الموضوع
:
تعلم كيف تحاور .. وتعلم كيف تناظر ..
عرض مشاركة واحدة
08-05-2010, 09:45 PM
المشاركة
3
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي
اوسمتي
مجموع الاوسمة
: 1
تاريخ الإنضمام :
Jan 2006
رقم العضوية :
780
المشاركات:
1,201
رد: تعلم كيف تحاور .. وتعلم كيف تناظر ..
شروط المناظرات وضوابط المشاركة فيها
سبق التعرض لأهمية العودة للأصول عند معالجة أى قضية ومعرفة حكمها ,
وأهم موضوع فى عالمنا المعاصر افتقد تلك الضرورة هو حكم وشروط المناظرات فى الإسلام , تلك الشروط والضوابط التى قد تؤدى بالعالم أو بالباحث ـ
الغير ملتفت إليها
ـ إلى مهاوى الكفر أو الزندقة أو الرياء
وتكمن الكارثة أن العالم أو المفكر أو الباحث غالبا ما يخوض بالمناظرات دون توافر ضرورتها وشروطها وهو يظن نفسه يؤدى واحدة من أعظم الطاعات إلى الله عز وجل , وهذا من ألاعيب وتلبيس إبليس المفضلة للتغرير بحراس الحدود فى الدين
,
فمن المعروف أن العالم أشد على إبليس من ألف عابد وأشد العلماء على إبليس هو العالم أو الباحث الذى يجعل همه تحرى الشبهات والذود عن الدين , ولما كان إبليس ـ لعنه الله ـ غالبا ما يجد الطريق مسدودا إلى غواية أى عالم فإنه يلجأ إلى أخبث أنواع التلبيس التى توقع البعض وينجو منها البعض الآخر
وهذا النوع من التلبيس هو دفع العالم أو الباحث إلى المساهمة فى هدم ما يسعى هو نفسه لحمايته , وبدلا من أن يكون نتاج جهد العالم صلاحا فى الأمة تكون النتيجة زيادة التضليل والغواية للجماهير بشكل ربما يعجز عنه أصحاب الشبهات
ولأن أمر المناظرات الجدلية واضح بيّن بالقرآن والسنة , فلم يترك علماء الإسلام جهدا فى التحذير من المناظرات وتوضيح ضوابطها وضرورتها , لا سيما وأن علاج أثرها بالغ الصعوبة , لأن المتورط فيها يكون مقتنعا بأنه يدافع عن الدين ويذود عنه
علة منع وتحريم جدل المناظرات
سبق أن تعرضنا لمفهوم المناظرات وما يحيط بها وصفاتها عند بسط الفارق بينها وبين الحوار , وعلة تحريمها تتمثل فى آثارها على المجتمع وعلى العلماء كما يلي
أولا
: تورث الضعينة والبغضاء والعجب بالنفس والزهو بالعلم وهذا كله طريق إلى جهنم ـ والعياذ بالله ـ بسبب وجود نص الحديث الصحيح عن عبد الله بن مسعود حيث قال
{
قال رسول الله عليه الصلاة والسلام : أربعة علماء فى النار .. عالم تعلم العلم ليبارى به العلماء , أو يمارى به السفهاء , أو يصرف به وجوه الناس إليه , أو يأتى به السلطان
}
والحديث كما نرى شديد الوضوح فى أن العلم ـ
وهو طريق الجنة
ـ يصبح طريقا للنار لو داخل العالم شبهة زهو أو إعجاب تتمثل فى تعمده الظهور على أقرانه من العلماء أو تعمده إظهار نفسه بصورة العالم أمام العامة عن طريق جدالهم والتغنى بتفوقه أمامهم
ثانيا
: لا يوجد فى المناظرات حدود مانعة , فكل طرح مباح , ولهذا ترى مناظرات العقائد تتناثر فيها أقوال الكفر والزندقة والشبهات المختلفة مما يكون له الأثر المدمر على العامة ,
وبدلا من أن تكون هناك شبهة واحدة دخل العالم مناظرة لردها , تتكون عشرات الشبهات ـ مع تنوع النقاش ـ ومنها ما قد يكون شبهات دقيقة لا تتضح إلا بشرح طويل غير متاح فيبقي أثرها على الناس ويستحيل تفاديه
