الموضوع: قصة النكسة
عرض مشاركة واحدة
قديم 11-29-2010, 11:24 AM
المشاركة 20
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي قصة النكسة ( لماذا كانت هزيمة يونيو .. لازمة )
صناعة الفرعون

فى ظنى أن الفراعنة القدماء تعرضوا لظلم وتشويه كبير , عندما استخدمهم المصريون المعاصرون للتدليل على أن الشعب المصري ينزع إلى تشجيع قادته على التسلط وإصابتهم بما يُطلق عليه داء الفرعون !
فالشاهد الواضح يوحى لنا أن ممارسات قدماء المصريين فى إعلاء ( الأنا ) لدى الحكام وتأليههم , هى مجرد ممارسات ـ رغم فداحتها ـ قاصرة عن إدراك منهج صناعة الفرعون الذى تم استخدامه فى العصر القومى !
فما قام به الجهاز الإعلامى لعصر عبد الناصر تتقاصر أمامه أفاعيل الكهنة , بل وأفاعيل هامان نفسه مع فرعون موسي !
فكان من اللازم رد الإعتبار إلى عصر الفراعنة واعتبارهم تلاميذ لمدرسة العهد الناصري التى علّمت الشعوب بحق , كيف يكون تأليه الحكام !

وربما اعتبر البعض هذا الكلام من قبيل المبالغة لكن الشعور بالمبالغة سينتفي إذا تأملنا النقاط الفارقة بين الأسلوب الإعلامى فى كلا العصرين ,
فإعلام المرحلة الفرعونية لم يكن ليقنع الشعب بألوهية الحاكم الفعلية , فكان الشعب ينطق بها أمام الفرعون دون تصديق أو إقرار بل ويكتم فى نفسه الإحتقار الشديد للفرعون ويحتفظ بالإيمان الخالص لله عز وجل ,
ولهذا ألقي السحرة ساجدين عندما ظهرت لهم نبوة موسي ورفعوا صوت المعارضة ونبذوا الفرعون فى وجهه ,
بينما شياطين الإعلام فى العصر الناصري عن طريق الخطب الحماسية والتركيز الإعلامى المتكرر , والأغانى الحماسية التى قام بها نخبة النخبة من أهل الفن والموسيقا , تمكنوا من غرس داء العبودية للفرعون فى قلب الشعب المصري بل والعربي بشكل كامل !!
ويدل على هذا مدى صدق العاطفة فى أغنيات أم كلثوم وعبد الحليم حافظ وشادية وصباح وفريد الأطرش وعبد الوهاب وغيرهم من هؤلاء الأساطير الذين ألهبوا حماس الجماهير لتلتف حول التجربة الناصرية !
وبهذا نجح هؤلاء فيما فشل فيه هامان ورفاقه !!
وإلا فليبحثوا لنا عن تبرير منطقي واحد لهذه الجماهير والجحافل التى كانت تلتف حول عبد الناصر لمجرد الخطابة ! بينما فى مقياس الأفعال لم يترك للجماهير شيئا إيجابيا واحدا وعد بتحقيقه ونفذه ؟!
وتكفي كارثة خروج الجماهير باكية لتنحى عبد الناصر وهى التي ما دمعت للنكسة بعد !

كذلك فإن الشعب المصري أيام الفراعنة ما كان مقتنعا بأن حاكمه إله مقدس أو يملك من أمر نفسه شيئا أو يستطيع عمل المعجزات , ويدل على ذلك قول كبير سحرة فرعون لأحد رفاقه ( لا يغير طبائع الأشياء إلا صانع الأشياء ) وذلك فى معرض الدلالة عن ظنهم بأن موسي مجرد ساحر ولو كان يغير الحبل إلى ثعبان فعليا لكان رسولا ونبيا حتما ,
وماشطة بنت فرعون عندما سقط منها المشط , قالت فى تعبير تلقائي ( بسم الله )
فعقبت ابنة فرعون قائلة ( تقصدين أبي ؟! )
فقالت الماشطة ( بل أعنى الله خالقى وخالق أبيك )
فى نفس الوقت الذى نجد فيه سدنة مفكرى الناصرية يستخدمون ألفاظا موحية عند الحديث عن عبد الناصر وتجربته ويكثرون من هذه الألفاظ حتى انتشرت بين الجماهير , ومن تلك الألفاظ تعبيرات مثل ( الإيمان بعبد الناصر ) و ( الإيمان بالتجربة الناصرية ) و ( العقيدة الإجتماعية والإشتراكية ) ثم ختمها نزار قبانى عندما قال فى رثائه :
( قتلوك يا آخر الأنبياء ! )
ونسأل الله ألا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا !

