عرض مشاركة واحدة
قديم 01-06-2011, 02:19 PM
المشاركة 156
عبد السلام بركات زريق
مشرف منبر الشعر الفصيح

اوسمتي
الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الثانية المشرف المميز الألفية الأولى الحضور المميز 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي


المصدر
ديوان نداء الرميم
رقم القصيدة (20)



نداء على جسر العبور



في رثاء المرحوم
المفكر والأديب
سهيل عثمان




تألَّقْ في الجِّنانِ وفي الضميرِ
وحلِّقْ في السماءِ مع النسورِ


تألَّقْ يا سهيلُ ودعْ يَراعي
يبثُّ لهيبَهُ بينَ السُّطورِ


أتمضي يا سهيلُ بلا وداعٍ ؟
وحولَكَ من يدقُّ على الصُّدورِ


وتمضي يا سهيلُ بلا تأنٍّ
تخالفُ كلَّ شاراتِ المرورِ


أجبْني إن في كَبِدي احتراقاً
تأجَّجَ بالشَّهيقِ وبالزَّفيرِ


أذيبُ الهمَّ حتى أَحتسيْهِ
وأُعرضُ عن مغازلةِ الزُّهورِ


فلولا أنَّ لي كَبِداً تلظَّتْ
وأدمنَ وقدُها لفْحَ الهجيرِ


لصافحتُ الحياةَ وعشتُ عُمْري
أساقي الحُورَ صهباءَ السّحورِ

فهلْ تصفو الحياةُ وكلُّ يومٍ
يقرِّبُني من النَّزعِ الأخيرِ


وفي نفسي حدائقُ من رِغابٍ
وفي صدري حرائقُ من سعيرِ


كأنِّي يا سهيلُ على اتّفاقٍ
مع البلوى وداهيةِ الأمورِ


كأنِّي حقلُ أحزانٍ وقلبي
ترابُ الغرسِ شفَّ عن الجذورِ


أعضُّ على الأصابعِ من حريقٍ
ويُسلمُني الحريقُ لزمهريرِ


فأَمتشقُ اليراعَ وأيُّ قولٍ
يردُّ غوائلَ القدرِ الغريرِ

* * *


أَجبني يا سهيلُ لعلَّ ومضاً
من الإلهامِ يُنبئُ بالبشيرِ


وقلْ لي ما وراءَ الموتِ إنِّي
أضعتُ العمرَ في الحلِّ العسيرِ


فإنِّي أجهلُ الجهلاءِ علماً
بأسرارِ المماتِ وبالنُّشورِ


فهل آثرتَ أنْ تمضي سريعاً
لحلِّ اللُّغزِ في صمتِ القبورِ

وهل أبكيكَ أم أبكي بقائي
وعيشي اليومَ كالطَّيرِ الكسيرِ


أَدِفُّ فلا جناحيْ باتَ يَقوى
على التَّحليقِ في جوِّ السرورِ


ولا قدمايَ من وهنٍ وعَجزٍ
تُغذَّانِ الخُطى عندَ المسيرِ


وأُفجعُ بالأحبَّةِ كلَّ يومِ
وينتحرُ الغناءُ على سُطوري


فتلكَ مآتمُ الأحبابِ تَترى
فألمحُ في مآتمِهمْ مصيري


وأُبصرُ نعشَ موتي بانتظاري
وتابوتي وباقاتِ الزُّهور


وأسمعُ صوتَ أحبابٍ تولّوا
يُناديني على جسرِ العُبورِ


فأحملُ ثقْلَ آلامي وأمضي
بطيءَ الخطوِ أَعثرُ في شعوري


فما عيشُ الأديبِ بمُستطابٍ
إذا عُدَّ البُغاثُ مع النُّسورِ

وليسَ لنا بدوحتِنا مُقامٌ
وقد هربَ الغناءُ من الطُّيورِ


* * *

تألَّقْ يا " سهيلُ " فأنتَ حيٌّ
بما نضَّدتَ من دُرٍّ نَثيرِ


فنحنُ على التّنائي في اتصالٍ
فروعٌ تستمدُّ من الجُّذورِ


تموتُ جسومُنا ونعيشُ فِكراً
بأذهانِ الأنامِ على العصورِ


تواضَعْنا فلم نغترّ يوماً
بموهبةٍ مُقدّسةِ البَخُورِ


وغيرُ العالمينَ يعيشُ مَيْتاً
وينعمُ بالجّهالةِ والغرورِ


* * *

تألَّقْ يا " سهيلُ " وهَبْ يَراعي
ضياءَ الحرفِ يزخرُ بالعبيرِ


لقد علَّمتَنا أنَّ التّسامي
بسكبِ العلمِ من نارٍ ونورِ


فكمْ جئناكَ للتَّحكيم نبغي
صوابَ الرأيِ في الأمرِ الخطيرِ


فكنتَ الفصلَ في كلِّ اختلافٍ
برأيِ العالمِ الفَطِنِ الخبيرِ


وعشتَ مدى حياتِكِ في عراكٍ
مع الأفكارِ للرَّمقِ الأخيرِ


ترشُّ العطرَ في غُررِ الأماسي
وتبتكرُ المعارفَ في البُكورِ


كأنَّ حديثَكَ الشَّهدُ المُصفَّى
على صُحفٍ تَموَّجُ بالعُطورِ

* * *


إمامَ الفكرِ يا علماً تَسامى
على عرشِ الإمارةِ والأميرِ

بنورِ العلمِ تَنكشفُ الرَّزايا
ويجلو الفكرُ غاشيةَ المصيرِ


صُعقتَ لأمَّةٍ نُكبتْ بغدرٍ
يهوديٍّ تمَّرسَ بالشُّرورِ


فلم تركَنْ لما حشدَ الأعادي
على الأوطانِ من لَهَبِ السَّعيرِ

لقد عادوا أفاعيَ زاحفاتٍ
بأسلحةِ السَّلامِ المُستجيرِ


وبعضُ الحاكمينَ يصمُّ أذْناً
وبعضهُمُ تخلَّعَ في القصورِ


وآخَرُ ثائرٌ ألقى سلاحاً
بصفقةِ خاسرٍ فَدْمٍ * غريرِ


تنازلَ فارتضى علَماً عدواً
يهوديَّاً يرفُّ على الثُّغورِ


لقد فرشوا له سُرُراً فأَغفى
على سُرُرِ المهانةِ في سُرورِ

وأطفالُ الحجارةِ في تحدٍّ
ونصلُ الغدرِ يطعنُ في الظُّهورِ


* * *

تألَّقْ يا " سهيلُ " بدارِ خُلْدٍ
وغرِّدْ في الجنانِ مع الطُّيورِ


أَدِرْ خمرَ الخلودِ على النّدامى
وفُزْ بالأُنسِ والعيشِ النَّضيرِ


ودعني يا " سهيلُ " على جحيمٍ
من الآلامِ يقتلُني شُعوري


لقد غادرتَنَا جسداً طهوراً
لتسكنَ في العقولِ وفي الضَّميرِ

فإنَّكَ لم تمتُ ستظلُّ حياً
تحلِّقُ في السَّماءِ مع النُّسورِ




الفَدْمُ من الناس... العييُّ عن الحجة والكلام