الموضوع: قصة النكسة
عرض مشاركة واحدة
قديم 11-29-2010, 11:20 AM
المشاركة 17
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي قصة النكسة ( لماذا كانت هزيمة يونيو .. لازمة )
علامات القيامة ..

إذا دهمت الساعة جماهير الخلق في آخر الزمان بغتة , فليس لهم إلا أن يلوموا أنفسهم إذ أن الله عز وجل أنزل مع الساعة أشراطها وعلاماتها الصغري والكبري وجاءت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية مبشرة بذلك بشكل قطعى محدود ,
فلم تترك عذرا لمعتذر ,
وإذا جاز لنا أن نتساءل في حيرة عن سبب حدوث المفاجأة لجماهير الناس عند قيامها رغم أن العلامات الكبري مذكورة بالتحديد وفى عشرات الأحاديث النبوية ,
إذا جاز لنا ذلك ,
جاز لنا أن نتساءل أيضا عن سبب الاندفاع الذى شهدته بدايات الثورة من بعض المفكرين نتيجة لقيامها , رغم أن الثورة ومنذ أيامها الأولى أظهرت معدنها بعدة تصرفات لا شك أنها لا تغيب عن اللبيب ,
ولكن أين هو اللبيب ؟!
وإن وُجد .. فمن سيسمعه .. ومن سيعطيه الفرصة ليتكلم ؟!

إن جماهير آخر الزمان التي ستفاجئ بقيام يوم القيامة رغم وجود علاماتها في عشرات الآلاف من الكتب إنما هم فى الواقع آخر أحفاد القوميين ومن شاكلهم , من هؤلاء الذين اعتبروا القرآن والسنة من قبيل الموروثات التي ينبغي الثورة عليها بالتجديد كما تنبغي الثورة على الإستعمار والملكية !
فكيف يمكن الثقة بالخير في زمرة تعتمد هذه المبادئ كنظام حياة لشعب عاش متدينا بالفطرة ؟!
وكيف تمكن القمع والإعلام الموجه من قتل أصول الإرث العظيم من الإسلام فكرا وعقيدة والذي ترسخ منذ عشرات القرون في قلوب الشعب المصري والعربي ؟!

كان الأمر على ما يبدو غيبة جماعية للوعى ..
ساعد عليها ومهد لها تربص النظام العسكري الجديد بأى صوت معارض واستمرار نظام غسيل المخ بسرعة وإتقان , ولأن العصر كان بطبيعته عصر الإعلام المنغلق , فقد تكرست غيبة الوعى على نحو ما عبر عنها توفيق الحكيم [1]
وقد تكرست غيبة الوعى من بدايات قام الثورة ومن أيامها الأولى ـ وهذا هو داعى الدهشة ـ إذ أن هناك عددا من الظواهر اللافتة التى كان ينبغي أن تضعها الزمرة المثقفة فى الحسبان لتتبصر بها أى مستقبل ينتظر الأمة بالضبط !

