الموضوع
:
هل تولد الحياة من رحم الموت؟؟؟ دراسة بحثية
عرض مشاركة واحدة
01-07-2011, 10:43 PM
المشاركة
518
ايوب صابر
مراقب عام سابقا
اوسمتي
مجموع الاوسمة
: 4
تاريخ الإنضمام :
Sep 2009
رقم العضوية :
7857
المشاركات:
12,768
نيقولا زيادة
الدكتور المؤرِّخ الذي شاركَ في صنع
التاريخ
بقلم الدكتور علي القاسمي
عندما رأيتُه قبل
أكثر من سنة في ندوة علمية في بيروت، وعمره يناهز الثامنة والتسعين عاماً، وجدتُه
وسيماً مبتسماً أنيقاً، ووجهه طافحاً بالفرح والصحة والحيوية، وكلماته بليغة ثابتة
النبرة عميقة المضمون، تماماً كما كنتُ أراه في أروقة الجامعة الأمريكية في بيروت
وقاعاتها عندما كنتُ طالباً فيها في أواسط الستينيات من القرن الماضي. قلتُ له وأنا
أودعه: أتمنّى أن أراك قريباً في مناسبة قادمة. قال وابتسامته الحلوة تنير وجهه
الحنون كلّه: سأدعوك إلى حفل ميلادي المائة، إن شاء الله. وكنتُ آمل ذلك فقد عرفته
صادقاً وفياً. ولا بدّ أنه اضطر لإخلاف الوعد فأسلم الروح قبل عام واحد من الموعد،
لأنّ قلبه الطيّب لم يحتمل رؤية الأطفال والرُّضّع في لبنان الذي أحبّه، مضرَّجين
بقنابل العدو الإسرائيلي
.
ولد الدكتور نيقولا زيادة في دمشق عام
1907
في عائلة جاءت من مدينة الناصرة إلى دمشق حيث كان الأب يعمل في سكة حديد
الحجاز التي قرر السلطان العثماني عبد الحميد عام 1900 تشييدها لتيسير توجّه الحجاج
من دمشق إلى المدينة ومكة، ولنقل الجنود العثمانيين إلى
الحجاز
.
توفي والده وعمره ثماني سنوات أثناء الحرب العالمية الأولى،
فعادت به أُمّه إلى الناصرة ليتكفّل بتربيته وأخوته الثلاثة جدّه لأمّه
.
وعندما صار
عمره خمسة عشر عاماً قُبِل في دار المعلمين بالقدس وتخرّج منها ليصبح مدرّساً
للتاريخ والجغرافية في مدرسة عكا الثانوية. ومن هنا جاء ولعه في ربط الأحداث
التاريخية بالجغرافية. فمثلاً عندما قام بزيارة سوريا ولبنان مشياً على الأقدام سنة
1925
، لاحظ أن العلاقات التجارية التاريخية بين مدينتي حمص وطرابلس تعود إلى وجود
ممر بين الجبال يربط المدينتين. وفي مناسبة ثانية، علّل رحلات السفن التجارية بين
إيطاليا وشرق المتوسط في مواعيد معلومة، خلال القرون الوسطى، بتغيّر اتجاه الرياح
في موسمي الصيف والشتاء في البحر المتوسط. فالجغرافية تترك أثرها في مجريات
التاريخ
.
حصل ، وعمره 28 عاماً، على منحة من حكومة فلسطين
البريطانية لدراسة التاريخ القديم وخاصة اليوناني والروماني في جامعة لندن. وعاد
إلى فلسطين سنة 1939 وهو يحمل البكالوريوس في التاريخ. وبعد ثماني سنوات، سافر مرة
أخرى إلى لندن والتحق بمدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن وحصل على
الدكتوراه في التاريخ عن أطروحته التي قدّمها سنة 1950 حول "تاريخ المدن السورية
".
وعندما عاد من إنجلترا، كانت مدينته الناصرة ضمن دولة إسرائيل التي أقاموها سنة
1948
، فذهب إلى لبنان وعمل أستاذاً للتاريخ في الجامعة الأمريكية. وبقيت الناصرة
جرحاً غائراً في أقصى حنايا الروح
.
كان نيقولا زيادة من الرعيل
الأول من دعاة الوحدة العربية مثل أستاذه درويش المقدادي، وساطع الحصري، وقسطنطين
زريق، وغيرهم. كان يفهم القومية العربية على أنها شعور بالانتماء إلى أُمّة لها
تراث مشترك من الشعر والأدب والدين والتاريخ والسياسة. وكان يرى في ديانته المسيحية
ديناً من أديان العرب فقد ظهرت المسيحية في الشام. وكانت الشعوب العربية إبان شبابه
تناضل ضد عدو مشترك هو المستعمِر في المشرق والمغرب. فكان يدعو إلى النضال من أجل
الاستقلال ثم إلى الوحدة العربية التدريجية، بحيث تتوحد في مرحلة أولى شعوب الأمة
العربية في أربعة كيانات بحكم الجغرافية هي: جزيرة العرب، والعراق والشام، ومصر
والسودان، والمغرب العربي
.
وساعده على نشر أفكاره عمله أستاذاً
للتاريخ في الجامعة الأمريكية في بيروت التي كان يؤمّها آنذاك النابهون من الطلاب
من جميع أقطار المشرق العربي، ويتواجد فيها عدد من الأساتذة دعاة الوحدة العربية
مثل قسطنطين زريق، ومحمد يوسف نجم، وخليل حاوي، وإحسان عباس، وغيرهم. كما راح يُرهص
لأفكاره في كتبه الموضوعة والمترجَمة التي تتناول تاريخ العرب المشترك وحضارتهم
.
ومن مؤّلفاته كتاب " لمحات من تاريخ العرب" , وكتاب " الجغرافية والرحلات عند
العرب"، وكتاب " ليبيا في العصور الحديثة"، ومن ترجماته كتاب " تاريخ البشرية
"
لأرنولد توينبي، و " تاريخ المغرب في القرن العشرين" لروم لاندو. وله مئات من
الدراسات والبحوث والحلقات الإذاعية عن تاريخ العرب
.
كان نيقولا
زيادة مؤرِّخاً فذّاً شارك في صنع التاريخ وأحداثه
رد مع الإقتباس