الموضوع: قصة النكسة
عرض مشاركة واحدة
قديم 11-29-2010, 11:19 AM
المشاركة 16
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي قصة النكسة ( لماذا كانت هزيمة يونيو .. لازمة )
خامسا : يتناسي هيكل أنه وبقية القوميين ـ بعد هذا الذى أورثوه للأمة ـ لا زالوا يخرجون من كهوفهم بنفس الأفكار العقيمة وبنفس الإصرار الغريب على تدمير العلاقة بين المسلمين والإسلام والوقوف بشكل عدائي في وجه أى محاولة يقظة تنبه الناس لجوهر دينهم الحقيقي بعيدا عمن يستغلون الدين للظهور .. وبعيدا عمن يريدون إبعاد الدين عن الصورة ,
فماذا يفعل مفكرو الإسلام إلا أن يُذكروا الأمة بمخازى عهد القومية وآثار تجربتها حتى ينتبه الناس في عالم لا يقرأ .. وحتى لا تتكرر المأساة فيجيئ الإصلاح على دبابة بانقلاب عسكري لتدخل مصر الدائرة الجهنمية مرة أخرى !
لا سبيل إلا تذاكر النكسة وأحداثها للرد على دعاوى القوميين التي أصبحت بحق تثير حيرة الحليم , وكأن بينهم وبين الإسلام ثأرا يفوق ثأر اليهود ,
ونحن نجدهم في كتاباتهم يعادون الإسلام الأصيل بالذات , فلا يقفون هذا الموقف من سائر الملل الزائغة مثلا , بل بالعكس يدافعون باستماتة عن الإتجاهات المنحرفة كالتشيع والصوفية الطرقية في نفس الوقت الذى يسنون الرماح على أى دعوة حقيقية للفكر الإسلامى الأصيل

