عرض مشاركة واحدة
قديم 01-14-2011, 09:53 PM
المشاركة 569
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
أحمد سحنــــون
رجل عظيم من ليشان
ولد الشيخ رحمه الله عام 1907 ميلادية ببلدة ليشانة قرب مدينةبسكرة،
توفيت أمه وهو رضيع،
وتولى والده الذي كان معلما للقرآن الكريم تربيته، فحفظكتاب الله وعمره 12 سنة كما تعلم مبادئ اللغة العربية والشريعة الإسلامية على يدمجموعة من المشايخ والعلماء أبرزهم الشيخ أحمد خير الدين والشيخ محمد الدراجيوالشيخ عبد الله بن مبروك. ومنذ نعومته أظافره كان الشيخ رحمه الله مولعا بكتبالأدب، فدرس وطالع منها الكثير قديمها وحديثها. في سنة 1936م التقى لأول مرة معرائد الإصلاح والنهضة في الجزائر العلامة عبدالحميد بن باديس رحمه الله، وفي ذلكيقول: "وذكرت- عندما كتبت فصلا عن ابن باديس الموجه- بمناسبة ذكراه أنه جمعني بهأول مجلس فبادرني بسؤاله: ماذا طالعت من الكتب ؟ فأخذت أسرد له – لسوء حظي أولحسنه- قائمة حافلة بمختلف القصص والروايات، فنظر إلي نظرة عاتبة غاضبة وقال: هلاطالعت العقد الفريد لابن عبد ربه، هلا طالعت الكامل للمبرد بشرح المرصفي، واستمر فيسرد قائمة من الكتب النافعة المكونة، فكانت تلك الكلمة القيمة خير توجيه لي في هذاالباب". وهكذا كان هذا اللقاء نقطة تحول كبرى في حياة الشيخ أحمد سحنون، حيث انضمإلى جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وأصبح من أعضائها الفاعلين. يقول في هذاالمجال في مقدمة كتابه "توجيهات إسلامية": "إن كل شيء كنا نعمله لهذا الشعب، وكل مانبذله لهذا الوطن، إنما كان بوحي من روح الجمعية، ووفق الخطة التي رسمتها لتطهيرهذه الأرض العربية المسلمة من وجود الإستعمار ومن سيطرة الأجنبي، ومن عار الحكمبغير ما أنزل الله" وبالإضافة إلى الخطابة والتعليم والشعر، اقتحم الشيخ رحمه اللهميدان الصحف والمجلات، فكتب في العديد منها كالشهاب والبصائر، حتى أن الإبراهيميعلق على كتاباته قائلا:"إن ما تكتبه في البصائر هو حلة البصائر" وهي شهادة كانت أعزعليه من كل وصف، ذلك أنها صدرت من رجل كان يعتبره قدوة له وعظيما من عظماء الأمة،فقد وصفه ذات مرة فقال: "ولاعجب، فقد كان الإمام الإبراهيمي من بناة النهضة الكبارالذين عاشوا كل حياتهم، وأعظم همهم تكوين عدد ضخم من حملة الأقلام وإنشاء جيل قوييحسن التعبير باللسان والقلم، يكون الغرة الوضاءة في جبين الجزائر، والكتيبة الأولىفي معركة تحريرها". في سنة 1947 اشترك في المجلس الإداري للجمعية، وقام بكتابةنشيدها الذي يقول في مطلعه: يابني شعب الأباة ... للمعالي أنتم نسل الأمازيغ الكماة ... في النزال كل من ضحى بنفسه فمات ... لا يبالي كما عينته الجمعية في نفس السنةمعلما في مدرسة التهذيب الحرة في بولوغين ثم أصبح مديرا لها بعد عام واحد. ويشهدالجميع للشيخ بقوة خطابه وبلاغته وفصاحته، حيث كان يقصده جمع غفير من الناس يؤدونعنده صلاة الجمعة في مسجد الأمة ببولوغين، فكان يحث الشباب على الإعتزاز بماضيهموالتمسك