الموضوع
:
فسحة قصيرة جدا ..
عرض مشاركة واحدة
احصائيات
الردود
2
المشاهدات
3476
ندى يزوغ
من آل منابر ثقافية
المشاركات
15
+
التقييم
0.00
تاريخ التسجيل
Jul 2008
الاقامة
رقم العضوية
5240
12-06-2010, 10:52 PM
المشاركة
1
12-06-2010, 10:52 PM
المشاركة
1
Tweet
فسحة قصيرة جدا ..
كانت رهبة الصمت تغري على الإنصات لدبيب النملة، وبوح الأشجار يغري على النظر إلى الأفق، وأنا غارقة في أعماقي، أفك لغز
علاقتنا الغريبة
..
سألني هل تتمنين مرافقتي لفسحة
؟.
ساد الصمت لبرهة، وأنا أتصور برنامج الفسحة و مراحلها، ولماذا يود مرافقتي أنا بالضبط ؟
..
ما وجدت نفسي إلا و بين أحضان الطبيعة، واللون الأخضر يحيطنا من كل جانب، والفضاء واسع، يلهب فينا روح العدو، و استنشاق كل هواء الأرض، أما الزهرات فقد كانت تتربع عرشا، ما خلق إلا لنا و من أجلنا.
.
كانت رائحة الورود تولد فينا إحساسا، بأن الرائحة تنبعث منا ومن مشاعرنا... اختصرنا مسافات طوال بعزفنا نفس اللحن، وبمد يدينا لبعضنا البعض...
عندما كان يحدثني عنه و عن تفاصيل حياته، أو عن حبه لأصوات بعينها، لأنه يعتقد طهرها، كنت أراني أقطع تأشيرة لأعماقه، أحاول قدر المستطاع أن أقاوم جبروت عقلانيتي، أحاول أن أنجذب نحو الحلم والضياع فيه، لعلني أجد لحظة فرح..
هل ألتقطها؟ أم أنتظر ميثاقا و بندا، ما طرحه و لا كتبه أحد بصكوك العدم، أو بيد القدر؟، أكيد أنا جاهلة لأصغر حيثياته.
.
و مع ذلك كنت أردد، ما الذي يجبرني أن أعيش الانتظار القاسي ؟، لشيء قد لا يحصل، و ما جدوى انتظاره..؟ ما الذي سأجنيه إن ظللت تحت رحمة ما ينبغي أن يكون..؟
لست راضية عن أحلامي، لكني راضية عن لحظات أحسها هي العمر، أحس فيها الماء العذب للحياة، عندما كانت تعبر هاته التساؤلات مخيلتي، كان يقاطعني، متحدثا عن صديقة طفولته و عن أحلامهما الكبيرة...
نزهتنا كانت فرصة كبرى للانعتاق منا، كنت أسحب قطع الشكولاتة قطعة، قطعة، من جيبي، أضع الأولى بفمه و الثانية بفمي.
.
كان يتحدث عنها بلهفة، تصورتها طفلة شقراء، جميلة حركية، تبكي لأنه لم ينتبه لوجودها، أو لتثير غيرته، عندما كانت تكذب عليه، حين إخباره أن أحد جيرانهم، يحاول تقبيلها، أو يحاول أن يسخر من دميتها
.
ما إن أضع الشكولاتة الثانية بفمه، حتى أجده و قد أحاطني بذراعه، ومد يده نحو ذقني، لكي يجعلني أحدق بعينيه، هكذا كان يضطرني لأن أضع شكولاتة أخرى بفمي، حتى أطرد ارتباكي، و رعشات البرد التي كانت تعتريني
..
كلما حاولت الانفلات من نظراته، كان يسترسل هامسا، زرت المدائن و القارات، طالعت النساء و الشيوخ و العساكر و كل أنواع البشر، الجميلات و الراهبات و المتحذلقات، لكني احترت فيك، وفي نبلك وفي الإستراتجية التي تنتهجينها معي..
أشد على يدك، فهي تجعل الكثيرين يتشبثون بك، وأنا أولهم..ها قد استعجلت اعترافي، لماذا تعذبينني إذن ؟ قوليها، انطقيها، انطقي.
.
و قبل أن يكمل كلامه، كنت أضع قطعتين من الشكولاتة بفمه، حتى لا أجعله يندم على المزيد من بوحه، أو أجعله يتبنى بوحا ليس ملكا له..أنا التي تهب الكثير في الحياة بسخاء، إلا مشاعرها أو النطق بها
لأنها غالية و مقدسة عندي..
كنت أود أن أجيبه كذلك، أو بطريقتي التي حلمت بها، لكنني ابتلعت ريقي و قلت لذيذة، أليس كذلك؟
.
هي من صنع فرنسي، غالبا ما يقال الشكولاتة سويسرية، لكنني تعلمت حب الشكولاتة الفرنسية من أيام رأس السنة، التي قضيتها بفرنسا، وفي مدة بسيطة تناولت كمية تعادل ما تناولته بالمغرب، ربما لأنها كانت ذات جودة عالية..
رد علي تحسنين الهروب، أنت كمن يختار المرحلة الأخيرة بالحرب، فهي أربع مراحل، التقدم، الهجوم، الدفاع و الانسحاب..