سادسا : ومن الغريب والعجيب أن الأستاذ هيكل لم يطبق على نفسه هذا الأمر عندما أفرد كتابا من جزءين للحديث عن حرب 48 م ..
ولست أدرى ما الذى يميز حرب 67 لكى يحيطها بخصوصية التحذير من ذكرها ؟!
وربما كان حديث الأستاذ هيكل يبدو متدثرا بشيئ من المنطق لو كان عبد الناصر قد حارب بشرف وانهزم في معركته أمام تفوق العدو أو استعانته بالقوى العظمى ,
عندئذ ما كان لنا ولا لغيرنا أن يعيبه بهذه الهزيمة لأنه قاتل وبذل جهده ؟
فهل فعل عبد الناصر ذلك في عام النكسة ؟!
هل كان أمينا مع الشعب المصري والعربي وهو يطمئنهم إلى قوة جيشه بينما هو في الواقع جيش بلا عسكرية !
هل كان أمينا في سياسته وهو يضفي الحماية العنترية على أقطار الوطن العربي ثم يعجز عن حماية حدود بلاده ولو لساعات معدودة أو ينسحب بهزيمة مشرفة ؟!
هل كان أمينا مع أمته وهو يقامر بمستقبل أمة ويعلن الحرب ـ وهو يعلم يقينا أنه غير مستعد لها ـ في سبيل الحفاظ على صورته في الشارع العربي وحتى لا يتهمه الناس بالجبن ؟!
هل كان أمينا مع أمته وهو يتوغل بالجيش في الحرب تلو الحرب خارج الحدود وأمامه العدو الرئيسي بلا أى دفاع في مواجهته وبلا أى تخطيط لهذه المواجهة ؟!
هل كان أمينا مع أمته وهو يولى أهل الثقة مقاليد الأمور في الجيش والبلاد ويسكت عن كل ذلك فلا يتنحى عن سلطته ما دام غير قادر على الحكم ولا يقوم بتنحية العناصر الفاسدة لو كان قادرا عليها ؟!
ومن يتحمل مسئولية عشرين ألف شهيد لم يفتك بهم طيران العدو بل فتك بهم الانسحاب المزرى الذى صدرت به الأوامر تحت رحمة طيران العدو بلا أى دفاع جوى !
وكيف غامر عبد الناصر أصلا بالدخول في مواجهة مع عدو يعتمد على تفوقه الجوى بصفة أساسية بدون أن يمتلك حائطا للصواريخ ؟!!
وهل كان لزاما للنكسة أن تحدث حتى يفيق عبد الناصر فيبدأ ببناء حائط الصواريخ الذى دمرت إسرائيل مراحله الأولى عند الشروع في بنائه وتجاوزت الخسائر 1500 فرد من عمال البناء والعسكريين , وهم يعملون دون غطاء جوى تحت رحمة طيران العدو حتى تم البناء بتضحيات رهيبة
وأخيرا ..
كيف نحكم نحن بحكم التاريخ على قائدٍ .. هذا تاريخه .. وهذا فعله ؟!
وهل يمكن أن يقبل عاقل مبرر حسن النية أو الترصد الخارجى كصك براءة لعبد الناصر كما يفعل القوميون ؟!
وكم تبلغ نسبة الدور الخارجى في خروج سيناريو النكسة على النحو الذى خرجت به ؟!
وبالمقابل كم تبلغ نسبة سياسة عبد الناصر في هذا السيناريو ؟!
ويتباكى القوميون اليوم على القدس .. فمن أضاعها مع سيناء والجولان يا قوم ؟!
وكيف يعيبون على من فشل في استردادها ويغضون الطرف عمن فتح الطريق لاحتلالها من الأصل !
فعبد الناصر الذى تسبب في ضياع سيناء والقدس والجولان والضفة .. نبي من أنبياء القومية ,
بينما السادات الذى قاد على الأقل إحدى معارك النصر .. خائن لأنه اكتفي بإعادة سيناء وحدها ؟!
فالقوميون يشبهون مدمنى المخدرات في هذه الناحية , حيث أنهم يعشقون من يخدرهم ويغيبهم عن الوعى في نفس الوقت الذى يكرهون فيه من يجاهد لعلاجهم ويمنع عنهم المخدر !
ورحم الله الإمام علىّ زين العابدين بن الحسين الذى نجا من وقعة كربلاء بعد أن فتك الشيعة العراقيون بالبيت النبوى ثم جاءوا يتباكون على الحسين , فقال للناس ..
( إن هؤلاء يبكون علينا .. فمن قتلنا غيرهم؟! )[1]

فالخلاصة ..
أن الحكم على نظام يوليو إنما ينبع من خلال تتبع تحقيقها لأهدافها المعلنة التى التزمت بها , وتتبع النهايات والإلتزامات ومن خلال استقراء الإنجازات والأفعال نستطيع الحكم بجلاء ووضوح بعيدا عن الطبول الزاعقة ..
فقد أعلنت الثورة لنفسها أهدافا ستة تتمثل فى القضاء على الإستعمار والإقطاع وسيطرة رأس المال على الحكم , وإقامة جيش وطنى قوى وإقامة حياة ديمقراطية سليمة وإقامة عدالة إجتماعية ,