بالحرية والسعي نحو الإنعتاق من نير الإستعمار. الشيخ سحنون والثورةالتحريرية أدرك الشيخ رحمه الله منذ اللحظة الأولى حقيقة المستعمر، فكان دائمالتحذير من مكائده والتنبيه إلى أساليبه وساهم مع إخوانه العلماء في نشر الوعيالديني والوطني في أوساط الشعب وبعث الثقة في نفسه، ليرفع لواء الحرية والإستقلالويطهر وطنه من رجس المستعمرين. وكان رحمه الله قد كون تنظيما فدائيا سريا انطلاقامن مسجد الأمة عام1953، وبعد اندلاع الثورة لم يتردد في مساندتها مما أدى إلى سجنهعام 1956 وحاول المستعمر استغلال مكانة الشيخ عند الشعب الجزائري وتأثيره فيه فطلبمنه أن يحذر الناس من المجاهدين ويبعدهم عن احتضان الثورة ودعمها، فرد عليه قائلا: "أنا الآن في حكم الميت، إذا نفذت ما طلبتم مني يقتلني إخواني وإذا لم أنفذتقتلونني أنتم، ومادمت ميتا فليكن موتي على أيديكم أفضل". فحكم عليه بالإعدام، ثمأطلق سراحه بعد ثلاث سنوات لأسباب صحية، فقام المجاهدون بتهريبه إلى منطقة باتنةبالشرق الجزائري ثم إلى مدينة سطيف ليواصل عمله وجهاده بين أفراد شعبه. وخلالتواجده بالسجن كان مواظبا على متابعة ما يصدره الأستاذ سيد قطب رحمه الله من تفسيرهفي ظلال القرآن وكان يقول: "كان الظلال يخرج من السجن في مصر ويدخل السجن فيالجزائر". الشيخ سحنون بعد الإستقلال بعد نيل الجزائر استقلالها، عين الشيخ أحمدسحنون إماما خطيبا بالجامع الكبير بالعاصمة وعضوا بالمجلس الإسلامي الأعلى، فواصلعمله الدعوي التربوي بكل إخلاص واستقلالية، فكان أحرص ما يحرص عليه حرية الكلمةوخاصة إذا كانت تخرج من المنبر، فلم يكن يهادن في دينه ولا يقبل المساومة في مبادئهمن غير جبن ولا تهور أو انفعال، شعاره في ذلك قول الباري عز وجل:" ادع إلى سبيل ربكبالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن " حتى استطاع بمنهجه أن يصبح منبراللتعقل والحكمة ومرجعا لوحدة الشعب الجزائري والتفافه حول ثوابته. وقد كان يقولرحمه الله: ( فليست الدعوة إلى الله – إذن- كلاما مجردا عاديا، يستطيع أن يملأ بهشدقيه كل من لا حظ له من دين أو خلق، ولا خلاق له من إيمان أو استقامة، إنما هيكفاح مرير ينبغي أن لا يخوض غماره إلا من تسلح له بسعة الصدر ولين القول واستقامةالسيرة وبلاغة المنطق وقوة الحجة ). وكتب ذات مرة مقالا بعنوان "الدعوة إلى الله" ومما جاء فيه: "وإذا كانت الكلمة اللينة والصدر الرحب من خير أدوات الدعوات بحيثتجعل العدو صديقا كما تشير إليه الآية، فبعكس ذلك تكون الكلمة الجافية والصدر الضيقمن شر أسباب النفور بحيث يجعلان الصديق عدوا". هكذا إذن كان منهجه في الدعوة إلىالله كما كان منهج الأنبياء بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، ولكنإذا انتهكت حرمات الله أو حورب الله ورسوله وهدد الإسلام في عقر داره فإنه يرفعلواء التصدي والذود عن دين الله كما فعل رحمه الله لما حاولت شرذمة من النسوة بدافعمن اللائكيين وبقايا أذناب المستعمر في الجزائر أن تستبدل قانون الأسرة