عرض مشاركة واحدة
قديم 01-17-2011, 12:19 AM
المشاركة 13
رقية صالح
أديبـة وكاتبـة سوريــة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي


عن: رواية لم تكتب بعد


صدرت للمرة الأولى عام 1921 ضمن مجموعة قصصيّة بعنوان "الاثنين أو الثلاثاء". هذه القصة لا تتبع النسَق التقليدي للقصِّ أو السرد المنطقي المتراتب المتعارف عليه في آونة كتابتها. فالكاتبة تحاول أن تَشْرَحَ وتُشَرِّحَ عملية الكتابة ذاتها. فنجد الراوية تتكلم عن رواية تحاول أن تكتبها، لكنها لم تكتبها بعد. تصف لنا كيفية تخلّق الفكرة والحبكة والسرد القصصي ومحاولات الكتابة والإخفاق والتعديل ثم إعادة الكتابة.


ستبني الراوية حبكتها الدرامية من خلال ما تستطيع قراءته من أفكار السيدة التي تجلس قبالتها في عربة بالقطار أثناء رحلة إلى الجنوب الإنجليزي. ستظل طوال الوقت ترقبها خلسة بعد أن أطلقت عليها اسم "ميني مارش". فتبني شخوصاً محتملَة وحبكةً دراميةً لروايةٍ على وشك الكتابة وتغذّي السرد بملاحظاتها حول السيدة بالمشاهدات الواقعية عبر نافذة القطار. وتنجح الراوية في تضفير الواقع بالخيال، والمتعيّن بالذهنيّ. فإذا مرّ القطار بمدينة، بها بعض البيوت المترامية، تلتقط عينها غرفة النوم العلوية في أحد تلك البيوت، لتنسج خطّاً دراميّاً توشجّه في متن القصة المفترضة، وهكذا.

ولذا سنلمس تلك الوثبات المباغتة بين الواقعيّ والخياليّ، بين صوت الراوية الراصد، وصوت الشخوص، في تداخلٍ وتشابك قد يستغلق على القارئ في البدء ريثما يعتاد تلك الآلية مع تقدّم القراءة. لأن هذه القصةَ بروفةٌ أولى أو مسودّة (تعمدت الكاتبة أن تبدو على هيئة مسوّدة غير مكتملة) لرواية لم – ولن - تكتمل، سنجد فترات تأمل وتفكير من المؤلفة، أو لحظات توقّف عن الكتابة بين الحين والآخر، عبرّت عنها فرجينيا بشرطة مطولّة ( _____ )، و قد قمتُ بوضعها في ذات المواضع حسب النصِّ الأصلي.

الارتباكُ في السرد مقصودٌ من الكاتبة، لأنها تقف فوق لحظة الكتابة ذاتها بكل ما يعتوّرها من انصهار الوعي في اللا وعي، وبكل ما فيها من تردّد ومفاضلة واختيار في محاولة لاقتناص الفكرة ثم العدول عنها أو إعادة تحريرها وهكذا. إضافةً إلى منهج وولف السرديّ خلال أسلوب التداعي الحر.

وقد حاولتُ أن أنقل ذلك الارتباك بأمانةٍ قدر الإمكان، إلا في الحالات التي ارتأيت فيها أن اختلاف الروح والبنية الصياغية بين اللغتين: الإنجليزية والعربية، سوف يسبب إلغازاً وطلسميّةً عند المتلقي، في تلك الحالات فقط جانبتُ الأمانةَ قليلا ومارستُ النزرَ اليسيرَ من (اللصوصيّة) أو التوضيح الطفيف بقدر ما يخفف حدّة الغموض ويخدم عمليّة التلقي وفي ذات الوقت لا يستلب من النص الأصلي ولا يضيف إليه (من وجهة نظري).

تنتهج هذه القصة - كما يقول النقاد - أسلوب السرد التجريبيّ الحداثيّ، خلال لغة إنجليزية تقليدية رصينة. وهي عبارة عن مونولوج داخلي مندرجٌ تحت "تيار الوعي" ومتأرجحٌ بين شحذ الخيال الذاتيّ والرصد الظاهري للواقع الخارجيّ. وهذا السرد القصصيّ الذي يتماوج بين التشكيل التخيْليّ وبين الملاحظة الموضوعية، يقود الراوية صوب اكتشافات غير متوقعة سواء عن ذاتها أوعن طبيعة الفنِّ والإبداع وعن كيمياء التشكيل الأدبيّ.

