عرض مشاركة واحدة
قديم 01-21-2011, 07:07 PM
المشاركة 15
رشيد الميموني
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
(4)

هذه الليلة .. لم أطق التواجد بين أربعة جدران .. أحسست بأنفاسي تضيق حتى خلت أن تنفسي صار حشرجة و أن نبضي يتسارع ويكاد يتوقف .. الوقت سحرا .. تسللت إلى الخارج ليتلقفني هواء بارد لكنه منعش .. الصمت يلف المكان .. تركت غطائي الصوفي على كتفي ومضيت أذرع الطريق الملتوي بين الروابي الغارقة في سبات عميق .. القمر لم يظهر له أثر بعد ونحن في نهاية الشهر .. لكن الظلام ليس حالكا و لمعان النجوم يسمح لي بتمييز الطريق نحو الدوحة المنتصبة في إباء ..
أتسلق فروعها الضخمة حتى أصل إلى عشي وأنا أحرص على ألا تبدر مني حركة توقظ عصفوري فيما لو كان هنا .. لكن أملي بتواجده خاب وظلت عيني ترنو إلى عشه الصغير في حنان و أسى .. أين تكون يا صغيري ؟ هل امتدت إليك يد الغدر كما يحدث هناك ؟
انزويت داخل عشي مسندا ظهري إلى الغصن الكبير وأنا ملتف بغطائي الصوفي .. كانت الفجوة التي تلوح بين أوراق الدوحة تسمح لي بتفحص الوادي الغارق في الظلمة .. لحظات سكون خلتني أسمع ترنيمة و ابتهالات تخترقه .. نعم .. هي لحظة نزول الخالق إلى السماء الدنيا محفوفا بملائكة عرشه .. لأغتنمها فرصة أبث خالقي كل شجوني و آلامي ، ولأدعه أن يفرج غمي وغم كل المقهورين على هذه البسيطة .. وأن يحفظ لهذا الإنسان كرامته التي منحها إياه وحمله في البر و البحر ..
فكرت في مآل هذا العالم الذي كان من المفروض أن يعمه الحب و السلام بعيدا عن الجشع و الطمع و الأنانية وسفك دماء الأبرياء وعادت من جديد صورة القبة الصفراء و الساحة الطيبة تملأ مخيلتي فيزيد غمي و تنقبض نفسي من جديد ..
أخذتني سنة و أنا في ابتهالي و تضرعي .. أحس بسخونة الدموع تروي خدودي و تنسكب على عنقي و شفتي فأشعر بملوحتها ..
كل من حولي أراه يبتهل و يتضرع ..الربى أمامي تهتز و تربو على إيقاع الترنيمة الشجية .. حتى لم اعد اسمع ولا أرى شيئا ..
تتفتح عيني شيئا فشيئا لتقع على شيء جعلني أكبح جماح نفسي كي لا أنتفض و اسقط من أعلى الشجرة ..
هناك على غصن مقابل لعشي وقف عصفوري .. أي و الله .. ولكنه لم يكن وحيدا . جاء بصحبة عصفورة وقفت إلى جانبه وكأنها تضايقت من وجودي فلم تلزم مكانها وصارت تنط من غصن إلى غصن .. خفت أن أقوم بحركة تتسبب برحيلهما .. وجمدت في مكاني رغم إحساسي بدبيب كدبيب النمل في مفاصلي ..
لم أتحرك و لم أسمح لضحكتي أن تتجاوز شفتي .. لكن داخلي كله كان يرقص و يصرخ و يترنم بهجة و سعادة بعودة العصفور .. بل و لتواجد عصفورين في عشي المتواضع ..