الموضوع: قصة النكسة
عرض مشاركة واحدة
قديم 11-29-2010, 11:18 AM
المشاركة 15
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي قصة النكسة ( لماذا كانت هزيمة يونيو .. لازمة )
بل على العكس فعصر السادات ومبارك اتسمت فيه الأجواء بكثير من الهدوء وها هى صحف المعارضة تناولت نظام الحكم بالتشريد والتجريح ومع ذلك لم يُعتقل أصحابها أو يقتلوا أو يصلبوا إلى جذوع النخل باعتبارهم من المفسدين في الأرض !
بل أين هذه المظاهر من عهد الإحتلال الإنجليزى نفسه , وعهد الملكية الذى قامت عليه ثورة يوليو ونعتته بشتى أوصاف الإحتقار باعتباره العهد البائد !
فنظرة واحدة إلى تاريخ مصر الدستورى منذ نوبار باشا ومقارنته بعهد يوليو تكشف عن كثير !


فأين هى الثورة التي جاء هيكل بعد خمسين عاما ليتحدث عن مبرر لزومها وضرورة حدوثها !
إن الأحداث التي شرحها هيكل لا تنم إلا عن نظام سياسي فاسد استوجب التغيير ,
لكن الكارثة أن التغيير لم يأت بالشعب ولم يقتصر على النظام الفاسد بل امتد التغيير إلى انقلاب شامل إلى الأسوأ ,
فبدلا من أن تعانى مصر من نظام سياسي فاسد أصبحت تعانى من نظام فاسد .. ولكن بلا أى سياسة !!
لهذا نقول أن هزيمة يونيو ـ لهذه الأسباب ـ كانت هى اللازمة , وليست ثورة يوليو ,
لأن حدوث النكسة ليس هو المفاجأة ـ كما تُصوره بعض الكتابات ـ بل على العكس كان عدم حدوثها هو المفاجأة الحقيقية , لأن ظواهر توقعها كانت بادية للعيان لولا العمى السياسي الذى فرضته أجواء الحظر ! ولولا تجريف العقول عبر جرافات الإعلام في تلك الفترة
وألم النكسة مهما كان عميقا ..
إلا أنه كان لازما لضرورة اليقظة , فالألم الحاد رغم الأوجاع التى يتسبب فيها للجسم إلا أنه يقوم بالدور الجوهرى للحفاظ على الحياة لكونه يحمل الإنذار فى الوقت المناسب كى يتخذ المريض التدابير بمعالجة نفسه قبل فوات الأوان


وربما وصل للقارئ انطباع ـ بعد حديثنا عن نهايات يوليو ـ أن البدايات كانت مشرقة ,
لكن هذا ضد المنطق أيضا وضد وقائع الأحداث ,
فالبدايات بشرت بالكثير لكن الآذان كانت مغلقة , والعيون استبدلت الرمد بالرماد !
وهيكل يغضب كثيرا لذكر النكسة ومناقشتها ويحلل ما يراه من استعادة هذه الأحداث على أنه ـ عقدة هزيمة ـ وعقدة الهزيمة ـ كما تحدث عنها هيكل ـ مرض يسعى إليه أى شعب لإيقاع الشعب العدو فيه وإسقاط أرادته
وبالتالى يعتبر هيكل أن الحديث عن النكسة الآن والألم الشديد لوقائعها واستعادتها للذاكرة هو شيئ من عقدة الهزيمة التي يجب أن ترتفع عن هذه الأمة كى تتقدم ,


وفى الواقع فقد فاتت عدة نقاط على الأستاذ الكبير نبينها فيما يلي ..
أولا : عقدة الهزيمة بالفعل مرض نفسي عضال يصيب بعض الشعوب إزاء مواجهة أعدائها المزمنين ,
وبالتالى فإن أى شعب يستسلم للهزيمة ويصاب بعقدة منها يعطى لعدوه أكبر المكاسب ,
لكن من قال أصلا إننا نعانى من عقدة الهزيمة لمجرد حديثنا عن النكسة وتحليلنا لوقائعها ؟!
إن هيكل يتعمد ـ في سبيل الحفاظ على صورة عبد الناصر ـ في الخلط بين ما يفعله الكُتاب والمحللون وبين عقدة الهزيمة التي يتحدث عنها , لأن الشعب المصري رفع هذه العقدة فعليا بانتصار أكتوبر , ولو كانت عقدة الهزيمة موجودة فظواهرها وأعراضها لا يمكن أن تكون بحديثنا عن مساوئ نظام عبد الناصر ,
بل على العكس يكون الحديث ـ عندئذ ـ من جراء العقدة التي أصابتنا حديث عن تفوق العدو وتضخم قدراته إلى الحد الذى يجعلنا نتخوف من أى مواجهة معه
فهل حدث هذا ؟!
لا يوجد كاتب واحد تحدث ـ مع ذكر النكسة ـ بتمجيد إسرائيل أو المبالغة في قدرتها بل على العكس نعانى في العالم العربي استهانة بقدرات العدو تتمثل في مطالبة الشعب ـ مع أى تطور في الأحداث ـ بالحرب العاجلة مع إسرائيل
فأين العقدة إذا ؟!
ويؤمن الشعب المصري والعربي بل ـ والإسرائيلي ـ أنه تلقي هزيمة مريرة لا يزال مصابا بعقدة منها هى هزيمته في حرب أكتوبر وتعبر عن ذلك في وضوح كتابات الإسرائيليين في ذكرى انتصار أكتوبر كل عام ؟!
فمن الذى أصابته العقدة .. نحن أم هم ؟!


