عرض مشاركة واحدة
قديم 01-17-2011, 12:44 AM
المشاركة 16
رقية صالح
أديبـة وكاتبـة سوريــة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي



من أجل أن تعلو؛ تشبّثْ ساكناً في المساء، في منتصف النهار؛ تعلّق ساكناً فوق المنحدر. رجفة اليد _____ ستختفي، في الأعلى! ثم تتزن من جديد.

وحيداً، غيرَ مرئيّ؛ تشاهدُ كلَّ الأشياء الساكنة هناك في الأسفل، كلُّ شيء يبدو فاتناً. لا أحدَ يرى، لا أحدَ يهتم. عيون الآخرين هي سجونُنا؛ أفكارُهم هي أقفاصُنا.

الهواءُ في الأعلى، الهواءُ في الأسفل. القمرُ والخلود .. أوه، لكنني أسقطُ في الحَلبة! هل تسقطين أيضاً؟ أنتِ يا من تقبعين في الركن، ما اسمك _____ امرأة _____ "ميني مارش"؛ ألم يكن شيئًا شبيها بهذا ؟


إنها هناك، ملتصقةٌ ببرعمِ زهرتِها؛ تفتحُ حقيبةَ يدِها، تُخْرِجُ قوقعةً مُجوّفة _____ بيضة _____ من الذي كان يقول إن البيضَ هو الأرخص؟ أنتِ؟ أم أنا؟ إنه أنتِ من قالها في طريق العودة إلى البيت، هل تتذكرين؟ حينما فتحَ السيدُ العجوز مِظَلَّته فجأة _____ أو ربما كان يعطس، أليس كذلك؟

على أية حال، "كروجر" قد رحل، وأنتِ عدتِ "إلى المنزل من الطريق الخلفي"، وكشطتِ حذاءكِ الطويل. أجل. والآن تبسطين فوق ركبتيكِ مِنديلاً ورقياً لتُسقطي فيه كسراتٍ صغيرةً مضلّعةً حادةَ الزوايا من قشرة البيضة _____ كسراتُ خريطة_____ أُحجية، كم أتمنى لو أمكنني تجميع الكسرات سويا! فقط لو تجلسين ساكنة.



حرّكتْ ركبتيها _____ فتشظّتِ الخريطةُ إلى أجزاءٍ من جديد. لأسفل منحدرات جبل الأنديز تندفع كتل الرخام الأبيض ضاغطةً عنيفة، ساحقةً، حتى الموت، حشود من كتائب البغال الإسبانية ، بقوافلها ومواكبها _____ "دريك" يجمعُ الغنائم، ذهبًا وفِضّةً... لكن لنعدْ _____.


إلى أيّ نقطة نعود، إلى أين؟ هي فتحتِ الباب، تعلِّقُ مِظلَّتِها على الحامل _____ هذا غنيٌّ عن القول؛ هكذا، أيضاً، نفحةٌ من رائحة لحم بقريّ تأتي من البدروم؛ قطرةٌ، قطرةٌ ، قطرة. لكن الشيءَ الذي لا يمكنني الخلاص منه، الشيء الذي يجب عليّ أن أتجاوزه، هو رأسٌ منكَّس، وعينان مغمضتان، تمتلكان جسارةَ كتيبة، وعماءَ ثور، هجومٌ ثم انفراطُ العقد في الهواء، هي، بغير شك، تلك الشخوص المختبئة خلف نبات السرخس، وكلُّ هؤلاء الرحّالة من التجار.


هناك، كنتُ أخفيتهم طوال هذا الوقت على أمل أن يتلاشوا بطريقة أو بأخرى، أو الأفضل أن يظلّوا ينبثقون، لأنهم في الواقع يجب أن يفعلوا ذلك، إذا ما كانت الرواية ستمضي في طريق الجمع بين الثراء والتخمة، بين القدر والمأساة، كما تفعل الروايات عادةً، حين تتناول أحداثُها اثنين، إن لم يكونوا ثلاثة، من الرحالّة التجار، وبستاناً كاملاً من النباتات والدريقات.