وبالنظر إلى النتائج نجد ما يلي ,
أولا : تم إخراج الإنجليز ولكن فى مقابل صفقة خسرت مصر بسببها السودان لأول مرة فى تاريخها الحديث منذ عهد محمد على , ومصر وهى تحت الإحتلال الإنجليزى لم يتمكن الإنجليز من انتزاع السودان كدولة مستقلة وظل العرش يضم مصر والسودان فى مملكة واحدة ,
ليس هذا فقط , بل انتهت التجربة وثلث مساحة مصر تحت الإحتلال الإسرائيلي .. والطريق مفتوح أمام العدو إلى القاهرة مباشرة لا يمنعه شيئ إلا اكتفاؤه بما حقق !
ثانيا : تم القضاء على الإقطاع الظاهر وظهر الإقطاع الباطن حيث تم فرض المصادرة العشوائية وتجريف ثروات العائلات شريفها ووضيعها وتركيز هذا كله فى يد زمرة ضيقة من أهل الحكم ,
ثالثا : تم القضاء على السوق الحر وإنشاء المذهب الإشتراكى الذى أوصل مصر إلى مهاوى سحيقة من الفقر لكون الإشتراكية تقتل رغبة الربح ورغبة العمل الحر فصار القطاع العام أشبه بالتكية المجانية ويحتوى على عشرات الآلاف من الموظفين لا هم إلا قبض مرتباتهم بغض النظر عن الإنتاج وهو الطبع الذى عبرت عنه الدراسات الإقتصادية باسم ( البطالة المقنعة ) فضلا على انتشار الروتين الإدارى بشكل ساحق تسبب في معاناة المواهب ونزوحها من بلادها في بلاد لا تعترف بالتفوق العلمى إلا إذا كان مقرونا بالأقدمية !
وأصبح المثل الشائع ( اربط الحمار في المكان الذى يريده صاحبه ) هو التعبير الشعبي عن حال الروتين الحكومى في طلباته غير المنطقية واهتمام الدوائر الإدارية بالإجراءات الشكلية على حساب الجوهر ,
وقد عبر الشعب المصري بالنكات عن هذه الظاهرة فروى أحد الظرفاء أن ثلاثة موظفين في هيئة المواسير كانت وظيفة أحدهم حفر مكان الماسورة في الأرض والثانى مهمته وضع الماسورة والثالث مهمته ردم التراب على الماسورة ,
وذات يوم غاب العامل الذى يضع الماسورة في الحفرة فلم يلتفت زميلاه واستمر أحدهما يحفر والثانى يردم !!
رابعا : تكلفت مصر المليارات من ميزانيتها لإنشاء جيش حديث وذهبت هذه الأسلحة هباء مرتين متتاليتين ,
أولهما عام 56 ـ التي يعتبرها هيكل أكبر وأكمل انتصار في التاريخ الحديث !! ـ حيث تم تدمير الطيران المصري وانسحب الجيش من سيناء تاركا أسلحته الثقيلة وبضع مئات من الشهداء , والمرة الثانية صورة طبق الأصل من عام 56 , تدمير الطيران المصري كله وفقد الأسلحة بنسبة ثمانين في المائة ومعها عشرون ألف قتيل فى سيناء بخلاف عدد مماثل فى حرب اليمن فضلا على خسارة اقتصادية ركّعت الإقتصاد المصري فى يونيو 67
خامسا : باعتراف رجال الثورة ومفكريها دمرت الثورة فرصة الديمقراطية ومشاركة الشعب فى قرارات حكومته تدميرا تاما , وحتى لو سلمنا بوجهة نظر هيكل أن الديمقراطية قبل الثورة كانت صورية ومضغوطة بالإحتلال والملك , فعلى الأقل كانت هذه الصورة شيئا ملموسا أفضل من العدم الذى أفضت إليه أوتوقراطية الثورة
سادسا : أما العدالة الإجتماعية فقد كان هناك شبه تكافل اجتماعى فى مصر قبل الثورة , وكانت هناك طبقة متوسطة عريضة جدا تحمل أصحاب التجارات الصغيرة والحرف وهى الطبقة التى تم محوها من الوجود المصري بعد الثورة بفضل قرارات التأميم العشوائية التى لم تدع ملكية فردية إلا نهبتها , وبفضل سياسة الإشتراكية التى أغلقت الأسواق أمام أصحاب الحرف والتجارات فاندحرت عشرات العائلات من جراء ذلك لم يكن لها مصدر رزق إلا التجارة البسيطة


بهذه النتائج المبنية على نهايات التجربة الناصرية .. كيف يمكننا تقييمها يا ترى ؟!



الهوامش :
[1] ـ البداية والنهاية ـ بن كثير ـ دار الفجر للتراث