الموضوع
:
الإبداعية في الأدب
عرض مشاركة واحدة
01-13-2011, 11:36 PM
المشاركة
2
رقية صالح
أديبـة وكاتبـة سوريــة
اوسمتي
مجموع الاوسمة
: 1
تاريخ الإنضمام :
Mar 2010
رقم العضوية :
8808
المشاركات:
2,577
نشأة
الإبداعية
يمكن القول إن الحركة
الإبداعية
قد انطلقت أول ما انطلقت مع استدارة القرن التاسع عشر في ألمانية وإنكلترة قبل أن
تنطلق في فرنسة وإيطالية حيث تأخرت إلى العقدين الثاني والثالث منه. ويعود الفضل في
نشأتها إلى رواد مهدوا لها من مثل
كنت، وغوته، وشيلر،
وإلى دعاة مفوهين من أمثال
الأخوين
شليغل،
ونوفاليس، وشلايرماخر
الذين أصبحت ألمانية بفضلهم مركزاً لإشعاع
الفكر الأدبي بعد أن كانت مجرد متلق سلبي في عهد
الاتباعية
الجديدة. وربما كانت إنكلترة أول متلق لهذا الإشعاع الألماني الذي تلقفه كل من
وردزورث
Wordsworth
وكولريدج
Coleridge
الذي أغناها بقراءة معمقة للتراث
الأفلاطوني
وما لبث هذا المد أن وصل فرنسة التي ظلت
الاتباعية
مهيمنة فيها أكثر من قرنين، مما جعل تفجر
الإبداعية
فيها مقروناً بالتوهج والعنف، وقد ساعد على تفجيرها، مدُّ الثورة الفرنسية ثم
انسياح
الملحمة
البونابرتية
التي طبعت أوربة بميسمها في مدى
عشرين عاماً
، وعلى الرغم من شعور
الكراهية لعهد الإرهاب الذي خيم على الثورة بظله البغيض، فإن مبادئها ظلت ترفد
الخيال
وتمده بدمها الحار المتدفق في شرايين الأدب، محدثة صدعاً عميقاً في كيان الاتباعية،
حتى لقد قال
لودفيغ فيته
Ludovic
Vitet
:
إن الذوق الأدبي في فرنسة ينتظر
أيضاً يومه الرابع عشر من تموز. بيد أنه لابد من التنويه بأن إرهاصات ممهدة
للإبداعية
سبقت ظهورها حركة ذات منهج واضح، وتجلت هذه الإرهاصات في مؤلفات تهيمن
بين سطورها روح
الإبداعية
وبعض ملامحها المتميزة، ولعل أهم هذه المؤلفات ما كان أزجاه
جان جاك روسو
Jean
Jacques
Rousseau
في روايته
«
هلوييز
الجديدة
»
La
nouvelle
Héloïse
و«
الاعترافات
»
Les
confessions
، وقد بسط فيهما الموضوعات الرئيسة التي
تزهو بها
الإبداعية،
في تصويره لبدوات العاطفة ومفاتن الطبيعة، وما أزجاه
برناردان
دي سان بيير
Bernardin
de
St
Pierre
في روايته «
بول وفيرجيني
»
Paul
et
Virginie
التي جلا فيها
تيمة
theme
الإغترابية
exotisme
وأخيراً ما كان قد بسطه
شاتوبريان
Chateaubriand
في كتابه «
عبقرية
المسيحية
»
Génie
du
Christianisme
من تيمات روحية وعاطفية تسخو بها
الإبداعية
.
