عرض مشاركة واحدة
قديم 01-17-2011, 01:36 AM
المشاركة 24
رقية صالح
أديبـة وكاتبـة سوريــة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي


الروائي منتحراً .. فرجينيا وولف الساحرة


(إبراهيم سبتي)




في بداية ظهور موجة الرواية الحديثة، ظهر ملازماً لها مصطلح تيار الوعي أو المونولوج الداخلي. االمصطلح الذي غير مفاهيم الرواية تغيراً مهماً سيما أن الكتاب الذين مارسوا كتابة الرواية جعلوا من تيار الوعي شاخصاً أمامهم لابد من الوصول اليه في رواياتهم، فأوغلوا في تصوير أعماق الشخوص وخباياها وجعل مكنونات الذات في متناول التشريح والتفصيل في السرد مما يعد خرقا للمألوف الروائي الذي كان سائداً. ويبدو أن جماعة الرواية الجديدة الإنكليز، جددوا في شكل وأسلوب الرواية في عصر كانت الرواية في اشد تمسكها بالمدرسة الكلاسيكية المعتمدة على السرد الواقعي.

لكن جيمس جويس وهنري جيمس وفرجينيا وولف، وضعوا لشخوصهم وصفات جديدة كالإغراق في الكآبة والدوافع النفسية المؤدية الى الانفعال الشديد والحافز الإنساني والعاطفي منضوية تحت زمن آخر لم يكن معهوداً وهو الزمن المتجدد أو فكرة تحطيم الزمن والغاء التراتبية المعروفة له. لقد شعرت وولف في بداية حياتها الروائية، بأنها قد لاتصل إلى موهبة جويس مثلاً ..

ولذا كان لزاماً عليها أن تنظر له بعين الغيرة سيما أنه استطاع أن ينجز مطولته (عوليس) ويقدمها للطبع عام 1918 إلى دار النشر (هوجارت) أو هوغاربريس التابع لها والذي أسسته مع زوجها في عام 1916، ولكنها بدلاً من أن تأخذ الأمر على محمل الجد وتطبع الرواية، انهالت بالسخرية على موضوع الرواية وراحت تتندر على شخوصها وتستهين بقدرات جويس نفسه.


وأعتقد جازماً بأن وولف كانت تخشى من سطوة جويس الروائية في الوسط الأدبي الإنكليزي مما يؤثر عليها كروائية عرفت طريقها إلى الفضاء الروائي الجديد بصدور روايتها الأولى رحلة إلى الخارج عام 1915 والتي وصفت بالتقليدية إلى حد ما ويبدو أن تأثير عملها الصحفي كان واضحاً فيها والمعروف أنها بدأت صحفية في ملحق التايمز الثقافي.

وبذا لزم عليها أن تواصل السير الروائي بمحنة الوصول إلى مستوى كبير يضاهي ما وصل إليه روائيي عصرها. كانت دار النشر الخاصة بفرجينيا وولف قد طبعت ديواناً شعرياً لإليوت (الأرض اليباب) عام 1922 ولم يكن معروفاً بعد في الأوساط الشعرية آنذاك وحقق الكتاب شهرة عالمية بعد سنوات قليلة.

وطبعت روايات وقصصاً لأسماء مغمورة ومواهب شابة إنكليزية مثل كاترين مانسيفيلد. كما قامت بطبع جميع أعمال فرويد وطبعت مجموعة قصصية خاصة بها.. أما من الأدب الأجنبي فقد طبعت لمكسم غوركي والشاعر الألماني ريلكه وبايلر وهنري مود ..


وجاء في أسباب رفضها لنشر رواية جويس أنها كانت غارقة في الرتابة! مع إن الرواية عند طبعها خرجت من حدود دبلن مدينة جويس إلى كل العالم فأصاب وولف صدمة عنيفة أضيفت إلى صدماتها التي كانت تتوالى عليها سواء العائلية أو العاطفية ومن ثم الأدبية .