ومن عجائب القوميين أنهم يقفون مع الإسرائيليين جنبا إلى جنب في إصابة كليهما بعقدة نفسية من جراء انتصار أكتوبر , أما الإسرائيليين فموقفهم مفهوم , وأما القوميين فبسبب أن القائمين على هذا النصر كانوا من نظام معاد للتوجه الناصري !
ولهذا فهيكل وحسين الشافعى وسامى شرف وغيرهم يعتبرون نصر أكتوبر نصرا مخذولا ! , وقد كتبوا بالفعل في اعتبار أكتوبر هزيمة لمصر والعرب .. هكذا بدون حياء لمجرد غياب عبد الناصر عن صورة الحدث !
ولا يستغرب هذا الإتجاه منهم وهذا الموقف من أول وآخر انتصار عربي حقيقي , لأن القوميين من الأصل يعبدون الشعارات ولا يهمهم التنفيذ , ولا يبحثون إلا عن المكاسب الإعلامية دون مقابل .. هكذا تعلموها في مدارس الستينات


ثانيا : يضرب هيكل المثل بسقوط فرنسا في الحرب العالمية الثانية , وكيف أنها لم تقع رهنا لعقدة الهزيمة ـ رغم السقوط المدوى ـ واستمرت الحرب حتى تحررت وانتهت تلك الحقبة ,
لكن هيكل هنا أغفل بندا شديد الوضوح يصنع فارقا ضخما فى المقارنة , ولهذا فهذا المثال لا يجوز القياس عليه ,
ففرنسا سقطت بعد أن أدت قيادتها وجنودها واجباتهم كاملة , ولم تنلهم الهزيمة عن ضعف أو خور أو خيانة أو تآمر ..
ولم يبشروا الشعب الفرنسي بأنهم سيفنون ألمانيا من الوجود .. ثم فروا من المواجهة كقطيع الماعز ,
بل نالتهم الهزيمة بسبب التفوق الألمانى في ميدان القتال , ونالتهم وهم حاملين لأسلحتهم ,
وهذا التفوق أمر نسبي ..
فلا توجد جيوش منتصرة على طول الخط ولا توجد أيضا جيوش منهزمة على طول الخط
فاستمرار المقاومة بفرنسا دون إعادة التذكير بما حدث من سقوط سببه أن كل فرد أدى واجبه كاملا ,
لكن عندنا في مصر وفى نكسة يونيو لم تحدث حرب أصلا .. فكيف جاءت الهزيمة ؟!
جاءت الهزيمة من أنفسنا وبمسئولية القيادة السياسية والعسكرية التي مرغت أنف الأمة في التراب , من هنا كان من اللازم والضرورى تمحيص الأسباب وتذكرها دائما أبدا .. لا سيما وبعض ظواهرها لا زال موجودا إلى اليوم ,
فهل ـ لأجل خاطر الناصريين ـ نغض الطرف عن هذه الظواهر رغم تعلقها بالماضي والحاضر ؟!
كيف يكون هناك أمل في إصلاح المستقبل إذا ؟!
وما هى فائدة مراجعة التاريخ التي لا يمل الأستاذ هيكل من ترديدها والحض عليها ؟!
وكيف نفعل ـ حتى يرضي الأستاذ ـ إذا ما جاء الدور لتذاكر النكسة ووقائعها ؟
هل نقول مثلا أننا انتصرنا أو تعادلنا في الحرب لكى لا نكون مصابين بعقدة الهزيمة ؟!
أم نقول مثلما قال هو في أيامها .. أنها نكسة عابرة وليست هزيمة !!


