عرض مشاركة واحدة
قديم 12-25-2010, 04:13 PM
المشاركة 14
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي

(انهيار معبود، الأسطورة الفرويدية) لميشيل أونفري: حين يقود انتقاد نظرية التحليل النفسي إلى تهمة معاداة السامية!


يوسف لهلالي

بمناسبة صدورعدد من الكتب هذه السنة خاصة كتابي الفيلسوفين الفرنسيين ريجيس دوبري وميشيل أونفري، اندلع نقاش ساخن تحول إلى اتهام بمعاداة السامية واليهود واسرائيل. وهو خلط لا يمكن القَبول به باعتبار التراث اليهودي والكتابات اليهودية جزءاً من التراث العالمي ولعدد من البلدان والحضارات، ولا يمكن لإسرائيل واتباعها احتكار هذا التراث دون باقي الشعوب والبلدان التي عاشت بها هذه الأقليات وتوفرت لها ظروف الكتابة والبحث. وهو ما جعل النقاش والحوار يكاد يكون مخيفا بالنسبة لبعض الكتاب بل إن العديد من الكتاب والمثقفين يتجنبون الموضوع ويصبح مستحيلاً التطرق إليه مخافة مهاجمتهم من طرف اللوبي الإسرائيلي وأنصاره بفرنسا والذي أصبح يهاجم كل من ينتقد إسرائيل او أي عمل أدبي أو فلسفي فقط لأن كاتبه من ديانة يهودية.


الفيلسوف الفرنسي ميشيل أونفري فتح النار على مؤسس نظرية التحليل النفسي في كتابه اانهيار معبود، الاسطورة الفرويدية أو انهيار الخرافة الفرويدية «Le Crépuscule d›une idole, l›affabulation freudienne» الصادر عن منشورات غراسي.

عملية التفكيك والتحليل النيتشية التي قام بها الفيلسوف الفرنسي لصاحب نظرية التحليل النفسي سيغموند فرويد خلقت جدلاً واسعاً بفرنسا منذ شهر حيث مازالت الكتابات التي تؤيد والتي تعارض هذا الطرح مستمرة في مختلف المنابر الإعلامية ،خاصة أن عملية التفكيك التي قام بها أونفري ليست من العيار الخفيف بل هي تمت في كتاب يضم أكثر من 600 صفحة تحت عنوان (ترجمة بتصرف) «انهيار معبود، الأسطورة الفرويدية » او « انهيار الخرافة الفرويدية» «Le Crépuscule d›une idole, l›affabulation freudienne» (Grasset).


هذا العمل تطلب من صاحبه سنوات من القراءة لصاحب نظرية التحليل النفسي أي حوالي 6000 صفحة من المراسلات والكتابات الخاصة بالتحليل النفسي . وتتبع ما كتب حول فرويد وكيف كان يتصرف في حياته اليومية مقارنة مع ما كانت تبشر به نظريته التحليلية واعتماده منهجية نيتشه في هذه المقاربة، ليصل إلى أن نظرية التحليل النفسي ليست علماُ بل علم خاطئ . إنها مجرد عمل نفسي أدبي مبني على السيرة الذاتية لسيغموند فرويد، أي أنه - حسب الفيلسوف الفرنسي- «إن فرويد حول حالته الخاصة إلى حالة عامة « وإن فرويد لم تكن له إلا رغبة واحدة «: كان يحلم ان يضاجع أمه ويقوم بتصفية أبيه، ومن هذه الحالة المرضية كتب نظرية عامة التي ستعرف بعقدة أوديب.


كما أنه اعتبر فرويد بالطماع والشجع. أما الحياة الجنسية لسغموند فرويد فيقول عنها «عندما وقف حياته الجنسية مع زوجته فذلك فقط ليضاجع اخت زوجته».

واذا أردنا تلخيص هذا الكتاب الذي ينقسم إلى خمسة أجزاء كبيرة « فإن أب الفرويدية والتحليل النفسي « لم يسبق له ان عالج اي من مرضاه» حسب الفيلسوف الفرنسي .
بل أكثر من ذلك اتهم صاحب اللاشعور بالكذب وبالموالاة للأنظمة السلطوية بعد أن قام بالتوقيع بالثناء في احد كتبه إلى موسوليني زعيم الفاشية الإيطالية.

بالنسبة للفيلسوفة والمحللة النفسية إليزابيت رودينسون والتي تكلفت بالرد على الفيلسوف الفرنسي صاحب الكتاب فإن ما جاء في كتاب» انهيار الأسطورة «ليس بالجديد وإن فرويد مند بداية القرن الماضي تعرض لهجومات مماثلة ومن أطراف متعددة وإن الكتاب حول فرويد يتضمن مجرد ادعاءات ومغالطات.
بالنسبة إلى إليزابيت رودينسون فإن فرويد لم يلتق موسولوني وإن أحد تلامذة فرويد الإيطاليين قدم له أحد المريضات التي كان يعالجها وكان أبوها صديقا لموسيليني.


في هذا الإطار تم توقيع الكتاب الذي سلم إلى موسيليني وإنه لا بد وضع هذه الحادثة في إطارها التاريخي . ولا يمكن القول من خلال ذلك بأن سيغموند فرويد كان مؤيداً للنازية أوالفاشية. وأضافت إن كتاب أونفري يوهم الناس بإضافة أشياء جديدة لكنه في الحقيقية يعيد قول أشياء كانت معروفة ومعلومات متداولة. وأضافت «إنه يعتبر أن اليهود هم من اخترع الديانة التوحيدية ورواد النازية وإن فرويد يمارس الإعتداءات الجنسية ومؤيد للأنظمة الفاشية وشريك لنظام الهتليري بنظريته حول غريزة الموت.»


