عرض مشاركة واحدة
قديم 12-27-2010, 12:59 PM
المشاركة 130
عبد السلام بركات زريق
مشرف منبر الشعر الفصيح

اوسمتي
الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الثانية المشرف المميز الألفية الأولى الحضور المميز 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي


المصدر
ديوان رماد الهشيم
رقم القصيدة (33)




أنا بانتظاركَ يا عليُّ



في رثاء الصديق الشاعر الكبير
علي دُمَّر الذي توفي في المملكة
العربية السعودية



بيني وبينكَ يا عليُّ بَوادي
وأنا بوادٍ والسرورُ بوادِ


ودَّعتَنا ومضيتَ دونَ تمهُّلٍ
وتركتَ مُرضعَةَ الفداءِ تنادي


عدْ (يا عليُّ) إلى الديارِ فإنَّني
أمٌّ وأنتَ البَرُّ من أولادي


فعلى الضِّفافِ عرائسٌ مجلوَّةٌ
حنَّتْ لمجلسِ صفوةٍ أمجاد


أيامَ كان الحبُّ يجمعُ بينكم
والصَّحبُ من نقدٍ إلى إنشادِ


والغانياتُ الساحراتُ من الصِّبا
بين الزهورِ روائحٌ وغوادي


* * *

يا رائدَ الشعرِ الأصيلِ نظمتَه
عِقداً زهوتَ به على الرُّوادِ


كيفَ ارتضيتَ البعدَ عن عاصي الحِمى*
وهجعتَ في وادٍ بغيرِ وسادِ ؟


أوَ ما أفقتَ على النداءِ ألمْ تزلْ ؟
في وهدةِ الأحساءِ رهنَ رُقاد


قُمْ يا عليُّ أفقْ فإنَّكَ سامعٌ
صوتي بلا شكٍّ ونبضَ فؤادي


قُمْ يا عليُّ إلى المنابرِ إنَّها
تشكو من الكتَّابِ والنقَّادِ


والشعرُ يا لِلْشِّعرِ كم من شاعرٍ
هرمتْ قصائدُه بسوقِ كسادِ


هدمَ الطريفَ على التَّليدِ ولم يزلْ
للهدمِ يحملُ مِعولَ الأحقادِ


* * *

أنا يا عليُّ كما عرفتَ مضيَّعٌ
رغمَ اجتهادي للعُلى وجهادي


كم قلتَ لي أبشرْ فإنَّك شاعرٌ
وغداً تضيءُ بفكرِكَ الوقَّادِ


ولَكَمْ عتبتَ عليَّ باسمِ دُعابةٍ
فملكتَ بالعتْبِ الرقيقِ قِيادي


خذْني بعفوكَ يا عليُّ فلم يزلْ
جرحي ينزُّ أسىً بغيرِ ضمادِ


في السبعِ والخمسينَ أبحثُ جاهداً
عن كلِّ حرفٍ مشرق الأبعادِ


وأرى بياني عاجزاً ومَراشفي
ظمأى وكفِّي عُفِّرتْ برمادِ


تعبتْ على شفتي الحروفُ وأجفلتْ
كلُّ المعاني فاحتقرتُ مِدادي


أقتاتُ ألامي وأشربُ نخبَها
وأُلامُ من صحبي ومن أولادي


واللهُ شرَّفني ويعرفُ أن لي
رأياً يُخالفُ رأيَهم ويُعادي


هذي جيادُ الواهبينَ فهل ترى ؟
بينَ الجيادِ مُجلِّياً كجوادي


* * *

يا من أنرتَ ليَ الطريقَ بومضةٍ
وفرشتَهُ بالنُّصحِ والإرشادِ


أعطيتَني من لامعاتكَ فكرةً
فجعلتُ منها عُدَّتي وعَتادي


وسقيتَني من وِردِ شعركَ جُرعةً
أسكرتُ فيها موكبَ الورَّادِ


* * *

كم جئتُ بيتَك يا عليُّ مُنقِّباً
عن فكرةٍ جمحتْ بغيرِ قِيادِ


ففتحتَ لي سُبُلَ الرشادِ وكنتَ لي
شمساً تضيءُ على دروبِ رشادِ


حتى إذا ما اشتدَّ عُودي وانبرى
شعري يردُّ مكائدَ الحُسادِ


أسرعتَ للأَحسا وجرحُك نازفٌ
وتركْتَني في حَيرتي وسُهادي


ووعدتَني ألا يطولَ فراقُنا
فمتى تعودُ ؟ لقد فقدتُ جلادي


* * *

أنا بانتظاركَ يا عليُّ ألم تعد
لنطوفَ بين المُنحنى والوادي


هذي نواعيرُ الفداءِ حزينةٌ
ثَكلى تُولولُ في ثيابِ حِدادِ