ويمكن أن يعد ديوان «
تأملات شعرية
»
Méditations
poétiques
للكاتب
لام
ا
رتين
Lamartine
منبلجاً لفجر
الإبداعية
الفرنسية. وقد ساوق انطلاقها آنذاك، دعوة مُلِحَّة إلى الاطلاع على الآثار الأدبية الرفيعة في أوربة - ولاسيما في إنكلترة وألمانية اللتين تقدمتا فرنسة في تبني
الإبداعية
وقدمتا من الآثار الملهمة الشعرية والنثرية ما رفد
الإبداعية
الفرنسية بزاد شهي ومنهل عذب، متحت منه وتأثرت به لتتضوأ نجومها المتلامحة في سماء
الأدب
بألق جديد. وكالجداول التي تتجمع لتؤلف نهراً لجياً، فقد ائتلفت حركة مطردة متنامية، داعية إلى الإبداعية، غير أن هذه الحركة انبثقت، في البدء، مشتتة مكونة جزراً مترامية في منفسحها، تباعد السياسة والأهواء ما بين أتباعها، فكان بعضهم يجتمع حول صحيفة «
الكونسرفاتور الأدبي
» وبعضهم الآخر يضمه صالون «
إِتيين دي لوكلوز»
وانقسم مريدوها إلى فئتين تنطق بلسان الأولى صحيفة «
ربة
الشعر
الفرنسية
»
La
Muse
Française
ذات الاتجاه المعتدل، وتنطق بلسان الثانية صحيفة «
الكوكب
»
Globe
ذات الاتجاه التحرري، وبدا
فكتور هوغو،
كأنه الرئيس الموجه للإبداعية، وإذ إنها ترتكز على المسرح بصورة خاصة، فقد ألفى الإبداعيون أنه من الأجدى لهم أن يفوِّقوا سهام نقدهم إلى معقل
الاتباعية
التقليدية: المسرح. وكذلك ترادفت مقالات وبيانات شتى وقعها
هوغو ودي شامب وسانت بوف،
جلوا فيها منطلقات
الإبداعية
وأسسها، مركزين اهتمامهم على المسرح، ومع ذلك فلم يكن في جعبة الإبداعيين أثر مسرحي، يمكن أن يضاهي بنضجه وكماله مسرحية «
السيد
»
Le
Cid
لكورنّي
Corneille
حتى وافى تاريخ
25 شباط 1830
، وفيه تصدى هوغو بمسرحيته «
هرناني
»
Hernani
لقلعة
الاتباعية
وقواعدها المعروفة في المسرح، ولاسيما لقاعدة الوحدات الثلاث، وقد وسم تصديه العنيف بمعركة
هرناني
الناشبة ما بين مرحب منافح عنها، ومهاجم منتقد لها، وقد استلهم هوغو موضوعها الشائق من تاريخ
إسبانية،
واتسق له أن يستشرف بها ذروة الإبداع والروعة، بما يترقرق فيها من غنائية وماءٍ وطلاوة. وهكذا أضحى عام
1830
منعطفاً مهماً ضمن أبرز اتجاهات
الأدب
الفرنسي في القرن التاسع عشر وقمة باذخة تماثل - على حد قول
لامارتين
-
قمة جبل شامخ بين منحدرين.
وفيما عدا مسرحية «
هرناني
» الناجحة، فإن إسهام الإبداعيين، في ميدان المسرح جاء متخلفاً قاصراً عن مطاولة ما أنتجه رواد المسرح الاتباعي الأوائل حتى لقد بدت مسرحية «
بورغراف
»
Burgraves
لهوغو
باهتة، حائلة اللون، إن وضعت في قَرَنٍ واحد مع
هرناني،
بيد أن
الرواية
الإبداعية، أتمت ما قصر عنه المسرح الإبداعي، فقد ترادفت، في القرن التاسع عشر، روايات شتى، تفوق بجودتها الآثار المسرحية الإبداعية، حتى لقد دعي هذا القرن بقرن الرواية، وتأتّى لها أن تغري كثيراً من الشعراء والمسرحيين النابهين ليردوا منهلها، ك
لامارتين وهوغو
ـ وحسب المرء أن يشير إلى رواية «
البؤساء
»
Les
Misérables
لهوغو
، وحسبها أن تغري الناقد
سانت بوف،
بأن يدلي أيضاً بدلوه ويغترف بروايته «
الشهوة
»
Volupté
من خضم
الرواية
الزاخر. هكذا انفسحت طريق
الإبداعية
الفرنسية رحبة لاحبة أمام
ستاندال
Stendhal
وفكتور هوغو
ولامارتين وألفرد دي موسيه
Alfred
de
Musset
وألفرد دي فيني
Alfred
de
Vigny
وجورج صاند
George
Sand
وسانت بوف
وغيرهم، يسهم كل منهم في المجال المؤهل له، في ميادين
الشعر
والمسرح و
الرواية
والنقد.
