الموضوع
:
تعلم كيف تحاور .. وتعلم كيف تناظر ..
عرض مشاركة واحدة
08-05-2010, 09:47 PM
المشاركة
4
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي
اوسمتي
مجموع الاوسمة
: 1
تاريخ الإنضمام :
Jan 2006
رقم العضوية :
780
المشاركات:
1,201
رد: تعلم كيف تحاور .. وتعلم كيف تناظر ..
نظرة إلى جدل المنتديات الثقافية
الجدل السيئ متكرر ملموس فى مجتمعاتنا , والكارثة أنه تم التأصيل له تحت مفهوم الحوار والمناقشة فى مغالطة كبيرة للغاية , وقعت فيها الصحف والمنتديات والمجتمعات الثقافية , وتعتبر تلك الظاهرة سببا رئيسيا فى تفشي الانقسام بين المجتمعات العربية بعد أن كان الانقسام محصورا على الأنظمة الحاكمة فحسب , فتعداهم إلى الجماهير التى أصبحت أشد تناطحا من الملوك والرؤساء , وما ينطبق على الجماهير ينطبق أيضا على الخاصة وهم المسئولون ـ
للمفارقة
ـ عن تربية الرأى العام ,
فالمجتمع الثقافي والذى هو من المفروض مجتمع حوار متكامل انقلب فى معظمه إلى ما يشبه السوق , وليته كان مشابها لسوق عكاظ , بل للأسف الشديد أشبه ما يكون بسوق الخضار
وسبب الظاهرة سبب بسيط للغاية , وهو عدم التأنى من المشارك بالحوار قبل أن يحاور , مما يقلب كل حوار إلى دائرة جدل عقيم لا تنتهى أبدا
والتأنى أمر واجب وضرورى فى مثل هذا الأمر والمشاركة لها قواعد يجب اتباعها
أولها
: أن يتأمل المشارك الموضوع المطروح للحوار ويري , هل هو قضية تستحق النقاش ابتداء أم أنها من عينة قضايا الفضائيات لا هم لهم إلا مناقشة المرأة والرجل والسينما , فلو لم تكن القضية تستحق أن تطرح , وجب على المشارك أن يرفع عنها قلمه لأن هذه المناقشة لن تنتهى , ولو كان هناك أمل فى انتهائها لانتهت من الفضائيات ! ,
لا سيما وأن أمثلة تلك القضايا هى محسومة من زمن الوحى وفتحها إنما هو للفتنة وحسب , تماما كالجدل حول البيضة والدجاجة أيهما سبق الآخر للخلق
!
مثال ذلك التغنى بقضايا حرية المرأة ومسألة عمل المرأة بسائر الوظائف وما إلى ذلك , فتلك أمور محددة بالنصوص لا يجوز فيها الاجتهاد , وحتى الاجتهاد ـ إن جاز ـ فهو ليس لهؤلاء المناقشين بل للعلماء , لا سيما وأن ما يحتج به دعاة الفتنة من حرية الاجتهاد إنما هى كلمة حق يراد بع باطل , فهؤلاء الحمقي يظنون الإجتهاد هو أن تبتكر حلا من عندك , بينما الاجتهاد متاح للعلماء البالغين درجته بشرط أن يستند إلى حكم عام بالشريعة , فلا يوجد شيئ اسمه الاجتهاد بالعقل وحده ودون القياس على قاعدة من قواعد الفقه العامة
مثال ذلك أن يستند العالم إلى قاعدة لا ضرر ولا ضرار فيفتى بحظر التدخين العام , أو أن يستند العالم إلى قاعدة المصلحة العامة وقاعدة لا ضرر ولا ضرار فيفتى بجواز منع المباح للضرورة مثل أن يشرع الحاكم حظر التجول أو منع السفر بسبب تفشي وباء معين
ولهذا يجب أن ينأى الإنسان بنفسه عن مثل هذا بجملة واحدة , أن هذه أحكام الإسلام من قبلها كما هى منزلة فذلكم المسلم , ومن لم يقبلها فعليه وزره , لأن الإسلام لا ينتظر اعتمادا من أحد ولا تعديلا حتى يوافق على اعتناقه أو لا والقرآن الكريم يقول
{
وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضي الله ورسوله أمرا أن تكون لهم الخيرة من أمرهم