* * *



الملامح الرئيسية للعمل




تفتيت التراتب الزمنيّ الكرونولوجي.
التباس وغموض الحبكة القصصيّة والأحداث.
تفعيل الإدراك الحسيّ، والنقلات المباغتة لعقل المؤلفة.
الإخلاص للقيم الجمالية ليوازن بين الأبعاد العديدة للواقعية ومحاولة تضفيرها في كلٍّ متماسكٍ راسخ. وعدم الانشغال بالبناء السردي المحكم والنهايات ذات الحبكة التقليدية، بل ترك النص مفتوحاً غنيّاً بفضاءات تسمح للقارئ بولوجها والتعامل معها وتكملتها.
الانشغال بعملية التأليف والإبداع، وكذا العلاقة الخاصة التي تنشأ بين الكاتبة وبين عملها الإبداعي الذي لم يزل في طور التكوين.
استجابة المبدع للعالم الخارجي لحظة خلق عالم الرواية.
التأكيد على فنِّ الكتابة عوضاً عن محاكاة الواقع الخارجي على نحو فوتوغرافي، والتأكيد على التخييل الإبداعيّ والواقع الداخلي الذاتي.
تشحيذ ملكة التخيل في أقصى صورها في ربط أنيق مع الواقع، أي تضفير الميتافيزيقي مع الفيزيقي، ومثال ذلك الرحلة التي خاضتها الراوية داخل جسد موجريدج، واصفةً لنا تدفّق الدم في القلب، وتشابك الضلوع والعمود الفقاريّ، وتماسك النسيج البشري، (ثم دخول خيط الواقع) حين ترقبْ تساقطَ قطعِ اللحمِ ودفقات الخمر داخل جوفه (إذ شرع في تناول وجبته)، ثم تجوّلها عبر جسده حتى تنتهي رحلتها إلى العينين لتبدأ في مشاهدة العالم من خلالهما.
الانشغال بمشكلات القمع: السياسيّ، النوعيّ، الجنسيّ، العاطفيّ، الروحيّ، الفكريّ.
التشكيل المعقد للخط الرمزي يصبغ الدلالات ووضوح الحدث بمسحةٍ من عدم الترابط الظاهري ويكرس التفاصيل الحادة والشخوص الاستبدادية في القصة.
تناول مسألة الرغبة الجسدية، وإدراك - أو سوء إدراك - الذات.



* * *






رواية لم تُكتَب بعد (1921)




مثلُ هكذا تعبيرٍ تَعِس، كان في ذاتِه كافياً ليجعلَ عينيّ المرءٍ تتسللانِ فوق حافةِ الجريدةِ إلى حيث وجهِ تلك المرأة البائسة _____ وجهُها، الذي لا يُلفتكَ لولا تلك النظرة التي حملتْ، إلى حدٍ بعيد، ملمحاً من قضاءِ الإنسانِ وقَدَرِه.


الحياةُ، هي ما تراه في عيونِ الناس؛ الحياةُ هي ما يتعلمونه ويكتسبونه، وما اكتسبوه وتعلّموه بالفعل، وأبداً، بالرغم من هذا يحاولون إخفاءَه، ويجتهدون في التوقف عن الوعي بـ _____ بماذا؟ الحياةُ تشبه تلك التي، تبدو لنا.


وجوهٌ خمسة قُبالتي _____ خمسةُ وجوهٍ ناضجة _____ وتسكنُ المعرفةُ في كلِّ وجهٍ منها. والعجيب، برغم هذا، كم يرغبُ البشرُ في إخفائها!


سيماءُ التَكتِّم كامنةٌ في كلِّ تلك الوجوه: شفاهٌ مغلّقة، عيونٌ تغلَّفُها الظلال، وكلُّ واحدٍ من الشخوص الخمسة يفعل شيئًا من شأنه إخفاءُ أو إفسادُ معرفتِه.


أحدهم شرعَ في التدخين؛ وآخرُ أخذ يقرأ؛ وثالثٌ راحَ يفتّشُ عن مفرداتٍ في قاموسِ جَيبٍ؛ بينما راح رابعٌ يحدِّقُ في خريطة شبكةِ مسارِ القطار المثبتةَ في إطارٍ قبالته؛ والخامسُ _____ أخطرُ ما في الخامسِ أنها لم تكن تفعلُ شيئًا على الإطلاق.



إنها تنظرُ صوب الحياة، تنظرُ وحسبْ. ولكن، آهٍ أيتها المرأة التعسة سيئةُ الحظ، هيا اِنضمّي إلى اللُعبة _____ خذي دورَك الآن، إكرامًا لنا، اشرعي في التخّفي!


وكأنما سمعتني، رفعت المرأةُ بصرَها، تململتْ في مقعدِها قليلاً، ثم تنهدتْ. بدتْ كما لو كانت تعتذر، وفي ذات الوقت كأنما تقول لي:
" فقط لو كنتِ تعرفين!" .... ثم عادت مجدداً تنظرُ إلى الحياة:
- " لكنني أعرف. "
أجبتُها في صمت، فيما أرنو لصحيفة "التايمز"، مراعاةً لدواعي اللياقة العامة.

" أعلمُ الأمرَ كلَّه."


يتبع
.
.
.


هذي دمشقُ وهذي الكأسُ والرّاحُ
إنّي أحبُّ... وبعـضُ الحبِّ ذبّاحُ
أنا الدمشقيُّ لو شرحتمُ جسدي .. لسالَ منهُ عناقيـدٌ وتفـّاحُ
ولو فتحتُم شراييني بمديتكم .. سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا
زراعةُ القلبِ تشفي بعضَ من عشقوا .. وما لقلبي إذا أحببتُ جرّاحُ
مآذنُ الشّـامِ تبكي إذ تعانقني .. وللمآذنِ كالأشجارِ أرواحُ
للياسمينِ حقـوقٌ في منازلنا.. وقطّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتاحُ
طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتنا .. فكيفَ أنسى؟ وعطرُ الهيلِ فوّاحُ
هذا مكانُ "أبي المعتزِّ".. منتظرٌ ووجهُ "فائزةٍ" حلوٌ ولمّاحُ
هنا جذوري هنا قلبي .. هنا لغـتي فكيفَ أوضحُ؟
هل في العشقِ إيضاحُ؟

- - - - - - - - - - - - - -
(أعشق وطني والمطر)