطوطها العريضة في "هي او الموت" لتتسع دوائر ايحاءاتها على نحو اكثر شمولا وسموا في تعدد أوجه الخطاب الشعري الذي يدخل كما قلت، بداية، حيز الجدل، المعرفي فلسفيا، وسياسيا، واجتماعيا، وفنيا عبر امتداد دلالات القناص الشعري. فالحوارية هي ليست حوارا بين طرفين محددين وليست هي بمعنى ما تجسيدا للحزن الواحد، انه حزن متعدد الأوجه والمعاني والابعاد، حتى اذا اخذنا الحزن كمعطى انساني كوني.. ولكن حتى في هذا، فإنه يحمل خصوصيات الالم والسهر وشرود الخيال عبر خصوصيات كل فرد:
"احمليني عند قرطيك
اشاعوا انني قد قلت للريح
خفايا لغة الطير وما تخفيه
أدراج السياسيين، قالوا انني ساويت
بين البحر والنهر
وقالوا انني اهجو عذارى الغرين الخصب
بوادي النيل،
هذا زمن الشعر الهلامي الذي يحبل فيه
النخل بالصدفة والايام بالاكراه
والريح من الغرب الى الشرق
تسف،الدهشة العمياء من كل الميادين" (25)
فلنتأمل العلاقة التصاعدية في بنية الدلالات التي تتوافر شروطها بين "عند قرطيك" = (التحول الى مكان في الريح) وبين "قلت للريح" = (معنى تصاعديا) بين المكان الذي يتمنى عند القرطين "وبين الكلام الذي اشاعوا انه قد قاله للريح، وكذلك التصاعد في المعنى مع خفايا لغة الطير" انها معان تتأصل وتنطلق من ارضية الجغرافيا التي يقف عليها الشاعر (الارض) وتمنيه الوصول الى فراغ الاقراط "ليتساوق مع ما اتهم به وأشاعوه عنه فيما قاله للريح (والريح في الفراغ) وماذا قال يا ترى: "خفايا لغة الطير" = (كلام في هبة الفراغ) "ولكنه ليس كلاما عاديا انه كلام منسوج بخفة العصافير وهدأة انغامها وصدى اصواتها العذبة، انه كلام يحرك الشجن ليعيد الانسان الى براءته الاولي ولكن هذا الكلام البرئ الطائر مع الريح (القصيدة) لا يكتفي بكل هذه العذوبة، بل وانما يفضح عبر خفايا لغة الطير" ما تخفيه ادراج السياسيين ألم يقل شيلي ذات يوم "ان الشعراء هم مشرعو العالم غير المعترف بهم؟!" لذلك انه صوت الحق الذي يعرف.. ويعترف حينما لا اعتراف وحينما تقدر الادراج بظلمتها المعمرة ان تخفي الحقيقة..الحقيقة التي هي في النهاية أحد اهداف الشاعر الوصول اليها، ولكنها ليست كل شئ بالنسبة له..انها كل شيء بالنسبة للفلسفة وعلى اعتبار ان شاعرنا كان تخصصه في حقل الفلسفة لذلك وجدناها تتسرب الى شعره كمحاولات البحث والتقصي وهذا ما أعطى قصيدته المعنى السياسي المتضمن جرأة وجمالية خاصتين انطوت عليهما اعلاناته الصريحة في البحث عنها.. تلك المولود نصف الغامض ونصف الواضح والمتمثل في سؤال الوجود الاول..سؤال بدء الفلسفة والذي لن ينتهي عند حد الا وهو سؤال الحقيقة.
والفراغ هنا في المقطع سالف الذكر كأرضية للريح غير محدد، والانثى المخاطبة كذلك ليست محددة الهوية، وكذلك الريح، بالضبط مثلما هي لغة الطير ليست محددة، وهذا اللاتحديد يدخلنا في دائره السؤال الشمولي والعميق في آن ويمنحنا لذة التفسير والاسقاط لذلك نجد ان أهم الدلالات في لغة الخطاب الشعري عند كمعطى فردي زي صفة جمعية كمعطى وجودي شامل أي بمعنى آخر ينتقل من خطاب الذات الفرد الى خطاب ذات المجموع - ذات العالم مع تكثيف المقاربة فلسفيا وماديا ورؤيويا. فالأقراط شئ محسوس والريح تندرج من المحسوس الى اللامحسوس لتصل في ذروة المعنى الى خفايا لغة الطير وهي (لا محسوس ولا مرئي) ايضا..ثم تأتي النقلة الاتية من الذروة الى الواقع "خفايا ادراج السياسيين" المحسوس الكلي شكلا الغامض معنى ومضمونا، ودلالة، وهنا تتجسد الجمالية العالية في فتح الخطاب الشعري لاستيعاب متناقضات أسئلة الروح بأقصى درجاتها عذرية، أو مادية. وكذلك مثلما هي المساواة بين البحر..والنهر في تتابع المقطع الشعري (سفر في غموض اللامحسوس) من خلال الانطلاق من المحسوس..انه انتقال تدريجي عذب ليصل الى تحديد المحسوس وهو "هجو عذارى الخصب في وادي النيل" إذن الان عثرنا على التهمة الموجهة الى الباحث عن الحقيقة..الباحث عن الشعر الصافي، الباحث عن الانصاف في كل شئ في الحب كما في الحرب، كما في السياسة، كما في الواقع الجغرافي "المساواة بين البحر والنهر" ثم لتأتي المحاكمة العقلان
ية في اطلاق الحكم والاهداف والنتائج:
"هذا زمن الشعر الهلامي"
زمن الشعر الذي لا ينكمش باليد المادية، وانما بأيدي الروح وتأسيسا على هذه المعادلة إن جاز التعبير هو ذاته الشعر الذي "يحبل فيه النخل بالصدفة والايام بالاكراه"!!