"سعف النخيل وأوراقُ تلك النباتات لا تخفي إلا جزءاً صغيراً من التاجر المسافر وحسب _____ "نباتات الخلنج كان بوسعها إخفاؤه كليّةً، وعلى سبيل المساومة، أعطني رميتيْ الحمراء والبيضاء، التي من أجلها كافحتُ وتضوّرتُ جوعاً؛ لكنها الخلنجيات في مدينة "إيستبورن" – في ديسمبر – فوق طاولة عائلة "مارش" _____ كلا، كلا، لن أجرؤ؛ كل الأمر عبارة عن كسرات خبز وآنية ملحٍ للسفرة وكشكشات في غطاء المائدة ونباتات سرخس.

ربما بعد برهة سيكون لنا وقتٌ بمحاذاة البحر. علاوة على ذلك، فأنا أشعر، من جرّاء تلك الوخزات اللطيفة من النقوش والزخارف الخضراء و شظايا الزجاج المتكسّر، أشعر برغبة في التحديق والتلصص على الرجل الجالس في مواجهتي _____ رجلٌ يمتلكُ القدْرَ الذي يمكنني تدبّره. "جيمس موجريدج"، هل هو ذلك الرجل الذي يُطلقُ عليه آل مارش اسم "جيمي


[ ميني، يجب أن تعديني ألا تنتفضي أوترتجفي مجددًا حتى أستقرُّ على الأمر].
"جيمس موجريدج يسافرُ من أجل المتاجرة في _____ هل نقولُ في الأزرار؟ _____ غير أن الوقت لم يحن بعد لاستحضار الأزرار في الرواية _____ الكبير منها والصغير فوق الكروت الطويلة، بعضها يشبه عيون الطاووس، بعضها ذهبيٌّ باهت، بعضها يشبه الحجارة، والبعض مكسوٌّ بطلاء الشُّعب المرجانيّة _____ لكنني قلتُ إن الوقت لم يحن بعد.

هو يسافرُ، وفي أيام الخميس، يومه الذي خصصه لـ " إيستبورن "، يتناولُ وجباته مع آل مارش. وجهه الأحمر، عيناه الصغيرتان الثابتتان _____ كلا، على الإطلاق. الأمورُ على إجمالها تبدو عاديةً _____ شهيته الرهيبة إلى الطعام (هذا مُطَمْئِنٌ؛ لأنه لن ينظر إلى ميني قبل أن يأتي الخبزُ على مرقةِ اللحم ويجعلها تجف)، فوطةُ السفرة مطويةٌ على شكل جوهرة _____ ولكن هذا بدائيٌّ، وأيًّا كان الأمر بالنسبة إلى القارئ، فهذا لن يغرر بي.

فلنترك أشياءَ موجريدج جانباً، دعونا نتحرك. حسناً، أحذيةُ العائلة يتم إصلاحُها في أيام الآحاد بواسطة جيمس نفسه. إنه يقرأُ صحيفة "الحقيقة". لكن ماذا عن أهوائه؟ الزهور _____ وزوجتُه ممرضةُ المستشفى المتقاعدة _____ شيءٌ مثير_____ بالله عليكِ دعيني أحصل على امرأة واحدة لها اسم يروق لي! لكن لا؛ هي واحدة من بنات الأفكار، هؤلاء الأطفال الذين لا يولدون إلا في العقل، غير شرعيين، وبرغم هذا نحبهم، تماما مثل نباتاتي الخلنجية.

كم من البشر يموتون في كلّ رواية كُتِبت _____ البشرُ الأفضلُ والأعز، بينما موجريدج يحيا. تلك خطيئةُ الحياة. هاهي "ميني" تأكل بيضتَها في هذه اللحظة، قُبالتي وعند النهاية الأخرى من الخط _____ هل تجاوزنا "لويز"؟ _____ لابد من وجود "جيمي" _____ وإلا فما سبب ارتجافتها؟

لابد من وجود " موجريدج " _____ خطيئةِ الحياة. الحياةُ تفرضُ قوانينَها؛ الحياةُ تعرقّل الطريق؛ الحياةُ هي وراء نبات السرخس؛ الحياة هي الطاغية، أوه، لكنها ليست مستبدّةً على الضعفاء!

لا، لأنني أؤكد لكم أني أتيتُ بملء إرادتي؛ جئتُ بإيعازٍ من السماء التي تعلمُ أيُّ إكراهٍ وراء السراخس والأباريق الزجاجية، حيث الموائد ملطخةٌ والقواريرُ ملوثة. أتيت من دون مقاومةٍ لأغرزَ نفسي وأغيب في مكانٍ ما في نسيج اللحم المتماسك، في الشوكة الغليظة للعمود الفقريّ، حيث سيكون بوسعي أن أفهمَ أو أجد موطئ قدمٍ داخل الإنسان، داخل روح موجريدج ؛ الرجل.