لهذا , كان علماء الإسلام يردون على أهل البدع بمعزل عنهم ـ ما أمكنهم ذلك ـ , فإذا رأى عالم من علماء المسلمين كتابا أو سمع خطبة من مارق عن الدين يقوم بالرد عليه بكتاب مماثل طالما كانت شبهات المبتدع قد انتشرت بين الناس وكثر فيها التساؤل أو يقوم بتناول هذا الموضوع بخطبة أو محاضرة لكنه لا يناظر المبتدع ولا يجلس معه كأصل عام له استثناء سنبينه
ثالثا
: هدف المناظرات هو الانتصار للنفس , وبالتالى يجد المناظر المسلم نفسه فى أغلب الأحوال يتحمس ويبذل الجهد للرد عن نفسه لا عن الدين وغضبا لنفسه لا غضبا للدين و وذلك عندما يقوم مناظره باتهامه ـ سواء بحق أو بباطل ـ بالاتهامات المعتادة كالجهل وعدم الفهم ونحو ذلك
ولا شك أن الانتصار للنفس هو من الشيطان , وكان رسول الله عليه الصلاة والسلام لا يغضب لنفسه قط , بل للدين وحده
رابعا
: طبيعى أن ينجح علماء الإسلام فى ردع المبتدعين وأهل الشبهات نظرا لأن صاحب الشبهات ضعيف مهما امتلك من أساليب المحاورة , فالحق بقوته لابد من ظهوره أمام الباطل وتلك سنة الله فى الكون , وغالبا ما يصاحب نجاح العالم المسلم إعجاب فائق من جماهير الحاضرين أو المتابعين , ويكون هذا النجاح وردة الفعل عليه طريق للافتتان نظرا لطبيعة النفس البشرية التواقة للمدح والثناء , ولا ينجو من مهالك هذه الفتنة إلا العلماء الربانيون , ولهم طرقهم الخاصة فى التصدى لحديث النفس والعجب , ومنها ما فعله الإمام الشعراوى رحمه الله عندما صادف فتنة الثناء بعنف , فقام على خدمة أحد المساجد فى يومه هذا لكسر الغرور قبل أن يتسلل لنفسه
خامسا
: تعتبر المناظرات إهانة شديدة للعلم وشرف التعلم , حيث يتم استخدام العلم فى غير موضعه بالتنافس بين خصوم لا هدف لهم إلا الغلبة , كما أنه يضع العلماء فى موضع لا يليق بما أعزهم به الله من شرف العلم , وذلك عندما تراهم الناس يتناطحون كالديكة بينما جماهير مستمعيهم مستمتعة بالصراع !
ولهذا , حرم الإسلام المناظرات كأصل عام على العلماء , إلا عند الضرورة , ورحم الله السلف الصالح الذين أدركوا هذا جيدا فكانوا بالمرصاد لأى استفزاز أو فتنة يجرهم إليها أهل الأهواء ,
بينما يشهد عالم اليوم مئات البرامج المسماة بالحوارية وهى أبعد ما يكون عن الحوار , ويقوم منظموها بتعمد استضافة طرفي نقيض لمنح المشاهدين متعة المشاهدة , ونجحوا بالفعل فى غواية العشرات من العلماء والدعاة إما بالإغراء المادى أو بالتلبيس عليهم وخداعهم باسم تبيان الحق , وإما باللجوء للاستفزاز الشخصي عن طريق اتهام العالم بالجبن والخوف من الحوار , فينزلق ويشارك
مع ملاحظة شديدة الأهمية أن هذا المقياس لا ينطبق على البرامج الحوارية التى تهدف لبيان باطل استشري كفتنة الشيعة الرافضة مثلا , فتلك فتنة أطلت على عالمنا المعاصر بشدة بعد ثورة الخومينى وكادت تزيغ أوطانا لم تسمع بهم ولا تعرف عن بدعهم شيئا مثل مصر ودول المغرب العربي فوجب عندئذ أن تقوم الجهود المناهضة لما تفعله الثورة الإيرانية منذ قيامها واعتمادها المبالغ الضخمة لنشر التشيع
لهذا انقلب المحظور واجبا فى تلك الحالة بعد أن تحقق شرط انتشار الفتنة أما فى غير الانتشار فهنا يعود الأصل
