عرض مشاركة واحدة
قديم 01-09-2011, 10:37 PM
المشاركة 565
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
إسماعيل الصفوي

وبداية الدولة الصفوية:

من الطبيعي أن تكون لكل تلك الظروف والأحداث، والمواقفِ والمتغيرات، وعواملِ البيئة والوراثة - تأثيرُها في شخصية الشاه إسماعيل مؤسس الدولة الصفوية؛ فهو نشأ في بيئة مضطربة، تعج بالفتن والحروب، والخرافة والخزعبلات، التي أوجدتْها الفرقُ الصوفية الغالية والضالَّة، والتي ينحدر الشاه نفسه من أحدها، وأيضًا أجداده قد عاشوا في كنف تيمور لنك، الذي قرَّبه رممنه مع كل أصحاب الطرق الصوفية؛ لأسباب سياسية؛ نظرًا لمكانتهم بين الناس حينها، ومعروف عن تيمور لنك هذا أنه كان من أبشع الحكام سيرةً وسريرة في ذاك العصر، وأكثرهم فتكًا وتعصبًا، وكان الصوفية المعاصرون له - كما يقول الدكتور كامل الشيبي في كتابه "الفكر الشيعي والنزعات الصوفية" - يدْعون له ويؤيِّدونه، ويعتبرون أعماله كراماتٍ صادرةً عن إلهام إلهي، وهاتف سماوي، وأنباء الغيب، وأخذ يتقرَّب من شيعة خراسان الذين اشتدَّ أمرُهم هناك، ولكي يبسط نفوذه عليهم؛ أَمَرَ بصكِّ العملة بأسماء الأئمة الاثني عشر، والخطبةِ بأسمائهم، واحتل الشام تحت شعار الانتقام من أبناء يزيد ثأرًا للحسين - رضي الله عنه.

هذا فيما يتعلق بالبيئة الخارجية التي نشأ فيها إسماعيل الصفوي وأجداده.
ومن جهة الأسرة، فقد نشأ يتيمَ الأب، فقد قُتل أبوه وعمرُه سنة واحدة، ولا يخفى على أحد أن لوالدته مارتا بنت حسن الطويل، وأمها النصرانية كاترينا - دورًا مهمًّا في تربيته بعد وفاة أبيه المبكرة.
تولَّى الزعامة وعمره لم يتجاوز الثلاثَ عشرة سنة، وخاض عدةَ معاركَ طاحنةٍ مع ملك شيروان؛ ثأرًا لجده وأبيه اللذين قُتلا هناك، وألحق الهزيمة بملكها فرخ يسار، وذلك سنة 1500م، وتذكر المصادر التاريخية - ومنها "البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع" - أن الشاه إسماعيل - إمعانًا في قسوته وحقده - وضع فرخ يسار ملك شيروان الذي وقع أسيرًا، في قِدْرٍ كبير، وأمر أتباعه بأكله!

