عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
5

المشاهدات
3402
 
هارون زنانرة
من آل منابر ثقافية

هارون زنانرة is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
21

+التقييم
0.00

تاريخ التسجيل
Dec 2010

الاقامة

رقم العضوية
9537
12-15-2010, 02:50 PM
المشاركة 1
12-15-2010, 02:50 PM
المشاركة 1
افتراضي في معتقل رقان لاأحد يراسلني ياأمي...
حين انتزعوني من الفراش الدافىء الى سلاسلهم الباردة ،لم تستطع ذاكرتي المفجوعة حمل أي وجه أو صورة تتعدى العيون المعصوبة بعناية..
وحدها صورة أمي اختزنتها مع الصراخ والصفعات المتتالية.
الليل والمطر واللفظ الفاحش ثالوث نزف بعنف وغزارة فوق رأسي تلك الليلة،صفعات الجلاد تنهال على الخد المستسلم فتحول لونه إلى لاشيء في عالم الألوان...التهمة واضحة الغموض:العفو عن اللحية والانتماء للحزب المحظور..شهر واحد من الصلاة بانتظام خلف الإمام في مسجد الحي ألبسني هذه التهمة.
يوم بارد من أيام السنة العاصفة..1992..الوجهة..رقان،صفراء فاقع لونها تشتهي التيه والضياع في كثبان تتمايل في تعال..رمال تصارع الريح والعواصف دون منتصر..الخيم تتواضع خجلة أمام هذا الصراع والإصفرار والتعالي..يوم الحشر دون إنذار ،الجوع والبرد والخوف..والجلاد حارس خبيث في سجن لاباب له ولافرصة للهروب.
تتجلى أمامي صورة أمي،كما لم تتجلى يوما..بكل تفاصيلها بانتظام،دون انتظام تباغتني..وداخل الجسدالمنهك تبكيني دون دموع..
ماذا تفعلين في غيبتي ياأمي؟الحرقة والنبض القابض على الصدر.. سامحيني ياأمي..أنت المفجوعة بي منذ ولادتي سامحيني إن رميتك بين أنياب القلق والحسرة..إن قدر لي أن أعود إليك سأعود طفلا وديعا لأحضانك متنازلا عن الشارب واللحية والرجولة وأشياءأخرى..أعود فقط.
رقان والجلادوالسوط والأنين ..ليلة واحدة في المعتقل صفعة واحدة كادت تذخلني عالم النحيب الأبدي..ماذاأفعل هاهنا؟؟..القوم حولي،أقراني في التهمة تتملكهم الحماسة والشعور بتاريخية الإعتقال..وسام يثرون به مستقبلهم النضالي..يتضاحكون ويبادلون الجلاد التحدي والصمود.
الجلاد ،الأخرون غيري..عالمان متنافران ،عالم أسود وآخر أبيض وأنا وسطهم ضبابي مغيب التفاصيل بشكل غريب..تسكنني الحرقة ،يقتلني القرف والسأم.
ماذا أفعل في رقان؟.. بدأت الصلاة منذ شهر ،لما بلغت العشرين تحديدا
واضبت على أدائها في المسجد لم تهمني خطب الإمام النارية..كنت شغوفا بلحيتي ..أعجبني منظري ثوري الملامح بمقاس تشي غيفارافي سكونه الأبدي.
عفوت عنها،أتحسسها بافتخار وأحسب كل من يرمقني بنظرة معجب يحسدني عليها.
حولي مناضلون وجلاد ما انتهى الجلاد وماانتهى المناضلون..وحدها صورة أمي تنتشلي من عالم الذهول الطويل..الليل في رقان ستون ساعة، والنهار ثمانون أويزيد..كذب علماء الفلك أو من حدد هذه الخزعبلات..
ماذاأفعل في هذا الوقت المتمدد في استرخاء..أكتب؟ لاأجد ماأكتب ياأمي إذا كتبت لاأجد من يقرألي..أقرأ؟ ماذا أقرأ..لاأحد يراسلني هنايا أمي حتى أنت غابت رسائلك..المعتقل عا لم ورقان عالم آخر فكيف إن ارتبطت رقان بالمعتقل أو ارتبط المعتقل برقان لا يهم الترتيب ..في عالمهما المتحد لا وجود للكاتب أو القارىء أو الساعي بينهما..اختزلوا كل شيء في السوط
ومحسناته من فاحش اللفظ وسب الملة من أول جد..رقان ياأمي لاأحد يكاتبني.......


إنَّني المشنوقُ أعلاهُ
على حبلِ القوافى
خُنتُ خوفي وارتجافي
وتَعرَّيتُ من الزيفِ..
وعلى ذلِكَ . .
وَقَّعْتُ اعترافي !