عرض مشاركة واحدة
قديم 08-10-2010, 06:49 AM
المشاركة 4
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: محاورات اليأس والمقاومة

الصاحب والصديق والفارق بينهما
بعد حوالى الشهر من تلك المحاورات والتى أوردتُ أهمها .. فوجئت بالشاب يتغير كثيرا جدا فعرفت أن داءه الحقيقي كان كما خمنته وهو افتقاده للمنطق وللحوار وللإشباع الواجب توافره لأى عقل
وتستمر المحاورات .. ولكن مع أطراف أخرى

قالت ..
" ما هو اكتر شىء تكرهه يحدث من صديق "
قال الكاتب
" وما دام صديقا ... فكيف أكره منه شيئا .. !!
إن معيار ومفهوم كلمة الصديق لا يتحقق إلا بالاتفاق التام فى الميول والدوافع بين شخصي الصديقين .. ولولا هذا ما كان تآلف الأرواح
أو كما سؤل أعرابي أيهما أحب إليك أخوك أم صديقك
أجاب " وهل يكون أخى إن لم يكن صديقي "
وكل ما نراه على ساحة الإنكار الآن ليس من الصداقة فى شيئ فأزمة عالمنا الآن فى الواقع تتلخص فى عدم إدراك المسميات على حقيقتها
فلمجرد جلسة أو عبارة مدح أو تملق نجد أوصاف الصداقة قد انهالت على تراب الأرض من كثرتها وهذا أمر مؤسف ..
فالصداقة مفهوم شديد الندرة إلى حد بعيد
حتى أن السعيد هو من يعرفها فى حياته لمرة أو مرتين فقط
وهذا هو نفس حال بقية المفاهيم .. وانظرى وتأملى معى ما الذى انحدرت إليه كلمات وأوصاف كالإيمان والحب والشهامة والمروءة وغيرها ..
حتى فى الأوصاف الفكرية ..
تأملى ما الذى وصلت إليه كلمات مثل عالم ـ مفكر ـ مثقف ـ فيلسوف وما إلى ذلك من أوصاف كانت تهز المرء هزا فى ما مضي إذا ذكرت أمامه نظرا لصعوبة تحقق معاييرها الكاملة
نقطة أخرى لا تقل أهمية
وهى أن الصديق لا يتصور أن أكره منه شيئا .. لكن المتصور أن أعتب عليه لأن حسن النية هنا هو الحاكم وهو المقدم على سوء الظن طالما توافر معيار الثقة
ولا مجال لكراهية شيئ من الصديق لأن العلاقة نفسها لا تبلغ درجة التداخل فى الشئون الشخصية وهو ما لم يدركه الكثيرون
فمهما بلغت درجة قرب الأصدقاء ليس مطلوبا ـ تحت مفهوم الثقة ـ أن يصير الصديق ملاصقا لصديقه حتى بأدق شئونه أو شئون بيته فالحدود المرسومة للحرية الشخصية يجب ألا تنتهك حتى بين الأب والابن ..
قالت :
ما هو مواصفات الصديق الذى تجب مصادقته ؟
قال الكاتب :
لا يمكن بأى حال وضع الصداقة فى كود قوانين .. !!
بمعنى أن أقوم باللجوء إلى بنود محددة وأطلب توافرها كاملا فى الشخص حتى أصادقه بل هى تقوم على مفهوم واحد فقط والبقية متروكة للشعور والعاطفة
والشعور والعاطفة بطبيعتهما أمور نسبية بين الناس غير قابلة للتحديد
وهذا المفهوم هو الذى صاغته الحكمة الشهيرة
" صديقك من صدقَكْ .. لا من صدًقك "
فالمطلوب هو الصدق وحسب
ليس الصدق بمعنى عدم الكذب بالأقوال .. بل الأهم الصدق فى الأفعال ..
وليس المهم الصدق فى الحسنات .. بل الأهم الصدق فى المساوئ
فقد يظن البعض أن الصدق هو مجرد تلافي الكذب فى الحديث
بل إن الصدق أعمق من هذا بكثير فى مفهوم الصداقة ..
الصدق حتى الطباع السيئة التى قد توجد فى أحد الأشخاص فيبادر بنفسه إلى حماية صديقه منها
لكن هذا مستحيل التحقق بالقطع إذا كان المرء مفتقدا للثقة مع نفسه فى الأصل ففاقد الشيئ لا يعطيه ..
فلو كنت خادعا نفسي بإيهامها أننى على حق وتيسير سبل الخطأ فمن المستحيل أن أكون صديقا وفيا لأحد طالما كنت مفتقدا للوفاء مع نفسي من باب أولى

قالت :
وما هورد فعلك ان صادفتك الخيانة من صديق
قال الكاتب :
بناء على ما سبق فمن المستحيل أن تأتى الخيانة من صديق ـ طالما أنه صديق ـ
فإن أتت الخيانة ممن كنت أظنه صديقا ..
فنفسي هنا هى أولى بالعقاب .. وفطنتى هنا أولى بالحساب
لأننى لو أحسنت الاختيار .. وطبقت ما هو مطلوب فى صحة القرار .. ما انتهى الأمر الى هذا المآل
وفارق ضخم
بين الصاحب " وهو المفهوم الأكثر شيوعا "
وبين الصديق ..
فالصاحب
هو زميل عزيز وقريب من القلب وهذا يخضع للعلاقات الأنانية صعودا وهبوطا
فأجدنى أعز أصحابي أكثر لمواقف أراها فيهم وأعجب بها والعكس صحيح
كما أن الصاحب لا ضرورة فيه لتوافر عامل الكفاءة الموازية .. فمن الممكن أن أكون أستاذا جامعيا وأصاحب تلميذا لى ذو عقل يدعو إلى الإعجاب أو حتى واحدا من عامة الناس بسيط الفكر والمنطق لمجرد أنه متوافق معى فى مشاعره وأسلوبه
وكاجتهاد شخصي ..
فهذا المعيار الذى يفسر استخدام الرسول عليه الصلاة والسلام لمفهوم أصحابي مع الصحابة ولم يستخدم الصداقة .. فى حين أن القرءان الكريم عبر عن مفهوم الصداقة بتعبير صريح
" أو صديقكم ............ "
لأن الرسول عليه الصلاة والسلام كان فى منزلة لن يبلغها إليه أحد ليصبح صديقا مع توافر الهيبة المانعة بطبيعة الحال وهى التى تتلاشي بين الصديقين
ولهذا كان استخدام لفظ الأخوة " هو كما رأينا مرادف لمفهوم الصداقة " بين الرسول عليه الصلاة والسلام وبين الأنبياء والمرسلين عليهم جميعا أفضل الصلاة والتسلي
كما أن الصاحب يلزم لاستمرار المعزة أن تتوافر المصاحبة فالأكثر التصاقا هو الأكثر فى مفهوم معزة الصاحب
أما الصداقة ..
فهى تلك العلاقة التى تعتبر الوجه الآخر للحب ..
فهى ثابتة من بدايتها لا تنمو صعودا أو هبوطا
كما أنها تخضع لمعايير الإنكار والإعجاب
ولا تخضع أيضا لمفهوم البعد والقرب فهى ثابتة وراسخة ولو فرقت بين الصديقين أعوام
كما أنها ـ وكما رأينا .. لا يمكن أن تتوافر بها الهيبة لأن الهيبة تضرب معيارها ومفهومها ..

ولا زال نهر الحوار جاريا