ويبدو أن وولف اقتنعت بتفوق موهبة جويس عليها، فاتخذت قرارها القاسي بعدم نشر الرواية كرد فعل للتفوق الروائي والمهارة العالية والأسلوب الفني الجديد الذي كتب به. ولم تكن تسخر من جويس بقدر ما كانت تسخر وتشتم روائيين آخرين كانت لهم حظوة في المجال الروائي وخاصة أولئك الذين كانوا يكتبون بالإنكليزية.


في العشرينيات، فيما كانت لندن تعيش أيام الازدهار الروائي والشعري مقارنة بالمدن الأوربية الأخرى، بدأت حركة القراءات والنقد القاسي لكافة الأعمال الأدبية التي ظهرت لكتاب معروفين أو ناشئين على حد سواء .. وكانت فرجينيا وولف تنتقد بكثرة الأعمال الروائية خاصة تلك التي تأخذ حظها الجيد من النقد في الصحافة اللندية .. فكانت ترد ساخرة على أغلب الأعمال المنقودة والناجحة بكلمات تطلقها في جلسات أو حلقات نقاشية أدبية بحذلقة وقدرة عجيبة كي لا تثير الآخرين لحساسيتها المفرطة تجاه تلك الأعمال الناجحة فنياً..


ولما كانت وولف لم تنتج طيلة حياتها الأدبية القصيرة غير واحداً وعشرين كتاباً في الرواية والقصة والشعر والمقالات الصحفية والنقدية، فإنها تعتبر نفسها من المقلين في الإنتاج الأدبي الإنكليزي عامة إضافة إلى اعتقادها بأنها لم تشتهر كالآخرين الكبار الذين كتبوا في زمنها .. تلك الوساوس أثرت كثيراً في حياتها الخاصة التي أثارت نوعاً من النزعة التصغيرية والنظر للاشياء بغير حجومها .. فهي تنظر للأدباء الشباب كقمم أدبية وتنظر إلى كبار الكتاب بأن أعمالهم رتيبة وغير مفهومة.

ويبدو أن ما أصابها من هوس وخوف من عدم بلوغ المجد الذي كانت تحلم به، إنه أدى بها إلى رفض الحياة برمتها باعتبارها غير مجدية وغير نافعة لها مهما بلغ إنتاجها الأدبي من آفاق ومراتب رغم أنها جددت كثيراً في الرواية وتركت بصمة مؤثرة في التقنية الحديثة من سرد متدفق ومتغير وزمن متداخل وهوس الشخوص وانفعالاتهم والغور في دواخل لم تكن معروفة ولم يتسن لأحد الإبحار فيها لصعوبتها ولأنها تحتاج إلى ثقافة نفسية خاصة.


كتبت فرجينا وولف أول أعمالها وهي في الثلاثين من عمرها وأول نشر لها كانت رواية رحلة إلى الخارج أو في ترجمة أخرى (نهاية الرحلة) وهي في الثالثة والثلاثين من عمرها وهكذا انطلقت في عالمها الروائي والأدبي بعد استيعابها لمفهوم الرواية التي كان لابد لها أن تكتب في عصرها .. وهذا ما يفسر لجوءها إلى عوالم الإنسان المكبوت والمستفز والغارق في الإحباطات النفسية بعد أن انتشرت في عصرها نظريات علم النفس لفرويد وتأثر كافة الكتاب بها على نحو واضح.

وكان من الطبيعي أن تكتب وولف متاثرة بأجواء علم النفس الجديد الغائر في وعي الإنسان وبواطنه وخفاياه كما هو حال روايتها (السيدة دالاواي) التي تبدأ وتنتهي باسترجاع ذكريات واسترسال مباشر للأحداث في لحظة قيام السيدة دالاواي بالتسوق والسير في شوارع لندن لإعداد حفلة المساء. وفي رواية لاحقة هي أورلاندو تتخطى وولف السائد المطلق كلياً إلى عالم الرواية الأكثر انقلاباً في المسيرة الرواية المتعلقة بتيار الوعي بمعرفة تامة بعوالم التخيل الانفلاتي وهي عوالم من الرمزية لبطل ذكوري سرعان ما يتحول إلى امرأة.