من هذه الظواهر :
أولا : خرج علينا نظام يوليو وهو يحمل فى واجهته ثلاثة عشر ضابطا فى ريعان الشباب , لم يتعد عمر أكبرهم خمسة وثلاثين عاما , وليس من بينهم من له خبرة أو دراية بالسياسة وأحوالها من أى نوع ,
بل كانوا جميعا من ضباط الجيش بعيدا عن السياسة وحياتهم لا تعرف إلا الأوامر العسكرية ومنتهى طموحهم الترقي فى حدود وظائفهم ,
ولثقتهم فى أنهم لا يمثلون أى قيمة أو ثقة سياسية تجمع الشعب حول حركتهم , قاموا باختيار اللواء محمد نجيب كواجهة يحركونها من خلف ستار حتى تثق الناس وتشجع الحركة , فى سبيل تنفيذ مطالب متواضعة جدا تتعلق بإصلاح الجيش لا أكثر ولا أقل
غير أن الصورة الحقيقية لم تستغرق طويلا للظهور , عندما اكتشف مجلس قيادة الثورة أنه فى إمكانه الإستيلاء بسهولة على السلطة وأن العرش يتهاوى بالفعل دون أن يمسه أحد
عند هذا الحد ..
بدأت الألاعيب الصبيانية التى تشي بمستوى تفكير مجلس الثورة عندما كانوا يأخذون القرار ونقيضه فى بحر ساعات , ولا شك أن هذه الظاهرة وحدها كانت دليلا كافيا على طبيعة الحركة وطبيعة القائمين بها
فكيف قامت الثورة لتغيير حكومات تتغير كل بضعة أشهر لتضع بدلا منها ملوكا يتغيرون كل ساعة !
ففي البداية كان مطلبهم إصلاح الجيش ثم تنحى الملك عن العرش , وتم هذا فعلا وتم اعتماد ابنه الطفل أحمد فؤاد ملكا بوصاية مجلس للعرش اختاره مجلس قيادة الثورة ,
وبعدها بأيام تم التخلص من رشاد مهنا أحد الضباط المشاركين فى الثورة وأعلاهم رتبة وأحد أوصياء العرش ثم اقتصرت الوصاية على شخص واحد ,
ثم انقلب القرار مرة أخرى إلى طرد الملك وإعلان قيام الجمهورية !
ثم أعلنوا فى البداية فترة انتقالية لمدة ثلاثة شهور تنتهى بإجراء انتخابات تشريعية ويعود الضباط إلى ثكناتهم , ثم تطورت الفترة من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات !
ثم فجأة صدر القرار بإلغاء الأحزاب أصلا وإلغاء الألقاب وتم تعيين محمد نجيب رئيسا للجمهورية ,
ولم يلبث الرجل فى مقعده شهورا ..
حتى دبروا عليه انقلابا ونحوه عن السلطة بل وتم اعتقاله بالمرج وإهانته بشتى أنواع الإهانات التى تطفح بها مذكراته , ثم تم تعيين مجلس الثورة بديلا لرئيس الجمهورية وأصبحت القيادة جماعية ,
وقد اختاروا نجيب من البداية لكونه قبل شروطهم فى أن يصبح قائدا فى الظاهر فقط , بينما رفض هذا الأمر اللواء محمد صادق الذى اشترط عليهم قيادتهم فعليا .. مما يشي بأنهم كانوا يصنعون مجدا شخصيا لا وطنيا
ثم بدأت التصفيات الداخلية وأكل الثوار بعضهم بعضا فمنهم من خرج إلى المعتقل ومنهم من اعتزل أو حوكم على جرائم وهمية ,
ثم انتهى مجلس الثورة أخيرا وتم تعيين عبد الناصر رئيسا للجمهورية ,
كل هذا التذبذب كان واضحا شديد الوضوح ومعبرا عن كنه هؤلاء الشبان المغامرين الذين يعبثون بمقدرات بلد فى حجم مصر , ورغم ذلك لم يتحرك أحد أو ينتبه !

ثانيا : كان من البداية واضحا أن هؤلاء الشباب لا يريدون وجه الله بفعلهم ولم تحركهم الوطنية أو الفساد بقدر ما حركتهم الأغراض , ولا شك أنه كان من بينهم من هو مخلص لقضية وطنه ومقتنع بها ,
لكن قائدها الفعلى ـ جمال عبد الناصر ـ لم يكن كذلك لأن نيته كانت من البداية هى البحث عن السلطة والزعامة والصدارة
وليس هذا كلامنا ـ بل هو اعتراف هيكل نفسه ـ فقد روى هذا الأخير فى إحدى حلقاته ببرنامجه ( مع هيكل ) وقد أوضح فيه مدى تشوّف عبد الناصر للزعامة الجماهيرية والتمس له العذر فيها باعتباره طموحا مشروعا وأن هذا الأمر من ضروريات الضعف الإنسانى , وأنه من المبالغة اعتقاد خلو شخص منه , رغم مبالغة عبد الناصر فى استجداء الجماهير كى تهتف له بقوله فى إحدى خطبه المبكرة جدا ..
( أنا لن أستجدى هتافا أو تصفيقا ) !!
ويعلق هيكل بأن الرجل كان حزينا لأن الجماهير لا تعرفه وليست له شعبية نجيب رغم أنه القائد الفعلى للثورة
وفات هيكل الكثير بهذا التعليق ..
فاته أن استجداء عبد الناصر للهتاف والتصفيق ومبالغته فى وصف دور البطولة , لدرجة أنه وقف يهتف ـ أثناء حادث المنشية ـ أن يثبت كل الرجال فى أماكنهم وأنه إن مات فهو يقبل الموت لأنه علمهم العزة وعلمهم الكرامة !!
هذه المبالغة الفاضحة فى استجداء دور البطولة لدرجة أن يقصر العزة والكرامة المصرية علي شخصه باعتباره المؤسس لهما , معناها أنه لم يخطط ولم يقم بإنشاء تنظيم الضباط الأحرار إلا فى سبيل مجده الشخصي
ويؤكد ذلك كثرة ترداده لاسمه فى خطبه وحديثه عن نفسه بضمير الغائب مثل قوله فى خطاب النكسة ـ والذى كان من المفروض أن يكون أبعد الناس فيه عن الزهو الظاهر أو المبطن ـ قال فيه مثلا
( إن قوى الإستعمار تظن أن جمال عبد الناصر هو عدوها !! )
فهل هذا هو وقت الزهو بترصد الإستعمار لك ؟!!



الهوامش :
[1]ـ عودة الوعى ـ توفيق الحكيم ـ دار الشروق