المستمد منالشريعة الإسلامية بآخر علماني لاديني، فخرج مع غيره من الدعاة في مسيرة حاشدةحضرها زهاء مليون إمرأة مسلمة جزائرية أصيلة ليقول لا لمحاولات العبث بدين الأمةوثوابتها. وكان قبل ذلك نصح وعمل على منع القيام بمسيرة خلال أحداث أكتوبر 1988الدموية خشية الوقوع في فخ أعداء الصحوة الإسلامية والزج بشباب الدعوة في برك منالدماء. وفي سنة 1982 حرر إلى جانب صديق دربه الشيخ عبد اللطيف سلطاني والدكتورعباسي مدني بمناسبة التجمع الحاشد لأبناء الحركة الإسلامية بالجامعة المركزية "بيانالنصيحة"، يدعو فيها الحكام إلى إلتزام منهج الله وقيادة الأمة بدينها وإعطائهاحقوقها، وكان أن سجن الكثير من الدعاة ووضع الشيخ تحت الإقامة الجبرية لكبر سنه. ومن الجهود المباركة التي قام بها الشيخ رحمه الله، محاولنه تأسيس رابطة الدعوةالإسلامية وهي إطار دعوي يجمع كافة أطياف الحركة الإسلامية لتوجيه العمل الدعويوتوجيه جهود العاملين بعد توحيدها وتنسيقها لاجتناب التناحر والشقاقات داخل صفوفالحركة الإسلامية، كان ذلك سنة 1989م، وقد كانت محاولة رائدة لو كتب لها اللهالنجاح والإستمرار. ولما دخلت الجزائر في محنتها وسالت دماء أبنائها حاول مخلصاجاهدا أن يجنب الشعب ويلات تلك المحنة وآلامها، فكان جزاؤه محاولة اغتياله وهو فيساحة المسجد متوجها للصلاة مما ترك في نفسه الأثر العميق لما وصلت إليه الجزائر،فعكف في بيته يدعو الله ويعبده ويطالع الكتب ويدرس إلى أن لقي الله ولم يبدلتبديلا. وقد روى لي أحد الإخوة ممن زاره في الأسبوع الأخير من رمضان وهو على فراشالمرض أنه كان يدخل في غيبوبة لبعض الوقت ولما يستفيق يردد قوله تعالى: {فأما الزبدفيذهب جفاءا وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}. قال ولما عزمنا على الخروج منعنده طلبنا منه أن ينصحنا فقال رحمه الله: عليكم بالتوحيد والوحدة. لقد مات الشيخسحنون وهو يتألم مما وصل إليه حال الجزائر من انهيار وتفكك وفرقة، مات وفي قلبه أملأن يرى الدعاة إلى الله على قلب رجل واحد. وأخيرا فإن فقدان أب الصحوة الإسلامية فيالجزائر وقبله الشيخ محفوظ نحناح والشيخ محمد السعيد وغيرهما من رواد هذه الصحوةينبغي أن يكون محطة تاريخية تراجع فيها الحركة الإسلامية في الجزائر نفسها، فتتوبمن معاصي الفرقة والتشتت والخصومات كي تستطيع القيام بدورها الرسالي في صناعةمستقبل الأمة والوصول بشعبها إلى شاطئ الأمان وإنقاذ البلد من محاولات طمس هويتهوتغريبه. آثار الشيخ ترك الشيخ بعض الآثار المخطوطة والمطبوعة أهمها: كتاب دراساتوتوجيهات إسلامية كتاب كنوزنا ويقع في 300 صفحة احتوى تراجم لبعض الصحابة وهو لميطبع بعد. ديوان شعر بعنوان" حصاد السجن" يضم 196 قصيدة ديوان شعر" تساؤل وأمل " وهو لم يطبع بعد إلى جانب عشرات المقالات في العديد من الجرائد والمجلات كالبصائروالشهاب فرحم الله الشيخ أحمد سحنون وأسكنه فسيح جنانه مع الأنبياء والصديقينوالشهداء والصالحين وحسن أوبئك رفيقا وإنا لله وإنا إليه راجعون