وعن رواية "أورلاندو" كتب خورخى لويس بورخيس يقول: "يبرز فى هذه الرواية – يقصد أورلاندو – الإنشغال بالزمن. وأعتقد أنها الرواية الأكثر تميزاً بين كل الروايات التى كتبتها فرجينيا وولف، واشدها غرابة ويأساً، وبطلتها تعيش 300 سنة، وتصبح فى بعض الأحيان رمز إنجلترا، وشعرها بالخصوص. وفى هذه الرواية المدهشة تمتزج المرارة بالفرح والسحر. " (المصدر حسونة المصباحي، العرب اون لاين).


وتلجأ وولف إلى العبث بالزمن في رواية أخرى هي (الأمواج 1931) والتي تدور أحداثها في يوم واحد من خلال ذكريات وحوارات داخلية تتعلق بشخص ميت ويتناوب الزملاء الستة بعرض مونولوج داخلي واستظهار المبطن المكتف تحت عباءة السرد، فتداخلت الأزمة وتكسر السرد وهكذا تتعامل وولف مع جميع الزملاء بنفس التقنية المؤثرة

لقد اعتبر بعض النقاد الإنكليز أن تيار الوعي عند وولف يتجلى واضحاً في تلك الرواية التي اقتطعت لها مكاناً مهماً بين روايات عصرها وهي ترجمة بالغة لعذابات وإجلاء الدواخل الإنسانية المكبوتة.

وربما أيقنت فرجينا وولف بأن الرواية الإنكليزية قدرها أن تسير وفق معايير جديدة أكثر بعداً عن الرواية الكلاسيكية، فاتخذت لنفسها تابو روائي مختلف كلياً عن الآخرين الذين ربما سبقوها إلى عالم الحداثة، إلا أنها كانت أجرأ كاتبة نسائية في خوض تفاصيل الحبكة المتداخلة ذات الإلتواءات المختلطة بالمكان المتغير والزمن المتداخل. وهي مهمة صعبة لكاتبة ورثت تلالاً من الروايات القديمة التي صارت تاريخاً يعلوه الغبار ليس إلا.


أصيبت الروائية فرجينا وولف بمرض الهوس الإكتئابي وهو مرض الشعراء والكتاب وألقت بنفسها في نهر أوزو منتحرة بعد أن أثقلت جيوب معطفها بالحجارة الثقيلة في 28 اذار من عام 1941 .


وتركت أعمالاً روائية وشعرية وكتب مقالات نقدية وأهم رواياتها كانت:

نهاية الرحلة 1915، الليل والنهار 1919، غرفة يعقوب 1922، السيدة دالواي 1925، اورلاندو 1928، المنارة 1925، الأمواج 1931، فلاش 1933، بين الفصول 1941.


- - - - - - - - - -



صورٌ ثلاث بقلم : فرجينيا وولف


ترجمة : فاطمة ناعوت


الصورةُ الأولى


لبرهة من الزمن ظلت الصورة تسبح في عيني بحيث تجعل الأشياء أكثر بريقاً من المستحيل على المرء أن يتجنّبَ رؤية الصور؛ فلو كان أبي حدّادًا، وأبوك كان أحد النبلاء في المملكة، فسنحتاجُ حتماً إلى أن نكون صوراً لبعضنا البعض.

لن يكون بوسعنا أن نهربَ جماعيّاً من إطار الصورة عن طريق قول كلمات مألوفة. أنت تراني منحنياً أمام باب دكان الحدادة ممسكاً في يدي بحدوة حِصان فتفكرُ وأنت تمرُّ جواري: "يا له من مشهدٍ رائع يستحق التصوير!"، وأنا، حين أراك جالساً بثقة واطمئنان شديد في السيارة، تقريباً كأنك ذاهبٌ كي تنحني أمام حشود العامة، أفكّرُ: "يا لها من صورة لإنكلترا الأرستقراطيّة العريقة المترفة!". كلانا مخطئٌ تماما في حُكمه دون شك، لكنه أمرٌمحتوم.