وتمكَّن بعدها من الاستيلاء على تبريز، بعد معارك مع الوند ميرزا حاكم الآق قوينلو في أذربيجان، وانتصر عليهم، وهناك أعلن قيام الدولة الصفوية عام (907 هـ/ 1501م)، ووضع تاج أبيه الديباجي على رأسه، واستطاع خلال سنوات من توسيع حدود دولته، وأصبحتْ عاصمتها أصفهان، حيث ضم إليها ما وراء النهر وقفقاسيا والعراق.
كيف نشر إسماعيل الصفوي مذهبه في إيران؟
لقد كان هذا الرجل:
- داهية عصره،
- وسفاح زمانه،
- وكان طموحه المجنون لا يحدُّه حدّ
- استطاع أن يفرض المذهب الشيعيَّ على أتباعه وجنوده أولاً؛ بغية التمايز المذهبي، ثم عمد إلى نشره بين الإيرانيين بالقوة.
- استخدم لذلك كلَّ الوسائل المتاحة، سواء ما كان منها يعتمد على القوة والسلاح والقهر.
- أو تلك التي تعتمد على الإيحاء والمكر.
- او من خلال التأثير النفسي.
- او من خلال دغدغة مشاعر العوام، وتهييج عواطفهم بشتى الوسائل، من الناس الذين يسير بعضُهم خلف كلِّ ناعق وصاحب سلطان، وكانت جلُّ دعوته تركز على إظهار السبِّ واللعن للخلفاء الراشدين الثلاثة.
وتذكر المصادر التاريخية تفاصيلَ مروعةً عن طريقة نشره للمذهب الشيعي في إيران، حيث يقول عنه قطب الدين الحنفي - وكما جاء في كتاب "البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع" -:
- قتل زيادة على ألف ألف نفس، بحيث لا يعهد في الجاهلية، ولا في الإسلام، ولا في الأمم السابقة من قبل في قتل النفوس ما قتل إسماعيلُ الصفوي،
- قتل عدة من أعظم العلماء، بحيث لم يبقَ من أهل العلم أحدٌ من بلاد العجم،
- أحرق جميع كتبهم ومصاحفهم، وكان شديد الرفض، بخلاف آبائه".
وتؤكِّد المصادر أيضًا أنه لما دخل بغداد سنة 1508م، أعلن سبَّ الخلفاء، وقَتَلَ الكثير من أهل السنة، ونبش قبر الإمام أبي حنيفة - رضي الله تبارك وتعالى عنه.
أما الأسلوب الثاني، فكان أسلوبًا ماكرًا، باطنيًّا خبيثًا متسلسلاً، ابتدأ أولاً مع بداية دعوته، وكما تذكر كتب التاريخ الشيعي - ومنها كتاب "تاريخ الشاه إسماعيل"، وكتاب "عالم آراي صفوي" - "أنه أخذ إجازة من المهدي المنتظر في الثورة والخروج على أمراء التركمان، الذين كانوا يحكمون إيران، وأنه كان مرة في رحلة صيد، فدخل كهفًا وخرج، فادَّعى أنه الْتقى بالمهدي، وأنه حثَّه على إعلان الدولة الصفوية، وقد ادَّعى بعد ذلك أنه رأى الإمامَ عليًّا في المنام".
ومن هنا كانت هاتان الدعوتان مسوغًا كافيًا لإعلان دعوته، وإنشاء دولته، وبتعبير الأستاذ أحمد الكاتب - الكاتب الشيعي المعتدل المعروف -: فإن هاتين الدعوتين أتاحتا للحركة الصفوية أن تتحرَّر من فكرة انتظار الإمام وتأسيس الدولة الاثني عشرية؛ وبناءً على ذلك فقد كان الشاه يعتبر نفسه نائبًا عن الله، وخليفة رسول الله والأئمة المعصومين، وممثل الإمام المهدي في غيبته، وكان جنوده يعتبرونه تجسيدًا لروح الله.
يقول الدكتور مصطفى الشيبي: لقد كان إسماعيل رجلاً صوفيًّا، ومن شأن الصوفية أن تؤمن بالكشف؛ أي: الإلهام الغيبي، وقد كان يعلن لمريديه أنه لا تحرُّك إلا بمقتضى أوامر الأئمة الاثني عشر، وأنه معصوم، وليس بينه وبين المهدي فاصل.
ولا يخفى على أحد أن هذه الأفكار هي التي شكلت النواةَ الأولى لفكرة ولاية الفقيه، التي أقام الخميني قائد الثورة الإيرانية على أساسها دولتَه عام 1979م، وما زالت حتى الآن.
ومن الأساليب التي اعتمدها الشاه إسماعيل أيضًا في التأثير على العوام: أنه أمَرَ بتنظيم الاحتفال بذكرى مقتل الحسين السبط - رضوان الله عليه - رغم أنه تقليدٌ بالٍ كان على أيام البويهيين، وكان قد أمر به معز الدولة ابن بويه - قبَّحه الله - سنة 352هـ، وأمر كذلك - كما يقول ابن كثير في "البداية والنهاية" - "أن تُغلق الأسواق، وأن يلبس النساء المسوح من الشعر، وأن يخرجن في الأسواق حاسرات عن وجوههن، ناشرات شعورهن، يلطمن وجوههن، وفي عشر ذي الحجة أمر كذلك بإظهار الزينة في بغداد، وأن تفتح الأسواق في الليل كما في الأعياد، وأن تضرب الدبادب والبوقات، وأن تشعل النيران في أبواب الأمراء وعند الشرط؛ فرحًا بعيد الغدير - غدير خم - فكان وقتًا عجيبًا، وبدعة شنيعة ظاهرة منكرة"، وقد قام الشاه بتطوير هذه البدعة، وأضاف لها مجالس التعزية، وقد تطوَّرت هذه البدع الشنيعة في عهد الدولة القاجارية، ليصار إلى تمثيلها فيما يعرف بالتماثيل أو التشابيه، واللطم، وضرب السيوف، وهو قريب مما يفعله بعض الصوفية قديمًا وحديثًا، التي تؤدى فيه الواقعة بشكل تمثيلي مؤثِّر في نفوس العامة في الشوارع، وكل عام، وقد آتتْ هذه الوسائل أُكُلها في تثبيت التشيع بصورته المغالية هذه.
وإمعانًا في بدعته؛ فقد أمر بإدخال الشهادة الثالثة في الأذان، تذكر بعض المصادر أنه - وفي فترات لاحقة - كان يؤذن بأسماء الأئمة جميعًا، وكذلك صنع التربة الحسينية للسجود، والتي لم تكن معروفة حتى أيام الدولة البويهية والفاطمية في القرنين الثالث والرابع الهجريين، وكما صرَّح بذلك صاحب كتاب "من لا يحضره الفقيه".