التماسكُ الهائلُ للأنسجة؛ العمودُ الفقريُّ صلدٌ مثل عظامِ الحوت، مستقيمٌ مثل شجرةِ البلوط؛ بينما الضلوعُ تتفرّعُ مثل الأشعة؛ اللحمُ البشريّ متوترٌ ومشدودٌ مثل نسيجِ المشمّع؛ التجاويفُ الحمراء؛ حركات القلب الانقباضيّة من امتصاص وضخٍّ، بينما من أعلى تتساقط قطعُ اللحمِ في مكعباتٍ بنيّة وتتدفق الجعةُ بِرَغْوَتِها لتتمخضَ مع الدمُ من جديد _____ وهكذا نصلُ إلى العينين.


خلف الدريقات تبصرُ العينان شيئًا: أسودَ، أبيضَ، شيئًا موحِشًا؛ الآن الصحنُ ثانيةً؛ وراء الدريقات تبصرُ العينان امرأةً متوسطةَ العمر؛ "شقيقةَ "مارشهيلدا على شاكلتي أكثر،" الآن، تنظر العينان إلى شرشف الطاولة.


"مارش بوسعه أن يدرك ماذا أصاب آل موريس..." سنناقش هذا الأمر لاحقًا؛ جاءَ طبقُ الجبن؛ الصحنُ ثانيةً؛ دعه يدور دائريّاً _____ الأصابعُ الضخمة؛ والآن المرأة الجالسة قبالته.


" شقيقة مارش _____ لا تشبه مارش كثيراً، أنثى بائسة رثّة متوسطة العمر... يجب أن تطعمي دجاجاتِك.... بحق السماء، ما الذي أهاجَ ارتجافاتِها؟ ليس ما قلته أنا؟ هل أنا السبب كذلك؟ عزيزتي، عزيزتي، عزيزتي! يالـ تلك النسوة متوسطات العمر! عزيزتي، عزيزاتي!"


[ أجل يا ميني؛ أعلم أنك ارتجفتِ، لكن مهلا دقيقة _____ يا جيمس موجريدج!].


"عزيزتي، عزيزتي، عزيزتي!" كم يبدو الصوت جميلاً! مثل طرقةِ مِطرقة فوق ضلعِ لحمٍ مغمورٍ في التوابل، مثل خفقةِ قلبِ حوتٍ عجوز حينما تحتشد البِحارُ كثيفةً ضاغطةً عليه حين تتلبد المروجُ بالغيوم.


"عزيزتي، عزيزتي!" ماذا تفعل نواقيسُ الجنائز للأرواح المضطربة كي تعزيها وتهدّئ من روعِها، تحتضنُها في طبقاتِ الكتّان، قائلةً، "الوداع، حظّاً طيّباً!" وبعد ذلك تقول، "أين تكمنُ سعادتُك؟" برغم من هذا سوف يقطف موجريدج زهرتَه من أجلها، وهذا ما كان، انتهى الأمر.

يتبع
.
.
.


هذي دمشقُ وهذي الكأسُ والرّاحُ
إنّي أحبُّ... وبعـضُ الحبِّ ذبّاحُ
أنا الدمشقيُّ لو شرحتمُ جسدي .. لسالَ منهُ عناقيـدٌ وتفـّاحُ
ولو فتحتُم شراييني بمديتكم .. سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا
زراعةُ القلبِ تشفي بعضَ من عشقوا .. وما لقلبي إذا أحببتُ جرّاحُ
مآذنُ الشّـامِ تبكي إذ تعانقني .. وللمآذنِ كالأشجارِ أرواحُ
للياسمينِ حقـوقٌ في منازلنا.. وقطّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتاحُ
طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتنا .. فكيفَ أنسى؟ وعطرُ الهيلِ فوّاحُ
هذا مكانُ "أبي المعتزِّ".. منتظرٌ ووجهُ "فائزةٍ" حلوٌ ولمّاحُ
هنا جذوري هنا قلبي .. هنا لغـتي فكيفَ أوضحُ؟
هل في العشقِ إيضاحُ؟

- - - - - - - - - - - - - -
(أعشق وطني والمطر)