عرض مشاركة واحدة
قديم 01-21-2011, 09:22 PM
المشاركة 12
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
جدل الشعر والحياة
عند الشاعر الفلسطيني عبد اللطيف عقل

فيصل قرقطي (كاتب من فلسطين)







تسعى هذه الدراسة، من خلال الدخول في عالم الشاعر الدكتورعبد اللطيف عقل، إلى مقاربة جدل الشعر مع الواقع، والحياة. وذلك ليس من خلال قراءة سطحية لمعنى ومبنى دلالات وشكل القصيدة عنده، وانما من خلال الدخول في جدل معرفي يسعى إلى ارتقاء مقود الحقول والسفر في بنيات ودلالات الطقوس المعرفية لفهم الشعر الذي يسعى روحيته الى تفكيك الواقع والحياة واعادة صوغه من جديد وهذا يحتم علي بالضرورة أن انطلق من نتاج الشاعر كمعطى ابداعي كلي حاول ان يرسم ويؤسس صورة الحياة بكل نزقها.. واشراقاتها.. حزنها.. وفرحها.. المها ومعاناتها استلاب الوطن.. واستلاب الذاكرة.. مجون الروح في طقوس الحزن وبراءة العبث في دهاليز الظلمة تحت الاحتلال. سيما وان شاعرنا عاش وعايش محن شعبه الكبرى.. وانصهر في أتون مجمرها ليتجسد لنا روحا وإرثا.. تراكم على مدى أعوام طويلة، هذا الإرث الشعري القليل نسبيا خمسة دواوين شعرية، (إضافة الى الاعمال الأدبية الاخرى خمس مسرحيات) وهنا ليس مكان التطرق اليها..على اعتبار أن النص المسرحي يكتب أساسا للتجسد على خشبة المسرح والتالي تفترض قراءته قراءة رؤيوية للتجسد من خلال الحركة والصوت والايقاع.

إرث شعري قليل الكم كثير الأبعاد والمعطيات والدلالات التي تثير جدل السؤال المعرفي في مراحل جد خطيرة ومهمة في تاريخ الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.

وهذا يفترض بالضرورة دمج وعينا بمجرى النص، أي بمعنى أخر كشف حرارة التفاعل بين فعل وبنية، وهذا يقودنا إلى تلمس خيوط "الظاهرايتية" في القراءة "التي هي اكثر أناقة من غيرها لأنها تضم الفعل والبنية في إطار فكرة واحدة: هي القصد"(1)! والقصدية بمعناها النقدي، لا السطحي، هي إثارة جدل الفكرة بين البنية والفعل، من هنا، سأنطلق في بحثي هذا من محاولة استكشاف الهوية الثنائية للنص الشعري عند د. عبد اللطيف عقل، باعتبارها معنى القارئ ومعنى الشاعر دونما أي لبس ليتسنى لي مجال أوسع وفضاءات ارحب لجهة التفسير التي يندرج في إطارها شعر شاعرنا وتجر بته على حد سواء. وأراني هنا متفقا تماما مع فيري يوليه الذي يوضح أن وعي القراءة ما إن ينغمس في النتاج الأدبي ويتحرر من قيود الواقع الملموس حتى ينتابه العجب لانه يجد نفسه مليئا بأشياء تعتمد على هذا الوعي".(2) والنتاج الإبداعي مهما كانت صلته بالمبدع، إلا أن له حياته الخاصة به يعيشها كل فرد في قراءته لذلك النتاج. وشاعرنا يقذف نصه في وجوهنا في برهة الصخب، والصفاء، على السواء دون دراية منا طوال السنوات التي خلت انه نص محفوف بالمخاطر والمفاجآت، نص يفتح الأوردة إلى أخر مدى، ويشذب أطراف المعرفة رادا إياها إلى مصادرها الأولي ومنابعها النظيفة "الأرض" لذلك اندرج خيط طويل من مفرداته الشعرية في إطار المحكي في الإرث الشعبي محاولا تطويره والعلو به إلى مصاف لغة تستقي أبعادها ومعانيها المفتوحة إلى التفاسير ليرضي شهوة شقية في العيش على ارض حرة، وخزت خاصرته فيها حراب جنود الغزاة صباح مساء.