ولو تأملنا سيرة العلماء الكبار فى الماضي سنجد أنهم يهربون من المناظرات كما يفر السليم من الأجرب , تحاشيا للفتنة , وقد قدم
الإمام البخارى
سلطان المحدثين على أحد البلاد , وكان معروفا بدقة حفظه كما وكيفا , وقد صنف كتابه الجامع الصحيح واحتوى أربعة آلاف حديث تقريبا من قرابة نصف مليون حديث كان يحفظها بالمتن والسند حرفا .. حرفا
فعمد بعض طلبة تلك البلد التى زارها إلى مجموعة من الأحاديث فقلبوا المتون وعكسوا الأسانيد ثم طرحوها على البخارى فى حلقة درسه طالبين منه بيانها اختبارا له أمام حشد هائل من الناس قدموا من كل صوب لرؤية معجزة زمانه
فأدرك البخارى على الفور أنهم يهدفون لاختباره فحسب وليس سؤالهم للعلم , فلم يجب , وانتظر حتى فرغ المسجد تقريبا من الناس ثم التفت إلى من سألوه واحدا تلو الآخر فصحح كل الأحاديث التى أتوا بها ورد كل متن إلى سنده ,
والمتأمل فى هذا التصرف يدرك كيف كان هؤلاء العلماء ربانيين بحق فلم يهمه أن يقول الناس عجز البخارى بل كان همه ألا يضع العلم موضع الزهو والفخر
وبقي أن نلفت النظر لحقيقة هامة للغاية , حتى لا يظن أحد أن الإسلام حرم المناظرات فى المطلق خشية أو خوفا
,
فالشاهد لكل أحد شرقا وغربا أن الإسلام هو الرسالة الوحيدة التى حظت بكم من الشبهات والمحاربات الفكرية لم يحدث عشر معشارها مع غيرها من الرسالات ,.
والإسلام بمنهجه السنى القويم هو العقيدة الوحيدة التى فتحت الباب لأعدائها على مصراعيه تحديا أن يأتوا بآية مثل آيات القرآن أو يفندوا قولا واحدا من أقوال النبي عليه الصلاة والسلام
وقد اتضح لكل المحاربين من المستشرقين وغيرهم مدى ما تمتعت به العقيدة الصحيحة من رسوخ تأكيدا لحقيقة أن تحريم المناظرات لم يكن عن خوف بل عن رفعة وحشمة , وتفاديا للجدل غير الموضوعى والدليل على ذلك أن الشبهات الموضوعية المنتشرة اهتم بها العلماء كأمر واجب شديد الوجوب طالما كان فى فائدة
وعطاء العلماء والمفكرين فى مناظراتهم للرد على شبهات المستشرقين والملحدين والمبتدعين وغيرهم أكبر من أن تحصي
ليس هذا فقط ,
بل إن الإسلام هو العقيدة والفكر الوحيدين الذين تمثلت فيهما الشبهات كدافع لزيادة اليقين لا الهدم , حيث أن الشبهات حفزت العلماء على استقراء وفهم النصوص والتعمق فيها أكثر وأكثر
ووجب التنبيه على ذلك حتى لا يظن الناس أن تحريم المناظرات معناه السكوت عن الشبهات , وإنما يأتى السكوت عندما تنتفي شروط الوجوب فى الرد كما سنراها
شروط المناظرات
وقف أحد الدعاة على المنبر خطيبا مرغبا للناس فى ضرورة الحوار المفيد وأهميته فى الإسلام ,
ولما انتهى من خطبته فاجأه أحد الناس فى طريقه قائلا له "
ألست تدعونا للحوار والتبادل الحر
" فقال نعم
فقال له الرجل "
أريد أن أحاورك وأناظرك فى أن أمك تزنى
!!! "
من هذه الحكاية البسيطة التى حكاها العلامة المحدّث
عدنان عرعور
فى أحد برامجه , نستنبط فى سهولة ويسر متى يكون إغلاق باب الحوار والمناظرة معا جائزا ومطلوبا ,
وإلا فبالله عليكم لو أن الإمام ـ
بطل الحكاية هنا
ـ رفض الحوار والجدل المدعو إليه , هل هناك ثمة جبن منه وهروب !
