عرض مشاركة واحدة
قديم 01-07-2011, 10:43 PM
المشاركة 518
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
نيقولا زيادة

الدكتور المؤرِّخ الذي شاركَ في صنع التاريخ


بقلم الدكتور علي القاسمي

عندما رأيتُه قبلأكثر من سنة في ندوة علمية في بيروت، وعمره يناهز الثامنة والتسعين عاماً، وجدتُهوسيماً مبتسماً أنيقاً، ووجهه طافحاً بالفرح والصحة والحيوية، وكلماته بليغة ثابتةالنبرة عميقة المضمون، تماماً كما كنتُ أراه في أروقة الجامعة الأمريكية في بيروتوقاعاتها عندما كنتُ طالباً فيها في أواسط الستينيات من القرن الماضي. قلتُ له وأناأودعه: أتمنّى أن أراك قريباً في مناسبة قادمة. قال وابتسامته الحلوة تنير وجههالحنون كلّه: سأدعوك إلى حفل ميلادي المائة، إن شاء الله. وكنتُ آمل ذلك فقد عرفتهصادقاً وفياً. ولا بدّ أنه اضطر لإخلاف الوعد فأسلم الروح قبل عام واحد من الموعد،لأنّ قلبه الطيّب لم يحتمل رؤية الأطفال والرُّضّع في لبنان الذي أحبّه، مضرَّجينبقنابل العدو الإسرائيلي.

ولد الدكتور نيقولا زيادة في دمشق عام 1907 في عائلة جاءت من مدينة الناصرة إلى دمشق حيث كان الأب يعمل في سكة حديدالحجاز التي قرر السلطان العثماني عبد الحميد عام 1900 تشييدها لتيسير توجّه الحجاجمن دمشق إلى المدينة ومكة، ولنقل الجنود العثمانيين إلىالحجاز
.

توفي والده وعمره ثماني سنوات أثناء الحرب العالمية الأولى،فعادت به أُمّه إلى الناصرة ليتكفّل بتربيته وأخوته الثلاثة جدّه لأمّه.

وعندما صارعمره خمسة عشر عاماً قُبِل في دار المعلمين بالقدس وتخرّج منها ليصبح مدرّساً للتاريخ والجغرافية في مدرسة عكا الثانوية. ومن هنا جاء ولعه في ربط الأحداث التاريخية بالجغرافية. فمثلاً عندما قام بزيارة سوريا ولبنان مشياً على الأقدام سنة 1925، لاحظ أن العلاقات التجارية التاريخية بين مدينتي حمص وطرابلس تعود إلى وجودممر بين الجبال يربط المدينتين. وفي مناسبة ثانية، علّل رحلات السفن التجارية بينإيطاليا وشرق المتوسط في مواعيد معلومة، خلال القرون الوسطى، بتغيّر اتجاه الرياحفي موسمي الصيف والشتاء في البحر المتوسط. فالجغرافية تترك أثرها في مجرياتالتاريخ.

حصل ، وعمره 28 عاماً، على منحة من حكومة فلسطينالبريطانية لدراسة التاريخ القديم وخاصة اليوناني والروماني في جامعة لندن. وعادإلى فلسطين سنة 1939 وهو يحمل البكالوريوس في التاريخ. وبعد ثماني سنوات، سافر مرةأخرى إلى لندن والتحق بمدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن وحصل علىالدكتوراه في التاريخ عن أطروحته التي قدّمها سنة 1950 حول "تاريخ المدن السورية". وعندما عاد من إنجلترا، كانت مدينته الناصرة ضمن دولة إسرائيل التي أقاموها سنة 1948، فذهب إلى لبنان وعمل أستاذاً للتاريخ في الجامعة الأمريكية. وبقيت الناصرةجرحاً غائراً في أقصى حنايا الروح
.

كان نيقولا زيادة من الرعيلالأول من دعاة الوحدة العربية مثل أستاذه درويش المقدادي، وساطع الحصري، وقسطنطين زريق، وغيرهم. كان يفهم القومية العربية على أنها شعور بالانتماء إلى أُمّة لهاتراث مشترك من الشعر والأدب والدين والتاريخ والسياسة. وكان يرى في ديانته المسيحيةديناً من أديان العرب فقد ظهرت المسيحية في الشام. وكانت الشعوب العربية إبان شبابهتناضل ضد عدو مشترك هو المستعمِر في المشرق والمغرب. فكان يدعو إلى النضال من أجلالاستقلال ثم إلى الوحدة العربية التدريجية، بحيث تتوحد في مرحلة أولى شعوب الأمةالعربية في أربعة كيانات بحكم الجغرافية هي: جزيرة العرب، والعراق والشام، ومصروالسودان، والمغرب العربي.

وساعده على نشر أفكاره عمله أستاذاً للتاريخ في الجامعة الأمريكية في بيروت التي كان يؤمّها آنذاك النابهون من الطلابمن جميع أقطار المشرق العربي، ويتواجد فيها عدد من الأساتذة دعاة الوحدة العربيةمثل قسطنطين زريق، ومحمد يوسف نجم، وخليل حاوي، وإحسان عباس، وغيرهم. كما راح يُرهصلأفكاره في كتبه الموضوعة والمترجَمة التي تتناول تاريخ العرب المشترك وحضارتهم. ومن مؤّلفاته كتاب " لمحات من تاريخ العرب" , وكتاب " الجغرافية والرحلات عندالعرب"، وكتاب " ليبيا في العصور الحديثة"، ومن ترجماته كتاب " تاريخ البشرية " لأرنولد توينبي، و " تاريخ المغرب في القرن العشرين" لروم لاندو. وله مئات منالدراسات والبحوث والحلقات الإذاعية عن تاريخ العرب
.

كان نيقولازيادة مؤرِّخاً فذّاً شارك في صنع التاريخ وأحداثه