لكن ميشيل أونفري يرد أن كل ماقالته الفيلسوفة كذب لأنه لم يقل قط أن فرويد معاد للسامية وكيف يمكنني أن أصل إلى مستوى قول هذا النوع من الحماقة.

لكن من خلال قراءة رد إليزابيت رودينسون يبدو أنها أخرجت كل أنواع الأسلحة ضد الفيلسوف الفرنسي من أجل إزالة أي صدق عليه خاصة فيما يتعلق بمعاداة السامية واليهود مما يزيل عن هذه الفيلسوفة نفسها كل مصداقية علمية وفلسفية: فبدل مقارعته بالدليل والحجة، فهي تطلب النجدة من الأقلية التي تنتمي إليها وتطلب نجدة الجمعيات والصحف من خلال قولها إن عمل من 600 صفحة هو مجرد عداء للسامية ولليهود لا أقل ولا أكثر. في حين أن عمل فرويد يدخل اليوم في إطار تراث وعمل إنساني من حق أي باحث أو فيلسوف تأويله والإشتغال عليه كيفما شاء شرط احترام منهجية متداولة.

ميشيل أونفري تميز أثناء الحملة الإنتخابية الرئاسية السابقة بتحليلاته المعارضة للمرشح ساركوزي ودعا الى ترشيح جوزي بوفي وهذا الفيلسوف اقترح عليه اليسار الراديكالي الترشح للانتخابات الرئاسية، لكنه رفض الدخول إلى المعترك السياسي كمرشح واكتفى في مدوناته بإعطاء رأيه الصارم ضد المرشح ساركوزي الذي عقدت أحد المجلات الفلسفية حوارا بينها والذي كان جد صعب بل متوتراً لشساعة الفارق في تصور كل واحد منهما إلى العالم والإنسان والحضارة.


لكن عنف النقاش الذي خلقه الفيلسوف الفرنسي يعود إلى أن نظرية التحليل النفسي هي زاوية لها أتباعها وتلامذتها بفرنسا من جامعيين وطلاب ومحللين نفسيين وهي مورد العيش للآلاف من الأشخاص، مما جعل العديد من المحللين يعتبرون عمل ميشيل أونفري هجوماً على أب نظريتهم وعلى مورد عيشهم الأساسي. هكذا استعملت كل الأساليب حتى غير المحترمة واللاعلمية للهجوم على الفيلسوف بما فيها اتهامه بالعنصرية، معاداة اليهود أو السامية كما تسمى بفرنسا من خلال مقارنته ببعض الكتابات التي كانت معادية لفرويد قبل الحرب الثانية لمجرد أنه من ديانة يهودية، بل إنه تمت مقارنة الكاتب بالقرب في تحليله من النازية والفاشية واليمين المتطرف والمشككين في المذبحة اليهودية بل كما يقول الكاتب نفسه تمت مقارنته ب«الطبيب جون كوتيي الذي كان قريبا من فيشي ومن الفرنسيين المدافعين على دفع اليهود إلى المحرقة»، بل إن هناك من يعتبر هذا الكتاب استمرارية ل « الكتاب الأسود لنظرية التحليل النفسي »، والذي شارك فيه أكثر من 40 كاتبا ومتخصصا، والذي اتهم بالدفاع عن طريقة للعمل النفسي المبنية على قيم المدرسة السلوكية بدل مدرسة التحليل النفسي .طبعا يبدو أن وراء النقد والنقد المضاد الوقوف مع نظرية للعلاج أو أخرى مما يعني الصراع على سوق عمل رابحة بفرنسا وأروبا لما يعرف الطب النفسي من رواد.


طبعا، النقد ضد مؤسس نظرية التحليل النفسي ليس جديدا ولم يتم لأول مرة بل ما ميز هذا الكتاب هو المجهود الكبير الذي بذل فيه من أجل الإحاطة بهذه النظرية على الخصوص بمؤسسها من جميع الجهات بل وتعريته ومقارنة بين ما كان يقول وبين ما كان يفعل .


لكن، عنف النقاش مع الفيلسوف الفرنسي ميشيل اونفري هو جد مفاجئ للمتتبع وكأنه مس أحد المقدسات بفرنسا والتي لا يجب الاقتراب، منها مما جعل الإنتقادات التي تطرقت لعمله تخرج في أغلب الأحيان عن النقاش العلمي النزيه إلى الاتهامات غير المبررة له بمعاداة اليهودية، فقط لأن صاحب النظرية النفسية النمساوي سيغموند فرويد هو يهودي الديانة لكن ما يخفيه النقاش الديني هو الآلاف من المعالجين والمختصين بفرنسا الذين يربحون قوتهم اليومي من خلال تسويق هذه النظرية إلى عدد كبير من المرضى لكن كتاب يعري النظرية ويهددها ويهدد أصحابها رغم أن التحليل النفسي اليوم تطور بشكل لا علاقة له بالمؤسس. خاصة أن الكتاب حقق مبيعات جد كبيرة تقدر بمئات الآلاف وهو ما يعكس شغف القراء الفرنسيين بمعرفة كل شيء عن هذه النظرية وعلى صاحبها سيغموند فرويد..


بالنسبة للفيلسوف الفرنسي ميشيل أونفري صاحب الكتاب، فإن القراء هم من سيكون حكما على عمله وعلى الانتقادات بل الاتهامات التي تعرض لها بمعادات اليهودية.

3/7/2010