فليس معنى أن تدافع عن الدين وتقف على حدوده أن تلتمس أقوال المخرفين ومن فى زمرة المجانين وتصنع منها قضية للرد
وشروط المناظرات والمشاركة فيها شروط واضحة تنصرف كلها إلى وصف الشبهة المثارة وأهميتها
ويجب أن تتوافر تلك الشروط جميعها لكى يكون على الباحث أو المفكر أو العالم الهب للذود عن دين الله وتلك الشروط نجملها بما يلي ..
الشرط الأول
: أن تكون القضية أو الشبهة المثارة تفشت بين الناس وانتشرت ويُخشي منها لانتشارها أن تتسبب فى فتنة للناس , وعلة هذا الشرط واضحة للعقلاء حيث أن الشبهات التى لم تكتسب صيغة الإنتشار بأى وسيلة إعلامية إذا قام العلماء بتناولها والرد عليها سيجدون أنفسهم قد وقفوا ضد ما يدافعون عنه دون أن يدرى أحدهم , وذلك أن الشبهات التى يثيرها المتنطعون وفاقدو الأهلية الذين ليس لهم من الشهرة والقدرة على الوصول للناس شيئ ,
هؤلاء إنما يلجئون للطعن فى الدين ـ
ولو عن طريق انتحال شبهات قديمة وإعادة بثها
ـ لكى يكتسبوا الشهرة اللازمة , فلا تجد شبهاتهم إلا فى صحف صفراء منعدمة الوجود فى الوسط الصحفي أو فى كتب مجهولة
فإذا ما تابعهم العلماء على ذلك وأرغوا وأزبدوا ردا عليهم ساهموا ـ دون وعى ـ فى تحقيق أهداف هؤلاء القوم وساهموا أكثر فى إعطاء شبهاتهم صفة الانتشار التى ما كانت تتحقق لو لم يتصدى لهم العلماء
فإذا لم تكن الشبهة منتشرة ومتكررة فى عدة من وسائل الإعلام كانت إثارتها إحياء للفتنة لا إخمادا لها
والأمثلة على ذلك أكبر من أن تؤذن بحصر , لأن هذا الداء مع الأسف الشديد أكبر ما تعانيه الأمة اليوم , وللإعلام المغرض الذى لا يهدف إلا للإثارة دور كبير فى ذلك , ولكن دوره يظل قاصرا دون دور الذين أعطوا قيمة لمن لا يستحق فقبلوا أن يحاوروهم أو يردوا عليهم وخصومهم من مثيري الفتن لا يمثلون مقدار ذرة من القيمة
مثال ذلك ما يفعله البعض من الباحثين من تحرى الشبهات فى كل موطن معروف أو غير معروف والإتيان بها للصحف والبرامج والفضائيات ونشرها بين الناس تحت زعم الرد عليها
وكل هذا بهدف الظهور وتزكية النفس أو تحت تأثير الحماقة وعدم الإدراك
الشرط الثانى
: أن يكون صاحب الشبهة ممن له اعتبار بين الناس سواء كان هذا الإعتبار فى مكانه أو لا , بمعنى أن يكون المتكلم بالشبهة له نصيب من الانتشار أيضا ,
وذلك أن فاقد الأهلية الجماهيرية لا يعتد بقوله بطبيعة الحال , فإذا ما جاء مجهول وقال ما قال ما الذى يمكن أن يمثله من قيمة تستحق إعطاءه ذرة من الاهتمام ,
مثال ذلك صبيان العلمانية المنتشرين فى وزارة الثقافة بمصر وآخرين من ذوى العربدة فى بعض الدول العربية والإسلامية
وأكبر دليل على قولى هذا , ما فعله أحد هؤلاء الصبيان فى إحدى الصحف حيث كان يتعمد أن تتصدر صحيفته عناوين هى قمة فى الإستفزاز طمعا فى أن يلتفت إليه أحد ويشتمه أو يسبه أو يرد عليه فيقتات على الردود , وظل هذا الصبي لأعوام يحاول حتى إذا نشر ذات مرة أن الحائض يجوز لها الصلاة , قامت إحدى أساتذة الفقه بالرد عليه فإذا به أخذ ردها عليه ونشره فى صدر صحيفته داعيا بفرح شديد إلى أنه يتمنى أن تتكرر الردود بدلا من أن يظل هكذا يؤذن فى مالطة !!!