ثالثا : الحديث عن أى هزيمة مرحلية في حياة الشعوب لا يعنى أبدا أن هذه الأمة مصابة بعقدة هزيمة , لا سيما إن كانت الجولة الأخيرة في صالح تلك الأمة ,
وقد غفل الأستاذ هيكل أنه في إحدى مقالاته بمجلة وجهات نظر تحدث عن بعض الكتب الجديدة التي وصلت إليه مع بدايات الألفية الجديدة وكان منها كتاب لمحلل فرنسي خصصه لفترة سقوط فرنسا في يد الألمان ضمن أحداث الحرب العالمية الثانية ,
ولم يتهم هيكل هذا المؤلف أنه مصاب بعقدة الهزيمة رغم أنه يتحدث عن هزيمة فرنسية أعقبها نصر فرنسي ساحق !
كذلك لم يعب عليه هيكل تأثره وتخصيصه الكتاب لتلك الفترة وحدها ـ دون أى ذكر لفترة النصر ـ رغم مرور ستين عاما على تلك الهزيمة , !
فلماذا يعيب هيكل الحديث عن النكسة وقد أعقبها إنتصار أكتوبر ؟!
ولماذا يعيب هيكل هذا الحديث رغم أن النكسة لم يمض عليها إلا أقل من أربعين عاما ؟!
والأهم من ذلك :
فالكاتب الفرنسي كان يتحدث عن هزيمة انتهت أسبابها من أرض الواقع الفرنسي نهائيا منذ ستين عاما , بينما نعانى نحن في عالمنا اليوم من آثار النكسة ونظام يوليو
ومع ذلك فلم يعب عليه هيكل , وعاب على من ينبه ويستقصي ,


رابعا : غفل هيكل عن أهم مبرر يدفعنا للحض الدائم للبحث في تاريخنا المعاصر , لا سيما تاريخ الإنهزامية , ليس فقط لأننا نعانى في واقعنا الحالى من آثاره وحسب ,
بل للسبب الأكثر أهمية ,
وهو أن هيكل نفسه ـ مع الأسف الشديد ــ وبقية كُتّاب العهد الناصري صاغوا التاريخ وقدموه مشفوعا بتحليلات جعل للمصائب والكوارث غلاف من السكر يدارى مرارتها ,
ويطلب من الأجيال الحالية أن تبتلع هذا التاريخ الـمُـعلب لمجرد أنه اقترن باسم عبد الناصر ,
وفى المقابل جاء كُتاب النظام الساداتى ففعلوا نفس الشيئ فجمّلوا وبرروا ..
وهكذا ورثنا ـ نحن الأجيال المعاصرة ـ تاريخا عجيبا بين وقائع تاريخ الأمم , تجد فيه الرأى ونقيضه عند كُتاب نفس الجيل , وليس هذا على سبيل الإستثناء مثلا ,, بل كان هذا هو الأصل ,
فلا يوجد على الساحة ـ حتى يومنا هذا , كتاب واحد تعرض لمعالجة التاريخ المعاصر بتجرد وحيادية وقدم الحقائق للتاريخ , بل شملت الكتابات جميعا آفة الهوى والتحليل
فصار لزاما على هذا الجيل المعاصر ـ هذا الجيل البائس الذى ورث النكبات وحُرم الجوائز ـ أن يستقصي لنفسه ويعيد كتابة التاريخ المعاصر بتحليلات حيادية بعيدا عن الإنتماءات الفردية لعبد الناصر أو للسادات أو غيرهما
ومن العجائب أن هيكل يتباكى على جيلنا ـ كما قال في مقدمة كتابه بين الصحافة والسياسة ـ لأن الحقائق تضيع عن هذا الجيل بسبب أنهم لم يكونوا في قلب الحدث ويروا بأنفسهم ليكتشفوا تزوير الأحداث !!
سبحان الله .. هذا كلام هيكل !
والذي لولا وجوده في فترة العهد الناصري لما خفت الحقائق عن الشعب العربي كله , ولما سلم هذا الشعب المقهور نفسه إلى أيدى الحواة المهرة الذين أقنعوه بالأمجاد الوهمية في كذب مفضوح , ولما سرقوا منه عقيدته وإيمانه وأسلموه للإلحاد !
ولقد اكتشفنا الأكاذيب واكتشفنا كيف كان عبد الناصر يحكم مصر والعرب , من خلال كلام هيكل نفسه وليس من كلام أعدائه , غير أننا عندما قرأنا هيكل كنا نقرؤه ونحن نرتل المعوذتين حتى نكتشف من خلال السطور ما يحاول تجميله !
وعدنا ـ في نفس الوقت ـ إلى أرشيف جريدة الأهرام وطالعنا العناوين التي كانت تخرج على الناس طيلة 15 عاما تبشرهم بأن مصر أقوى ضاربة في الشرق الأوسط وأن تقدمنا أذهل العالم ! , وتبشر الناس بالأسلحة والصواريخ الفتاكة التي تمتلكها مصر , ويعلن أحد العناوين قبيل النكسة بشهور قائلا عن فترة حكم الثورة ( 14 عاما مجيدة ) !!
بخلاف العناوين في أيام 5 و6 يونيو التي خرجت تضلل الناس وتوهمهم بالقتال المستعر في جميع الجبهات , وبالتقدم العربي , وبهجوم بريطانيا وأمريكا مع إسرائيل بجيوشهما !
إن كان هيكل نسي دوره في كل هذا التضليل فنحن لن ننساه