وهو الأمر الذى بثه الإعلام الناصري ونجح فى غرسه بين الجماهير فعليا , ولهذا التفت الجماهير حول شخص عبد الناصر راضية به وموقنة بأنها فى أمان بجواره فى نفس الوقت الذى ضاعت فيه الأرض ومعها الكرامة بسبب السياسة الناصرية ,
لكن الجماهير الملقنة لا تلتفت ولا تهتم ,
فالمهم هو بقاء عبد الناصر بغض النظر عن أى إنجازات أو كوارث , فكأنى بهم جعلوا من بقاء عبد الناصر صمام أمان لهذه الأمة , وهو ما عبر عنه سامى شرف وغيره عندما قالوا أن عبد الناصر لم يمت وكلنا جمال عبد الناصر !
وعلى حد علمى أن حديث النبي عليه الصلاة والسلام عن صمامات أمان الأمة لم يشمل جمال عبد الناصر !!
فالحديث يقول :
( النجوم أمنة السماء .. فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما تُوعد .. وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون .. وأصحابي أمنة لأمتى فإذا ذهب أصحابي أتى أمتى ما يوعدون )
وإذا كانت الأمة لم تلتف بكاملها حول الصحابة وشذ عن الأمة فرق الشيعة والمعتزلة والعصرانيين ممن يسفهون الصحابة ولا يوقرون لهم مكانا , رغم وضوح الأحاديث والآيات فى فضائلهم وفى اعتبارهم صمام أمان الأمة ,
فكيف نجح الإعلام الناصري فى إقناع هذه الآلاف بأن جمال عبد الناصر هو أمنة العرب فإذا ذهب عبد الناصر أتى الأمة العربية ما توعد .. لست أدرى ,
وكيف اقتنعت الجماهير بهذا فى ظل ما فعلته السياسة الناصرية من تحقيق لأعلى مكاسب اليهود والغرب , لست أدرى ؟!

وربما نعثر على المبرر المنطقي عندما نتناول بعض الأغنيات التى روجت للتجربة الناصرية ,
وقد فاق عدد هذه الأغانى كل ما غنته أمم الأرض لأوطانها , على نحو يرشح اسم ( شعب المليون أغنية ) ليكون لقبا رسميا للشعب المصري في تلك الفترة !
ولهذا فسنلقي الضوء على مجرد أمثلة لا تعدو كونها واحد فى الألف من طبيعة تأثير ورسائل هذه الأغنيات التى كانت تغزو عقول العامة والدهماء ليلا ونهارا ,
ولا توجد أمة لها موطئ قدم فى رقعة الحضارة فعلت بنفسها ما فعلته السياسة الإعلامية بجماهيرها فى العصر الناصري , على نحو يجعل أى غريب يسمع بهذه الأغانى يظن أن عبد الناصر حتما حقق لهذه الأمة ما لم يتحقق لها على الأرض منذ فجر التاريخ وإلا كيف يمكن أن يرفعوه إلى مثل هذه الدرجة !
والأغانى الوطنية فى العصر الناصري لم تكن ـ كما فى أى أمة تحترم نفسها ـ متناسبة مع حجم العمل أو حتى قاصرة عنه بعض الشيئ بل أصبحت هذه الأغانى هى ما تبقي من منجزات هذا العصر ,
وسيذكر التاريخ لعبد الناصر هذه النهضة الغنائية في الزمن الجميل , لا سيما أن عبد الناصر أيضا كان هو الذى بين القطبين اللدودين أم كلثوم وعبد الوهاب بعد أن ظلا يرفضان التعاون معا طيلة عشرين عاما , إلى أن طلب عبد الناصر وأصر فتم تنفيذ رغبة الزعيم وقامت أم كلثوم بغناء ( إنت عمرى ) من ألحان عبد الوهاب فيما عُرف باسم لقاء السحاب !!
أما من ناحية كمية الأغنيات .. فحدث ولا حرج , بعد أن أصبحت تلك الأغانى حرفة ينال بها المطرب والملحن والمؤلف صك الوطنية!

ولا يمكن بأى حال من الأحوال قبول هذه الأغنيات على أنها مبالغات الشعراء أو المطربين , لأنها لم تكن وسيلة بل كانت هذه الأغنيات غاية فى حد ذاتها , تتم برعاية على أعلى مستويات الدولة
ولنا أن نضع بذهننا ـ ونحن نطالع أغانى الناصرية ـ ما حض عليه الإسلام من التحذير والوعيد الشديد من النفاق والمنافقين حتى أن الله عز وجل جعلهم فى الدرك الأسفل من النار ,
كذلك نستدعى للذاكرة الوعيد والنهى المتمثل فى الإسلام عن المدح فى المطلق وعن أى نوع من الإطراء , فقد جاء الإسلام محرما لكل المبالغات فى هذا الشأن ولو كانت بحق النبي عليه الصلاة والسلام نفسه , فقال عليه الصلاة والسلام
( لا تطرونى كما أطرت النصاري عيسي بن مريم ولكن قولوا عبد الله ورسوله )
كما نهى عن المدح والتفخيم كأصل من الأصول له استثناء وذلك فى قوله عليه الصلاة والسلام لرجل بالغ فى مدح صاحبه :
( قطعت عنق صاحبك مرارا ـ أى أهلكته بهذا المدح ـ فمن كان منكم مادحا لأخيه لا محالة ـ أى للاضطرار ـ فليقل أحسب فلانا كذا والله حسيبه ولا أزكى على الله أحدا )
وهذا الفكر الإسلامى الرشيد هو الذى بلغ بالأمة مبلغ العظمة , فحكم الإسلام العالم , ودانت له أقطار الأرض , ذلك أن المدح والرياء هى قاصمة الظهر لأى إنجاز
فما بالنا إن كانت هذه الأغانى ـ بكثافتها الهائلة هذى ـ تمت بلا إنجازات !
كيف يكون الحكم يا ترى ..