وطبعا لا يخفي عليكم مدى حماقة هذا العلمانى الذى يعلن هدفه للناس فى وضوح وفى غباء منقطع النظير ويوضح لهم أنه لا يكتب عن قضية إذ أنه لم يدافع ولم يعقب أصلا وإنما ترك القضية برمتها واكتفي بالرد الذى جاء إليه وهلل به
الشرط الثالث
: أن تكون القضية أو الشبهة المثارة ذات موضوع ,
وتلك أخطر النقاط على الإطلاق , فقد رأينا فى المثال الذى سقناه للخطيب الذى تحدث عن الحوار كيف أن الرجل الذى جاء يجادله طرح على مائدة البحث قضية هى من قبيل السفسطة وحسب ,
فيجب أن تكون الشبهة متوافرة بمفهومها وأركانها من حيث أن أنها قول مسبوك وطرح محبوك يندر أن يعرف حقيقته إلا المتخصصين ويجهله العامة ويتسبب فى إثارتهم
وهذا أمر طبيعى لأن الشبهة لو لم تكن شبهة وكانت مجرد قول كفري فاسد ما كان لها أن تمثل أدنى خطورة على الناس ,
ومثال ذلك عشرات الأقوال التى تخرج من بعض المخرفين وهواة الشهرة وتضرب فيما هو معلوم من الدين بالضرورة ضرب ناطح الصخرة ليوهنها , فتلك إنما هى أقوال تستحق الثورة والإنكار فحسب أما طرحها والاهتمام بالرد عليها فهو تصرف أكثر حماقة من تصرف قائل الشبهة المدعاة
مثلا
,
ما الذى يمكن أن يمثله مراهق فكرى مثل
جمال البنا
عندما يخرج على الناس بقوله أن الإسلام يبيح تعدد الأديان أو أن السجائر يجوز للمسلم تدخينها فى رمضان فهل هذه الأقوال تستحق من عالم واحد أن يكلف نفسه للرد عليه حتى لو كان لجمال البنا قنوات وصحف تهتم بتخاريفه , ؟!
كلا بالطبع لأن أقواله إنما هى أقوال مرسلة منعدمة الحجية والدليل ولا علاقة لها بالعقل ولا النقل ,
وصاحبها ـ كما سبق القول ـ لا يكون الرد عليه بالمناظرة والمحاججة , بل يكون الرد هو الغضب والثورة لإبطال إفكه بشتى وسائل الاعتراض من عامة الجماهير
لأن هؤلاء لا يكون الرد عليهم من العلماء بل هو من العامة أما العلماء فوقتهم يجب أن يكون محفوظا للشبهات الحقيقية
الشرط الرابع
: عندما يبادر العالم لمناظرة خصمه , سواء كان فى مناظرة كتابية كأن يرد العالم على مقال بمقال أو كتاب بكتاب أو مناظرة مباشرة كالتى تحدث فى المنتديات والفضائيات , فيجب أن ينتبه العالم إلى ما يلجأ إليه خصمه لا سيما إن كان الخصم من مبتدعة الرافضة أو ذيول العلمانية , وداعى الإنتباه أن هؤلاء ـ لانعدام أى حجة لديهم ـ لا يبادرون لمناظرة جادة أبدا ويعتمدون على المشاكسة وضياع الوقت
وكثيرا ما ينزلق العلماء لذلك فتجده العالم المدافع ينساق وراء صاحب الشبهة الذى يتجاهل ردود العالم على شبهته الأصلية ويهب ليأخذ من هنا وهناك ويثير العديد من الشبهات الأخرى التى يتعمد أن تكون شبهات تحتاج وقتا للرد عليها
,
وهذا الأسلوب يشغل العالم المدافع عن نقطة البحث الأصلية ويجعله دائما فى موقف الدفاع , لهذا فالواجب ألا يسمح لخصمه بالهروب من نقطة البحث الرئيسية وكلما حاول خصمه الهروب أجبره على الرد عليه أولا قبل أن ينتقل لأى نقطة أخرى
والأمثلة على ذلك كثيرة
فمثلا فى مناظرات قناة المستقلة حول سيرة الإمام
جعفر الصادق