هنا عادت المفارقة الجارحة..المشدودة بين قطبين متناقضين تماما النخل والصدفة والايام.. والاكراه. إن اهم دفاع عن الشعر وعن الشاعر قرأته حتى الان يتجسد في هذه الكلمات إذ كيف للنخل أن يحبل بالصدفة..والايام بالاكراه. فالسياسي يريد من الشعر الا يقول الحقيقة..ويريد كذلك من النخل أن يحبل بالصدفة متى أراد الادانة، والايام عليها ان تحبل بالاكراه متى اراد أيضا..أراد السياسي..لا الشاعر ثم ليأتي الحكم الاخير في اختلال الموازين وفي تجسيد العماء الطاغي، العماء المدلهم على الروح والواقع أي على المحسوس واللامحسوس في أن (الدهشة العمياء) وتهيج الريح من الشرق الى الغرب، وتسف الدهشة العمياء من كل الميادين ".ليس هناك تحديد واضح ومحدد او اتهام لأحد متجسد على أرض محددة..أو في قضية محددة.. انه الشاعر يقف بصلابة على منعطف التاريخ لينقل لنا طقسا قيما ومعاني ودلالات عبر تفتح الخطاب في الحضور الطاغي للقصيدة وكأنه قرصان البحر، او شريد المدن، او نبي المرحلة.. يحدد.. يتهم.. ولا يتجسد الاتهام انه الشاعر الذي يقف في منعطف التاريخ ليوضح لبس الزمن وهشاشته وظلمه، ومعادلة الحق والفضيلة، والاتهام في فعله السياسي، وفي حدود النهر والبحر..وكذلك في ارتهان الدهشة للعماء لتطل ثانية المفردة الاساس في المقطع الشعري:
احمليني
انها اللوعة الاتية من انصهار معادلات الزمن والجغرافيا والحقيقة في روح الشاعر وضياع خطواته. وتكثيف لغة الخطاب الشعري عند شاعرنا لا تنفجر عن محاورة الذات الفردية..عبر الذات الجمعية فحسب وانما تتعدى ذلك الى تكثيف السؤال عبر المفارقة فلسفيا وسياسيا وروحيا:
أنت من أين؟ وأوشكت أناديك،
المسافات عذاب والمطارات عذاب آخر،
والليل في عتمته يكشفني،
يكشف عن وشمك
ومحدي كنت في الغرفة أستلقي على ظهري
الذي خدده ضرب الكرابيج (26)
الوجه الانساني للحلم الفلسطيني
وتكثيف السؤال عبر المفارقة يدخل الخطاب في تعددية الجدل الفلسفي والمعرفي كامتدادات ودلالات عبر انفلات اللغة والمفردات والمعاني من إرثها التاريخي المحدد لتخرج لنا طازجة في فسحة تعدد المعاني التي تبزغ في القصيدة كجزء من ذات الشاعر المبدعة الى وصف الاشياء والاماكن لا كأماكن واشياء وانما عبر ايحاءات ومعان تتجسد عبر الحوارية التي تمثل خطابا متجددا:
"أنا في القدس، ومن في القدس
يلتف به السور وما من حجر في السور
الا وله صدر موشى
بالرصاص الطائش العمد، واعشاش الحمام
المسجد الاقصي وآلاف المصلين،
وعبد
الله في باب الخليل ارتص
كالعلبة
آخ يا هذا الرصاص الطائش العمد،
انا القدس وتغريد، التي يعرفها
الجند،
ولا تعرف الا امها والصبح والدفتر
والموت وروح الشعب والارض،
وفيها تشتهي الانثى الاحاديث
عن الاعراس في الصيف
وتطريز فساتين القصب." (27)
الوجه الانساني للحلم الفلسطيني يتجسد هنا بخصوصيته الوضاءة، تلك التي تحلم وتحس وتعيش كما ينبغي ومثل الناس، ففعل التحدي هنا لم ينجرف ليرتكز على الارث السائد الخاطئ الذي يقول: إن الفلسطيني مارد لا يرهبه شيء وكذلك لا يوجعه شيء وعلى أم الشهيد أن تزغرد لأن الكف الفلسطينية تلاطم المخرز ببساطة، بل على العكس تماما انه ذهب الى تجسيد فعل التحدي من خلال محاولات الانتصار على الحياة وعلى هدم البيوت كسياسة معتمدة وكذلك على الرصاص الطائش من خلال تطريز فساتين القصب كمعنى حاضن لأرث الارض وتغريد هي ليست قائدا عسكريا، انها طالبة مدرسة لا تعرف الا امها والصبح والدفتر لنلاحظ الدلالات الخفية الواضحة لهذه المقررات امها = الارض، الصبح = الانتصار، الدفتر = العلم والمعرفة، وهذه هي المعادلة الحقة لأي انتصار.