}
ولا يخدعن الكاتب الذى يشارك بالجدل , شيطانه , بالقول أن هذا الموضوع المطروح فيه تلبيس على الناس يجب إيضاحه , فإن الأولى من هذا ألا تشارك به على الأقل لكى لا يمنحه فرصة الأخذ والرد فيموت الموضوع على نحو طبيعى بالإهمال ,
خاصة وأن القول الفصل قد قيل وهو بيان أن تلك أوامر الله ونواهيه , ومن شاء فليقبل ومن شاء فليكفر بها
ولو أننا طبقنا هذا المبدأ لقضينا على ثلاثة أرباع الجدل الفارغ
ثانيها
: إذا كان الموضوع يستحق النقاش , بمعنى أنه يحمل قضية جديدة أو قضية قديمة لكنها مطروحة بإضافات جديدة , عليه أن يتأمل هل يملك الإضافة إلى هذه القضية أم لا , فإن كان يملك الإضافة فليتقدم عارضا لها بأحسن ما لديه من أساليب العرض , وإن لم يكن فعليه البقاء متابعا فقط , وهذا يوفر جدية أكثر للنقاش
ثالثها
: إذا كانت لدى المشارك إضافة أو سؤال أو تعقيب طرحه , فيجب عليه قبل العودة مشاركا مرة أخرى أن يري ردة فعل صاحب الموضوع , هل تعقيبه كان تعقيبا علميا أو فكريا أم تعقيب لمد جسور الحوار وفقط , فإن كان لمجرد المط والتطويل فعليه أن يترك الساحة لصاحبها ومن يصاحبه فى جداله عملا بوصية النبي عليه الصلاة والسلام
ويتضح ذلك جديا فى مناقشة القضايا الدينية , فإذا طرح المشارك حكما للدين فجاء صاحب الموضوع معترضا أو مناقشا للحكم فهذا لا يريد حقا بحديثه والأولى تركه
مثال ذلك ما يثيره بعض مشوهى الإدراك من نقد لأقوال العلماء على أنها أقوالهم , وهم بينوا له أن هذه الأقوال شرح لأصل موجود بالقرآن , يظل هو فى كل مشاركة يردد كالببغاء أن هذه اجتهادات علماء , فإن بينوا له أن الاجتهاد لابد أن يكون له أصل ويمارسه العالم المختص يخرج على الناس فيقول أن من حقه المناقشة والاجتهاد
فهذا يعتبر مضيعة للوقت أن تحاول مجادلته ويكفي أنه يري فى نفسه ندية للعلماء , وهو يفتى لنفسه بحق الاجتهاد ولا يسلم لأهل الاختصاص بالفقه , بينما لو أصابه مرض ولجأ لطبيب فأمره الطبيب بالغرائب لنفذها دون نقاش ؟!
رابعها
: عند طرح المشارك لمشاركته , وكان موضوع الحوار مقدما بشكل متكامل أو شبه متكامل من صاحبه , فعليه أن يتأنى فى تقديم مشاركته , فلا يجعلها ـ إن وجد الموضوع يستحق ـ عبارة عن شكر وتقدير يتجاوز حده , ولا يجعلها أيضا ـ إن كان الموضوع به أخطاء ـ أشبه بمشاركة مصنوعة من قنابل المدفعية , بل عليه أن يتبنى الوسطية والاعتدال لأننا بصدد حوار لا مناظرة , فالشكر المبالغ فيه قد يمنع صاحب الموضوع من رؤية عيوب موضوعه إذا أتته فى مشاركة تالية , والنقد الجارح قد يمنع صاحب الموضوع من الاستمرار ـ
إن كان موهبة ناشئة
ـ فى المحاولة والترقي
كما يجب أن تكون المشاركة الأولى فى الموضوع لا تحمل طابع الهجوم , فربما كان كاتب الموضوع متأولا لا يعلم ما يكتبه , ولا يدرك خطورته فيجب بيانه بهدوء لعله ينتبه , فهناك الكثير ممن خدعتهم الدعايات فاقتنعوا أن ما سمعوه حقا دون إدراك فلو بادرهم المعلق بالهجوم فربما ساهم فى زيادة تشبثهم بتلك الأفكار
وهذا سيتضح من أول رد فعل لصاحب الموضوع فإذا أحب الاستزادة فهذا يبتغي الحق وإن جادل وتكبر فهذا الذى ينبغي تركه