رضي الله عنه , لجأ الفريق الشيعى لتمويع البحث بكل وسيلة طمعا فى أن ينصرف فريق السنة عن النقطة التى رفضوا الحياد عنها ألا وهى سيرة جعفر الصادق ومدى تفشي المكذوبات عليه من الرافضة الإثناعشرية
فتارة يثيرون شبهات حول البخارى وتارة يتحدثون عن بنى أمية وتارة يتحدثون عن أنظمة الحكم المعاصرة
إلا أن فريق السنة ممثلا بالشيخ
عثمان الخميس ومحمد سالم خضر وعائض الدوسري
كانوا أبطالا فى الانتباه لتلك المراوغات فتركوا ذلك كله وأصروا على تذكير المشاهدين يوميا بأنهم يتحدثون عن سيرة الصادق وخصومهم يتهربون
وأيضا العلمانية
,
فهؤلاء أساتذة فى فن المراوغة والهروب , وأقوالهم تبطل بقضية واحدة يجب على كل من يناظرهم أن يتمسك بها وهى أن يصر المناظر على أن يجيبوه ,
هل يؤمنون بالله خالقا ورازقا ومشرعا لعباده أم يؤمنون به خالقا فقط
؟!
فلو أجابوا بأنهم يؤمنون فقد انتهت أقوالهم إلى الأبد , فطالما أنه المشرع فلا قول بعد قوله ولا حكم بعد حكمه
ولو أجابوا بالثانية , فقد خرجوا حكما من الإسلام مما يتسبب فى سقوط حشمتهم أمام عامة المتابعين الذين لن يقبلوا منهم صرفا ولا عدلا , مهما أثاروا من شبهات ومهما قالوا من ترهات
الشرط الخامس
: وهو شرط العزة والكبرياء الواجب توافره فيمن يتصدى لمناظرة أهل البدع أو الإلحاد ومروجى الانحراف ,
فمما نلاحظه كثيرا أن بعض علمائنا ودعاتنا تجدهم يعطون الدنية فى ديننا ويظهرون بمظهر الضعيف الذى يحاول بكل وسيلة أن يبرر أمرا يخجل منه !
وتلك قمة فقدان الثقة والإيمان
فلست أدرى كيف يمكن لصاحب الحق أن يخجل من ندائه أمام صاحب باطل ينادى بباطله دون حياء ؟
وكيف يستحى عالم من الحديث عن وجوب لزوم النساء الحشمة أمام راقصة تقول أن إخلاصها بمنتها يجعلها قمة العبادة !
وليس فى ديننا شيئا نخجل منه بل الذى يجب عليه الخجل هو من ينادى بحرية المرأة كستار لتحويل المجتمع إلى حانة دعارة منفتحة , أو من ينادى مستهزئا بالله ورسوله عليه الصلاة والسلام ,
لهذا لابد للعالم الدافع من العزة والكبرياء فى تلك المواجهات بل ويجب عليه الفخر والكبر على أصحاب الباطل إذا كانوا من أصحاب الإصرار على الفواحش , فالكبر على أهل الكبر صدقة
يقول الله عز وجل واصفا المؤمنين "
أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين
"
ورغم أن الكبر محرم قطعيا فى الشريعة إلا أنه مباح فقط فى مثل هذه المواضع
فمما يؤثر من سيرة النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال يوم بدر "
من يأخذ هذا السيف بحقه
"
فسألوه وما حقه يا رسول الله , فأجاب عليه الصلاة والسلام "
أن تضرب به المشركين حتى ينحنى
"
فأخذه يومئذ
أبو دجانة الأنصاري
وقام من فوره فأخذ عصابة حمراء وعقدها على جبينه وكان مشتهرا بها بين الأنصار الذين هتفوا قائلين "
أخرج أبو دجانة عصابة الموت
"
وكان أبو دجانة رضي الله عنه لا يخرجها فى معركة إلا ويصر على النصر أو يهلك دونه
وفى وقفته , مد أبو دجانة سيفه ومشي به رويدا فى اختيال فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام
"
إنها مشية يكرهها الله ورسوله إلا فى هذا الموضع "
رد مع الإقتباس