أجبت أنت لم تفهم قصدي، أنا أعشق المغرب، إنما الشكولاتة ذات الجودة العالية، فهي باهظة الثمن عندنا..
شد يدي بعصبية كبيرة لم أعهدها، إنما كان رائعا أمام انفعالاته، مع ذلك ظل مصرا على مراوغتي و هزمي، وظللت مصرة مثله على صمتي
.
أعرف أنه كان يغلبني... أو هكذا كنت أحس آنذاك، ربما كان يحكي بفطرة وطبيعة، ولم يكن هدفه إثارة غيرتي..أو ربما لم أكن أسمح لنفسي، أن تعترف بملامح الغيرة البادية على نبرات صوتي، أو وجهي، لأني كنت أقاوم جنونه بكل ما أتيت من قوة، فقط من أجل عدم خسرانه.
و في غمرة التحديق بداخلي، التفتت لأجده قد صافح رجلا، اعتقده صديقا قديما، قلت من يكون ؟
أجابني.. بلحظة جنونية اعتقدته صديقي الذي حدثتك عنه و الذي لم أعد أسمع أخباره لمدة طويلة، أتتذكرين ؟
أجبته نعم أتذكر ذاك الذي تمنيت حضوره حتى يدعمك و يكون لك السند أعرفك فأنت دوما ترجع بذاكرتك التي تختزن معينا لا ينضب....
و كأنه لم ينتبه إلى ما ذكرته.. قال لي التفتي إلى هذا العناق، ألم أعدك من قبل أننا سنحضره سويا يوما ما..
نظرت إلى عناق البحر و المحيط، عناق حضرت طقوسه و احتفالياته المسائية مرات عديدة، لكنه اليوم بنكهة العسل الموجودة بتلك الشكولاتة التي كانت بفمي..
لحظة وسمعته يقول سوف يزيد وزنك كيلوغرامات، لم أكن أعرف ولعك بالشكولاتة..
ما كان يدري بمرارة فمي و التي كانت الشكولاتة تلغيها في تلك اللحظات الجميلة، خصوصا و أني أرتعب لمجرد التفكير أنه قد يصير طيفا عابرا بحياتي..
إنما هل الشكولاتة هي التي كانت ستنجدني من رعبي ؟ أو ربما لأني بدأت أفكر في اقتراب انتهاء الفسحة، وأنه سيرجع لعالمه، وأننا لسنا معا سوى للحظة خارج مفهوم الزمن..وأننا معاً سنرجع لعالمنا البارد..قال كفى كفى، أجبت كفى من ماذا ؟ من الشكولاتة؟ أجاب لا، إنما طواحين هوائك، حرائقها تصلني، لماذا تفترضين الأسوأ.. ؟
كيف عرف بدواخلي ؟ أكان قادرا على قراءتي لهذا الحد ؟ هكذا و في غمار ما انتابني، سافر بي بعيدا و استرسل يقول، رغم أنني عندما كنت ببوخارست، وكنت أيامها أحب خمرية، كانت فتاة جميلة، عرفت معها أحلى لحظات شبابي، لقد ودعتني بأغرب طريقة في الوجود، لهذا لا أحب النهايات..
كنت أعرف أني لن أفلت من ذاكرته، أضحيت أحسها ضرة تشاركني فيه، وعرفت آنذاك أني لن أفلت من شرك فراقه، إنما من أجله كنت أتمنى أن يحكي لي المزيد، كنت أريده أن يفرغ ما بداخله، لكنني اكتشفت أنه كلما حكى و فضفض، كلما تضاعفت تعبئة ذاكرته.
.
قلت له ما الطريقة التي ودعتك بها حبيبتك ؟
أجاب: ودعتني بالمطار بقبلة شبقية.
قلت : ممتاز..رد علي: إنما لم تكن لي القبلة إنما لآخر...
أجبته على الفور، طبعا كان منطقها سليم بالرد على تصرفك اتجاهها، أنت تغادر المطار و البلد و حياتها، هكذا دون إحساس بما تحسه أو بما ستعانيه بعدك، ماذا كنت تنتظر، تهليلا، تمرا و حليبا لتوديعك
.
وبهاته العبارة أحسستني مغربية الأصول في انفعالاتي، واسترسلت قائلة: لا تنس أن المرأة كيفما كانت تنتقم لمشاعرها إن أحست الاهانة، أما بالك لو كانت إهانة مع وقف تنفيذ رد الاهانة، و أظنك أهنتها كثيرا، ورغم أني أحسست نشوة كبيرة، إلا أنه غير الموضوع كعادته، فهو يحسن فن الانتقال إلى أي موضوع يحبه، وتميل إليه أهواؤه أو ذاكرته، لأنه يمل بسرعة..لا يستطيع أن يضع علامة النهاية، ربما لأنه عانق النهايات كثيرا...
ظللت بأعماقي أتأمل ذاكرتي، لعلها تهبني استرجاع ما حصل بيننا، وكيف افترقنا ذاك اليوم، ولم نلتق بعدها أبدا، لكنني لم أفلح، ألأنني أكره النهايات مثله؟، أم أن ذاكرتي تجاهلتها عمدا، وألغتها من قاموسها قصدا، احتراما لرغباتي..؟
رد مع الإقتباس