خامسها
: إذا كان الموضوع من عينة موضوعات العلمانيين وأترابهم , فالتورط فيه يمكن أن يفضي ـ والعياذ بالله ـ إلى إصابة المرء بعقيدته , نظرا لأن الشريعة كانت واضحة فى هذا الشأن , فالحديث الذى يدور بالخوض فى ثوابت الدين لا يقابله المشارك إلا بالإنكار ,
أما الجدل فغير مباح إلا لأهل الاختصاص , بشرط ألا يمنح صاحب الموضوع فرصة الإفلات من نقطة لأخرى وتدوير النقاش كساقية الحقل , فهذا كله يقع وزره على المحاور الذى تحركه نيته الحسنة للدفاع عن الدين
والدفاع عن الدين فى مواجهة ذلك يكون بإنكار اللسان أو القلم بأشد وسائل الإنكار , وعلى سبيل المثال إن كان فى حقل المنتديات فالأمانة هنا تقتضي رفع الأمر للإدارة
,
أما المشاركة فلا تكون بالنقاش فى ذات الموضوع أبدا , بل تكون بإعلان رفض الجدل العقدى , ثم لمن استطاع أن يذكر بقول الدين فى موضوع النقاش فليفعل ولا يكرر المشاركة , ومن استطاع أكثر عليه أن يركز قوله فى فضح المنهج العلمانى نفسه لا نقاش نقاطه المتكررة
وهذا الأسلوب ـ
نقد المنهج وفضحه
ـ أسلوب بالغ الفعالية , فقد ظل الشيعة الاثناعشرية يتكتمون أسرار كتبهم التى لا تصل إلا للقليل , ويركزون حواراتهم مع العلماء والمفكرين على نقد المنهج السنى ومذاهبه فينشغل العلماء برد الشبهات وتستمر الدائرة , فلما ظهرت الكتب الأصولية للفرقة الاثناعشرية تنبه العلماء للفخ الذى وقعوا فيه وقام أكثر من واحد منهم بالتركيز على ضرب المعتقد ذاته , فقد صار من العبث أن يناقش الشيعة حديث مثل رضاع الكبير بينما عندهم فى صلب العقائد كفر بواح منصوص عليه بكتبهم ,
وهذا الدور قام به العلامة المحدث
إحسان إلهى ظهير
رحمه الله عندما حقق أشهر كتبهم التى أخذها من مصدرها فتسبب فى خلخلة هذا المعتقد وتركه الآلاف بعد أن فوجئوا ـ كعامة ـ بما يخفيه علماؤهم وما يمارسونه معهم من تضليل وبهتان
وهذا ما ننادى به فى مواجهة العلمانية , فإذا جاء بانتقاد لحكم قرآنى ووصفه بأنه حكم عالم , يكون البيان بسطرين , هذا حكم الله لا حكم العالم فأخبرنا أنت هل تقتنع بالله حاكما
؟!
وعلى هنا وينتهى الجدل , فإذا كان العلمانى من ذوى النفس الطويل يناظره بموضوع مستقل أحد المناظرين عن الإسلام , ويبدأ معه من النقطة المفصلية وهى طبيعة اعتقاد العلمانيين بالله , ثم يواجهه بأصول كتابات العلمانية ويُلزمه بها
أما أن يأتى علمانى فيطرح قضية مغلوطة أو قولا يستحق عليه جائزة أسوأ ممثل , ثم يتورط المحاورون معه فى الدفاع عما لا يحتاج دفاعا أصلا فهذا كله يخدمهم ولا يخدم الدين
فلو أن منتدياتنا بإداراتها وأعضائها طبقت هذه المفاهيم وكرستها , وكان الأصل فيها هو منع الجدل والإسفاف والموضوعات ذات المحتوى الفاسد أو الغير لائق
لأصبحت المنتديات الثقافية إحدى بوابات الوعى الحضاري بلا جدال ,
وأعود فأذكر أن الجدل محرم تشريعيا , أى أن منعه وحصاره أمر واجب والتورط فيه ذنب قارب الكبائر لما فيه من المشاحنة والبغضاء وزلات اللسان التى تكفي واحدة منها فى لحظة انفعال أن تكب صاحبها على وجهه فى النار , نعوذ بالله منها ومن فتنة القول والفعل
تم بفضل الله ومنته
رد مع الإقتباس