ولكن، هل يكتفي الحزن بذلك؟! إذا كنا نستطيع حصر الحزن في حجم وقياس فإنه سيكتفي بذلك، وما أراه وهو بديهي أن الامر فيه استحالة ما أن نحدد حجم ومقاس الحزن، وتأسيسا على ذلك فإن هذا الحزن يتمدد ويتسع ليسعى ابان ذلك الى محاولة رد الاشياء الى أصولها القصوى مع الحفاظ على تداعي المفارقة الجارحة التي ما تكاد تنكفيه وراء الكلمات والمعاني حتى تعود وتظهر من جديد على نحو أرقي وأقوى:
اكتبي لي كيف تبكين،
ومن حولك كل النخل والنفط
اذا فكرت بالقدس وفي موز أريحا العسلي.
والتساؤل هنا لا يحمل صفة أو معنى التساؤل ذاته وانما يعني توضيح كيفية البكاء حينما تمر القدس في الخاطر وحزن القدس هو الحزن الاول.. على أساس انها سرة الارض ومركزها ومنها ينطق الباب الى السماء والى الجنة، وهذا المعنى مفهوم ومعروف منذ الاف السنين عند علماء الميثولوجيا. وفي إطار المحاولة ذاتها إعادة الحزن الى اصوله ومعانيه الاولي قوله:
اكتبي لي
يعشق الكأس الدوالي والمحبون
القوافل
واليتامى يعشقون الدفء
والطير السنابل
اكتبي لي، تعب القلب من الساسة
والتطبيع،
من حرب المراحل.
إن شاعرنا هنا يرد الكأس الى عروق الدوالي الاولي كناية عن حزن عميق يجول في روح الشاعر مثلما أيضا ينبئنا عن عمق وغزارة هذا الحزن بقوله ان المحبين يعشقون القوافل، (والقوافل) هنا تشير الى السفر والهيمان ولكنه سفر وهيمان ليس في طائرة أو قطار يمر عبر ضفتي نهر وبساتين انه سفر في الصحراء حيث عناء السفر الاول..السفر الطالع منذ بدء المسافات. وتمشيا مع حرارة المعنى المخزون في روحية الشاعر يواصل نشيده في اعطاء الدلالات سالفة الذكر أكثر عمقا "واليتامى يعشقون الدفء، والطير السنابل كلها كلمات تعطي المعنى ذاته ولكنها في الان نفسه تؤصل عمقا وبعدا روحيا وماديا في اطار السؤال الاول سؤال البحث عن الحقيقة. ثم لينتقل في المقطع ذاته الى المعادلة السياسية التي لا تنفصل عند شاعرنا عن معادلة الحزن والحب والحياة والسياسة إذ يعيد التأكيد:
اكتبي لى
تعب القلب من الساسة والتطبيع
من حرب المراحل
هنا يريد شاعرنا ان يؤكد تعبه من الساسة وانكسار المراحل طالبا الهروب اليها الى كلماتها، ولكن في الان ذاته اعلان الهروب هذا يؤكد حقيقة حتمية هي فضح هذا النهج السياسي أو ذاك، من خلال الاشارة الواضحة والصريحة إلى التعب من الساسة ومن حرب المراحل، أليسة حرب المراحل وقودها الناس فكيف لا يعلن الشاعر سخطه؟! لكن تعدد اوجه الحزن أو انفجاره من الواحد الى المتعدد من الذات الفردية الى الذات الجمعية يأخذ ابعاده الانسانية الشمولية كما هو واضح هنا:
يغطيك حزن،
على ناره تبصر الدرب، تدرك لون
امتداد المسافات
حين يجوع الهلال الخصيب
ونأكل من بلح كان فيها الجزيرة
تشبثت بالارض حتى لينبض فيك التراب،
وتمسك جذرك خوف السقوط
كأنك صوت ضمير الزمان
الذي قد تغذى ضميره.
رأيت الذي لا يري،
وزعوك على الارض. (28)
تكثيف الحزن وتكثيف التحدي
رد مع الإقتباس