عرض مشاركة واحدة
قديم 12-14-2010, 08:01 PM
المشاركة 14
رقية صالح
أديبـة وكاتبـة سوريــة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي

بكائية من أجل إغناثيو سانشيز ميخِيّاس(4 أجزاء)





(ج4)



فالحجر يمسكُ بالغيم والبِذار


بهياكل القبّرات وذئاب الغَبش


لكنّه لا يعطي أصواتاً ولا بلّورا ولا ناراً


بل حلبات وحلبات ومزيدا من حلبات دون أسوار


....


ها هو إغناثيو كريم الأصل والمنبت


ممدّدٌ على بَلاطة الحجر


لقد أنتهى الأمر؛ ماذا يجري؟ انعموا النظر:


الموتُ يغطّيه بكبريت شاحب


ويعطيه رأسَ “مينوتور” داكن


....


لقد أنتهى الأمر.. من فمه يلجُ المطرُ


مرتعباً يتركُ الهواءُ صدرَه المنخسِف


والحبّ، المُشرّب بدموع الثلج


يتدفّأُ في سدرة المراعي


....


ماذا يقولون؟ صمتٌ منتن يستقرُّ


نحن أمام جسدٍ حاضرٍ يتلاشى


ذي شكل جليّ كان له بلابل


وها نحن نراه يمتلئ بثقوب ليس لها قرار


....


مَن يجعّد الكفن؟ ليس صحيحاً ما يقوله!


فما من أحد هنا ليغنّي أو يبكي في ركنٍ ما،


ولا مَن يَنخسُ أو يرهب الأفعى


هنا لا أريد إلاّ عينين مستديرتين


حتّى أرى هذا الجسدَ دون راحة ممكنة


....


أريد أن أرى هنا رجالاً أقوياءَ الصوت


أولئك الذين يروّضون الخيل ويتحكّمون في الأنهار:


أولئك الذين ترنّ هياكلهم العظمية، ويغنّون


بأفواه مليئة بالشمس والصّوان


....


أريد أن أراهم هنا. أمام بَلاطة الحجر


أمام هذا الجسد المحطّم العنان


أريدهم أن يدلّوني على مخرجٍ


لهذا الربّان المقيّد بالموت


....


أريدهم أن يلقنوني بكائية شبيهة بنهرٍ


عذب الضباب وعميق الضفاف


يجرف جسدّ إغناثيو معه حتّى يتلاشى


دون أن يسمعَ نخيرَ الثيران المضاعف


....


علّه يتلاشى في الحلبة المستديرة للقمر


المتظاهرِ منذ الطفولة دابةً عليلة مشلولة


علّه يتلاشى في ليل خال من غَرَدِ الأسماك


وفي أجَمة الدخان المجمّد البيضاء


....


لا تغطّوا وجهه بالمناديل


أريده أنْ يعتاد على هذا الموت الذي يحمله


اذهب يا إغناثيو. لا تسمع هذا الخوار الحار


نمْ. حلّقْ. استرحْ: فالبحر أيضا يموت


....


روح غائبة


لا الثورُ يعرفك ولا شجرةُ التين


لا الخيلُ، ولا نملُ دارِك


لا الطفلُ يعرفك ولا ساعة الأصيل


لأنّكَ مُتّ إلى الأبد


....


لا ظهرُ الحجرِ يعرفك


لا الحريرُ الأسود حيث تتفتّت


ولا ذاكرتُك البكماءُ تعرفك


لأنّكَ مُتّ إلى الأبد


....


سيأتي الخريف بأبواق المحار، (10)


بأعناب الضباب وأفواج الجبال


لكنّ أحداً لن ينظر في عينيك


لأنّكَ مُتّ إلى الأبد


....


لأنّكَ مُتّ إلى الأبد


ككلّ موتى الأرض


ككلّ الموتى المنسيين


في كومة من كلاب منطفئة


....


كلا. لا أحد يعرفك. لكنني أتغنّى بك


أتغنّى بطَلالتكَ ولطفكَ، لفيما بعد


بنضجِ حصافتك المرموق


باشتهائك الموتَ وطعم فمه


بالحزنِ الذي امتلكَتْهُ ذات مرّةٍ بهجتُك الباسلة


....


لوقتٍ طويلٍ لن يولد، هذا إذا وُلِدَ


أندلسيٌّ جليّ مثلك، وغنيّ بالمغامرة مثلك


ذا أنا أُعظّم أناقتَه بنائح الكلمات


ومتذكراً نسمة حزينة تخلّلت أشجار الزيتون


__________________



يتبع

.
.

هذي دمشقُ وهذي الكأسُ والرّاحُ
إنّي أحبُّ... وبعـضُ الحبِّ ذبّاحُ
أنا الدمشقيُّ لو شرحتمُ جسدي .. لسالَ منهُ عناقيـدٌ وتفـّاحُ
ولو فتحتُم شراييني بمديتكم .. سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا
زراعةُ القلبِ تشفي بعضَ من عشقوا .. وما لقلبي إذا أحببتُ جرّاحُ
مآذنُ الشّـامِ تبكي إذ تعانقني .. وللمآذنِ كالأشجارِ أرواحُ
للياسمينِ حقـوقٌ في منازلنا.. وقطّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتاحُ
طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتنا .. فكيفَ أنسى؟ وعطرُ الهيلِ فوّاحُ
هذا مكانُ "أبي المعتزِّ".. منتظرٌ ووجهُ "فائزةٍ" حلوٌ ولمّاحُ
هنا جذوري هنا قلبي .. هنا لغـتي فكيفَ أوضحُ؟
هل في العشقِ إيضاحُ؟

- - - - - - - - - - - - - -
(أعشق وطني والمطر)