لم يقف نصه محايدا. لذلك أدرك جدل العلاقة المتفجرة بين الروح الإنسانية في اتكائها على اريحيات الحنان والحب للأنثى- المرأة وبين الأرض تلك العشيقة في بيتها المسحور الذي كلما اقتربت منها ازدادت بعدا. وازدادت الجراح اقترابا من جسدك وروحك..أليست هي معادلة الصراع الصارخ الذي نعيشه منذ مائة عام تقريبا؟!. هذا مع العلم أنني لا اعد كنتيجة لهذه الدراسة اليتيمة أن ادرج شاعرنا تحت خانة تؤطر في منهج جدلي نقدي، ويكذب من يدعي ذلك، إلا أنني أحاول جاهدا أن أتلمس خيوط ايقاع روحه في النص، وبيانات ايقاعات النص في حياته من خلال استبطان ما يكمن وراء الكلم أو الكلمات إن شاء راغبو واضعي اللغة، ولكن سوف أتعامل مع الألفاظ اللغوية، مرورا بالبنية الإيقاعية، إلى البنية الدلالية ورؤياه الكلية، من خلال الانتقال باللغة من كونها شيئا محددا قاموسيا وثابتا إلى كونها بؤرة احتمالات وطاقة إيمائية وبؤرة دلالية تشع في جسد النص بإمكانات متعددة" (3) لأنه في رأيي من العسير جدا على الناقد وعلى الشاعر في أن إدراجه في إطار مدرسة أو منهج نقدي محدد،خاصة في التعامل مع شاعر فلسطيني.. مثل الدكتورعبد اللطيف عقل. لذلك سأحاول تجذير بنية النص معرفيا ونقديا، وشعريا وفتح انغلاقاته وخيوطه ليتسع اكثر..فأكثر على مداه الأرحب الذي يكتن في ألوانه صخب الحب وجدل الثورة والتمرد، في استهلا لات عقلنة المعطى التراثي والسمو به وفيه إلى مصاف الفعل الحضاري وهذا ما سأبينه لاحقا.

لم يرتكز شاعرنا، وذلك بالفطرة، على الإرث الشعري الفلسطيني، الذي تتلمذ عليه وحسب، وانما استفاد من ثيمات وفنية الشعرية العربية منذ المعلقات وحتى ستينات هذا القرن وهي المرحلة التي شب وصلب عوده فيها، لذلك نجده في خطابه الشعري أشبه بسباك احترق بنيران اللغة، وموسيقي عارك صخب وحنو النغم ليخرج الينا بإرث شعري متميز ومتفرد انعكس من خلاله عبد اللطيف عقل الإنسان المبدع البارع. ومنذ بداياته المنشورة انطلق نصه الشعري مؤسسا على هذا الإرث المديد وكذلك، على التحولات التي طرأت على القصيدة الشعرية الحديثة في الستينات، بعد انطلاقتها الأولى وتجذرها على يد الخالد بدر شاكر السياب ومن ثم نازك الملائكة، الذي أبحر ضد التيار وكسر السائد، وفكك المعطى الموروث وأعاد بناءه على نحو يتساوق مع الذائقة الروحية والنفسية والشعرية والحياتية الحديثة للانسان العربي الذي يعيش في منتصف القرن العشرين.

إلا أن التحولات البينة التي طرأت على حداثة الشعرية العربية في الستينات والذي استفاد منها شاعرنا وحاول تطويرها تكمن في تحولات ايقاعية وتحولات لغوية وتصويرية وتقفوية إضافة إلى التحولات التي طرأت في مضمونية جسد الشعرية العربية والتي تساوقت مع ايقاع الاغتراب.. والتغرب التمردي الذي طرأ وعاشته الروح العربية في قرننا الحالي. وهذه المعادلة الجديدة نسبيا، والتي طرأت على الشعرية العربية في الستينات ورسمت الذائقة بصفاتها لا تختلف في بنياتها الدلالية عما قاله فيلسوف الأدبا،، وأديب الفلاسفة أبو حيان التوحيدي: "ومن استشار الرأي الصحيح في هذه الصناعة الشريفة، اعلم انه الى سلاسة الطبع أحوج منه الى مغالبة اللفظ، وانه متى فاته اللفظ الحر لم يظفر بالمعنى الحر، لانه متى نظم معنى حرا ولفظا عبدا ، او معنى عبدا ولفظا حرا، فقد جمع بين متنافرين بالجوهر، ومتناقضين بالعنصر".(4)

ومن استقصاءات الجدل النقدي في حقولها المعرفية سننطق في دراستنا هذه من رحلة العطاء الطويلة، مع الحروف والكلمات والإبداع، دامت اكثر من ثلاثين سنة، قدم خلالها الدكتور الشاعرعبد اللطيف عقل للمكتبة الفلسطينية والعربية اكثر من سبعة دواوين شعرية وخمس مسرحيات وعدد من الأعمال الأكاديمية والعديد من الدراسات والمقالات والابحاث. فمنذ بداية الستينات كانت انطلاقة الدكتور عبد اللطيف عقل شعريا مع مجموعته "شواطئ القمر" (5) الذي استطاع من خلالها ان يجسد صوته المقاوم للاحتلال، والرافض للاستلاب متمسكا في الارض الفلسطينية التي تنبض في عروقه.
يتبع ،،