فَلِمَ ارتحلتَ إلى الصحارى هارباً
وشدَدْتَ أطناباً إلى أوتادِ


وأقمتَ تحتَ الشمسِ بين رمالها
وحدوتُ هُوجَ رياحِها يا حادي


* * *

أنا يا عليُّ أسيرُ عاصيْها الذي
ما زالَ يُسْكِرُ روضَنا والنادي


عندي ملايينُ الشهودِ بأنَّني
صبٌّ صريعُ اللحنِ والإنشادِ


لا أستطيعُ البُعدَ عنها لحظةً
هي سرُّ إيماني بنصرِ بلادي


أنا يا عليُّ عرفتُ سرَّ نُواحِها
وعرفتُ ممَّن تشتكي فتنادي


ويلذُّ لي الليل السُّهادِ بروضِها
ولو اتخذتُ من الصخورِ وسادي


وأُغازلُ الآمالَ وهي جوامحٌ
وأنا الجهولُ بخبرةِ الصيادِ


أحيا بنُبلِ مقاصدي وأقلُّها
أنِّي جعلتُ من الكرامةِ زادي


* * *

أنا بانتظاركَ يا عليُّ مقيَّدٌ
بحبالِ آلامي على أعوادِ


أخشى فواتَ العمرِ قبلَ تحرُّري
من رِبقةِ الأغلالِ والأصفادِ


وأنا الذي يطوي السنينَ ترفعاً
عن كلِّ مَنقصةٍ من الميلادِ


* * *

يا مُلهمي سُوَرَ البيانِ تحيةً
من شاعرٍ رفضَ الخَنا بعِنادِ


إن كنتَ آثرتَ البعادَ عن الحِمى
فأنا أقيمُ على فراشِ قَتادِ


وأخافُ إن صدقتْ ظنوني أن أرى
ولدي يفرِّطُ في ثَرى الأجدادِ


وأخافُ نجماً كافراً مترصِّداً
يُغري بزيفِ شعاعِه أحفادي


* * *

لهفي على قومٍ تنمَّر ضدَّهم
كلبٌ يسالمُ تارةً ويُعادي


ما ضرَّنا حربٌ تطولُ وقد شكتْ
أسيافُنا من عَتمةِ الأغمادِ


* * *

قالوا: السلامَ مع الجوارِ شعارُنا
وهُمُ الغزاةُ لحرمةِ الميعادِ


كيف السلامُ مع الغزاةِ وأرضُنا
أرضُ السلامِ تنوءُ بالأوغادِ ؟


هم تاجروا بالسلمِ منذُ قيامهم
وقيامُهم ثقلٌ على الأكبادِ


ووجودُهم في الكونِ يورثُه الخَنا
فهُمُ الدُّعاةُ لنشرِ كلِّ فسادِ


قتلوا مئاتَ الأنبياءِ وأمعنوا
بالقتلِ والتدميرِ والإبعادِ


وأتوا إلى مهدِ المسيحِ طحالباً
نبتتْ على الأطماعِ والأحقادِ


ومآذنُ الأقصى تنوحُ وتشتكي
وكذا القيامةُ في دُجى الآحادِ


وتخفُّ (أمريكا) لتضمنَ عيشَهم
في القدسِ رغمَ الفسقِ والإلحادِ


* * *

يا شامُ يا حصنَ العروبةِ كبِّري
لا تركُني لمُسالمٍ ومعادي


لولاكِ ماجرتِ الحروفُ على فمي
شعراً ولا سمعَ الورى إنشادي


إني لأُومنُ أنَّ فجرَكِ قادمٌ
فتأهَّبي للنصرِ والأعيادِ


وغداً سنعرجُ للسماءِ قوافلاً
فحنينُنا أبداً إلى استشهادِ


* * *

يا شاعري هذي الحياةُ مُمِّلةٌ
وجميعُ ما يجري بها لنفادِ


مزَّقتُ أشرعتي على شُطآنِها
وسلكتُ فيها مسلكَ الزهادِ


مالتْ عليَّ فمِلتُ عنها أتَّقي
أثقالَها بتَضرُّعِ العبَّادِ


أبكي رفاقَ العُمرِ أسعى خلفَهم
وأَحِنُّ للُّقيا لفرطِ ودادي


* * *

هذا قصيدي يا عليُّ مضرَّجٌ
بدَمي فشعري في الأسى جلَّادي


لمَّا نَضوْتَ العيشَ عنكَ فجعتَني
ونكأتَ جُرحاً في صميمِ فؤادي


* * *

يا شاعري خذْني بعفوكَ إنَّني
أخشى السَّقامَ وكَثرة العوَّادِ


أخشى إذا حانتْ وفاتي أن أرى
في مأتمي أحداً بثوب حِدادِ


فاقبلْ رجائي يا عليُّ وغنِّ لي
أهلاً صديقي بعد طوْلِ بُعادِ




23-10-1992


*العاصي .. النهر الذي يشطر مدينة حماة