وهكذا فقد رأيت الآن عند منعطف الطريق واحدةً من تلك الصور. ربما كان اسمُها "عودةُ البحّارِ إلى الوطن"، أو ربما كان اسماً شبيهاً بذلك. بحارٌ أنيق شاب يحمل مِخْلاةً، فتاةٌ يدُها في ذراعه، والجيران محتشدون حولهما؛ وحديقةُ كوخٍ ريفيّ صغير متوهجةٌ بالورود، حين يمرُّ المارُّ سوف يقرأُ في أسفل تلك الصورة أن البحّارَ كان عائداً لتوّه من الصين، وأن ثمة مأدبةً رائعة كانت تنتظره في ردهةِ الدار، وأنهديةً في مخلاته كان جلبها البحّارُ لزوجته الشابة، وأنها كانت سرعان ما سوف تحمل وتنجب له طفلهما الأول.

كلُّ شيء كان مضبوطاً وجميلاً وكما يجب أن يكون، هكذا يشعرُالمرءُ حيال تلك الصورة... ثمة شيءٌ ما كان يوحي بالهناء والرضا في مرأى مثل هكذا سعادة؛ فالحياةُ تبدو أكثرَ حلاوةً وفتنةً عن ذي قبل.


هكذا كان تفكيري وأنا أمرُّ بهم، ثم أقوم بملء فراغات الصورة بأكثر ما يمكنني من زخم واكتمال، أتأمّلُ لونَ فستانِها، لونَ عينيه، وأرقب القطّة التي لها لونُ الرمل وهي تنسلُّ خِلسةً حول باب الكوخ.


لبرهة من الزمن ظلّتِ الصورةُ تسبحُ في عينيّ، بحيث تجعل معظمَ الأشياء تبدو أكثر بريقًا ودفئًا، وأكثر بساطةً من المعتاد، وبحيث تجعل بعضَ الأشياء تبدو سخيفةً خرقاء، وبعضَ الأشياء خاطئةً وبعضَها صحيحةً وأكثرامتلاءً بالمعنى عما قبل.

في لحظات نادرة خلال ذلك اليوم واليوم الذي يليه كانتِ الصورةُ تعودُ إلى العقل، فيفكر المرءُ بحسد، لكن على نحو طيّب، في البحّار السعيد وفي زوجته، ثم يتساءل المرءُ عما عساهما يفعلان، وماذا تُراهما يقولان الآن. ا


لخيالُ يمدُّنا بصورٍ أخرى تنبثق من الصورة الأولى: صورة البحّار وهو يقطّع حطبَ الوقود، وهو يسحبُ الماء من البئر؛ فيما يتكلمان عن الصين، والفتاةُ التي وضعت هديته فوق جدار المدفأة ليكون بوسع كل من يأتي أن يراها، راحت تحيك في ملابس طفلهما القادم، بينما كانت كلُّ النوافذ والأبواب مفتوحةً على الحديقة بحيث تصفّق الطيورُ بأجنحتها وترفرف من مكان إلى آخر والنحلاتُ تطنُّ، و «روجرز» هكذا كان اسمه لايستطيع أن يصفَ إلى أي مدى كان كلُّ ذلك مُرضياً له بعد عُباب بِحار الصين. بينما كان يدخن غليونه، وقدمه ممدودةٌ في الحديقة.


هذي دمشقُ وهذي الكأسُ والرّاحُ
إنّي أحبُّ... وبعـضُ الحبِّ ذبّاحُ
أنا الدمشقيُّ لو شرحتمُ جسدي .. لسالَ منهُ عناقيـدٌ وتفـّاحُ
ولو فتحتُم شراييني بمديتكم .. سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا
زراعةُ القلبِ تشفي بعضَ من عشقوا .. وما لقلبي إذا أحببتُ جرّاحُ
مآذنُ الشّـامِ تبكي إذ تعانقني .. وللمآذنِ كالأشجارِ أرواحُ
للياسمينِ حقـوقٌ في منازلنا.. وقطّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتاحُ
طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتنا .. فكيفَ أنسى؟ وعطرُ الهيلِ فوّاحُ
هذا مكانُ "أبي المعتزِّ".. منتظرٌ ووجهُ "فائزةٍ" حلوٌ ولمّاحُ
هنا جذوري هنا قلبي .. هنا لغـتي فكيفَ أوضحُ؟
هل في العشقِ إيضاحُ؟

- - - - - - - - - - - - - -
(أعشق وطني والمطر)