وتتصف
الإبداعية
في بقية البلدان الأوربية، ولاسيما في ألمانية وإنكلترة، بأنها لم تلق عنتاً يماثل ما لقيته
الإبداعية
في فرنسة، ولم تتسم بمثل حدتها، إذ لم يتسق لها، فيما هي تناجز الاتباعية، أن تظفر بمعركة كمعركة «
هرناني
» وما أثارته من رهج وجلبة، وقد برزت ملامحها العامة، في هذين البلدين، قبل أن تؤتي
الإبداعية
الفرنسية أكلها وثمارها، ففي ألمانية، هيمن طيفا
غوته وشيلر
، في البدء، ثم أتى
هولدرلين
Holderlin
ونوفاليس
Novalis
وهاينة
Heine
ليغنوا
الإبداعية
الألمانية ويهبوا لها آفاقاً من غوارب
الخيال
المجنح، وفيضاً من العاطفة المتدفقة. أما في إنكلترة فقد طغى طيف
شكسبير،
بمسرحه الخصب المتنوع، المترع بنزوات الأهواء ولهب العواطف، ثم اشرأب من بين أعلام
الإبداعية
الإنكليزية،
وردزورث وكولردج وكيتس
Keats
، لتنسم العاطفة المرهفة في أشعارهم، وشق
والتر سكوت
Walter
Scott
طريق
الرواية
التاريخية النابضة بالصور المعبرة الحية، وترادفت روايات
الشقيقات شارلوت وإميلي وآن برونتي
Charlotte
,
Emily
and
Anne
Brontë
شوامخ بين آثار
الرواية
الإنكليزية
الإبداعية
بما يترقرق فيها من حساسية وعاطفة.
ولقد كان ثمة فوارق مميزة تتصف بها مظاهر
الإبداعية
الأوربية، إذ كان ما يفرق ما بين الإبداعيين أكثر مما يجمع ما بينهم، فقد اتصفت علاقات بعضهم ببعض، بطابع الخصومة، ولاسيما في إنكلترة، لهذا بدت
الإبداعية
الأوربية في مجملها ممثلة بموقفها السلبي الرافض، أكثر مما هي ممثلة بخصائصها الإيجابية، ومع ذلك فقد كان ثمة روابط وموضوعات مشتركة، تأتلف متناغمة، في مثاقفة متبادلة، فارضة نفسها على الأذواق أمداً طويلاً، لتجعل من آثار بعض النابهين من أدباء الإبداعية، مهوى نظر كل من ينشد المتعة الأدبية الخالصة في كل عصر.
يتبع
.
.
.
هذي دمشقُ وهذي الكأسُ والرّاحُ
إنّي أحبُّ... وبعـضُ الحبِّ ذبّاحُ
أنا الدمشقيُّ لو شرحتمُ جسدي .. لسالَ منهُ عناقيـدٌ وتفـّاحُ
ولو فتحتُم شراييني بمديتكم .. سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا
زراعةُ القلبِ تشفي بعضَ من عشقوا .. وما لقلبي إذا أحببتُ جرّاحُ
مآذنُ الشّـامِ تبكي إذ تعانقني .. وللمآذنِ كالأشجارِ أرواحُ
للياسمينِ حقـوقٌ في منازلنا.. وقطّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتاحُ
طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتنا .. فكيفَ أنسى؟ وعطرُ الهيلِ فوّاحُ
هذا مكانُ "أبي المعتزِّ".. منتظرٌ ووجهُ "فائزةٍ" حلوٌ ولمّاحُ
هنا جذوري هنا قلبي .. هنا لغـتي فكيفَ أوضحُ؟
هل في العشقِ إيضاحُ؟
- - - - - - - - - - - - - -
(أعشق وطني والمطر)
رد مع الإقتباس