الموضوع
:
قصة النكسة
عرض مشاركة واحدة
11-21-2010, 09:37 PM
المشاركة
11
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي
اوسمتي
مجموع الاوسمة
: 1
تاريخ الإنضمام :
Jan 2006
رقم العضوية :
780
المشاركات:
1,201
وكانت النتيجة أن ترسخت منذ عهد عبد الناصر وحتى اليوم ظواهر في العالم العربي أطاحت به من معادلة القوة العالمية تماما وهذه الظواهر لم يكن العالم العربي يعرفها حتى في عهد الإحتلال الغربي نفسه !
وهذه الظواهر هى محصلة الأسباب الحقيقية لما جرى في نكسة عام 1967
,
ومن التسطيح بمكان أن نظن بالنكسة أسبابا فرعية كحالة الجيش المصري وقتها أو التفوق النوعى الإسرائيلي أو الدعم الأمريكى , فهذه العناصر جميعا تمكن الجيش المصري في أكتوبر من دحرها كاملة !
رغم أن الجيش الإسرائيلي في أكتوبر كان أقوى بمراحل عن حالته في يونيو 67 ويكفي أن إسرائيل لم تحصل على طائرات
الفانتوم الأمريكية
إلا بعد نكسة 67 وليس قبلها ,
وإسرائيل لم تستخدم السلاح الأمريكى المتفوق في النكسة بل استخدمته فقط في أكتوبر ,
والظرف الدولى أيام أكتوبر كان لصالح إسرائيل بأفضل مما كان لها عام 67 , لتزايد النفوذ الأمريكى في العالم ومعاناة الإتحاد السوفياتى من حالته الإقتصادية التي أثرت سلبا على مكانته في معادلة الصراع العالمى
ومع هذا تفوق الجيش المصري باكتساح ولم تعطله هذه العوامل
ومن هنا نخلص إلى أن كل ما قيل عن تلك الأسباب الفرعية ليس في حقيقته أسبابا بل هو محض نتائج للأسباب الحقيقية التي أدت إلى كارثة يونيو 67 ,
فالتقصير العسكري الحاصل في يونيو على الجانب المصري لم يكن سببا في النكسة بقدر ما كان نتيجة طبيعية للأسباب التي وقفت خلف حالة المجتمع المصري والعربي في تلك الفترة ..
وبداية ترسيخ ظواهر جديدة نسفت روح الإرادة والجدية في المجتمع العربي ومسخته وأبعدته عن خطى التطور ..
وفى حديثنا عن هذه الظواهر لن نعتمد إلا على المصادر الناصرية نفسها , ولن نأت بأى واقعة إلا إذا كان الناصريون هم رواتها وموثقيها عبر كتابات مفكريهم ومذكرات قادتهم
ومن هذه الظواهر
:
أولا
: ظهور وتنامى ظاهرة الحكم العسكري وحكم الفرد عقب استقلال أغلب الأوطان العربية بحركات جيوش لا ثورة شعوب ,
وخطورة الانقلابات العسكرية تكمن في أنها تستبعد من ذهنها صورة الإرادة الشعبية تماما لأن العقلية العسكرية قائمة على إصدار الأوامر وطاعتها المطلقة ,
مما أدى لترسيخ هذه الظاهرة ـ
حتى في الدول الملكية ـ
وعاش العالم العربي منذ ذلك الحين وحتى اليوم رهنا لقبضة حكم حديدية فعلت بشعوبها أعتى مما فعلت به جيوش الإحتلال الأجنبي ,
مثل أفاعيل نظام عبد الناصر بمعارضيه ـ
بالذات من الإخوان المسلمين
ـ كذلك أفاعيل نظام
حافظ الأسد
بالإخوان المسلمين في سوريا لدرجة أنه قام بضرب معقل الإخوان في مدينة حماة بالدبابات في مجزرة لم ترتكبها حتى قوات الإحتلال البريطانى !
ثانيا :
ظهرت إلى السطح طموحات الزعامة لدى كل حاكم عربي بمجرد ظهور زعامة عبد الناصر التي أثارت الغيرة مما أدى إلى اتباع معظم الحكام سياسة التظاهر بالنضال لمحاولة حصد الشعبية ,
مما جعل الفوارق هائلة بين الشعوب ومعاناتها والحكام وأحلامهم ,
ولم يعد الحكام في العالم العربي يلقون أهمية إلى شعور الجماهير مهما تسرب للإعلام بعض تصرفاتهم , بل استمرت بطانة كل حاكم تصور له أنه يسكن في قلوب الشعب بمقعد دائم شبيه بمقعد الولايات المتحدة في مجلس الأمن !
هذا فضلا على أن ظاهرة الغيرة والتنافس على الزعامة المظهرية أفرزت ظاهرة التبادل السوقي للشتائم بين الحكام العرب وبين بعضهم البعض لدرجة لا يمكن أن تجدها حتى في أحط المناطق الشعبية !
ومن يعود إلى أرشيف الصحف وإذاعة صوت العرب في تلك الفترة ويتابع الصراعات الإعلامية بين مصر والسعودية أو بين مصر والأردن أو بين مصر والعراق أو بين مصر وسوريا يجد شتائم بالأم والأب ومعايرات بالأصول العائلية على ألسنة حكام المنطقة في خطابات إذاعية معلنة !!
ثم بعد هذا تعزف الإذاعات ألحان القومية العربية وأحلام الوحدة !!
ثالثا :
ظهرت إلى الوجود في العالم العربي ظاهرة الإعلام الموجه , بعد أن قام عبد الناصر بتسخير الإعلام له بأعتى مما فعله
جوبلز
وزير الدعاية النازية لهتلر ,
وبالتالى صار من المسلم به أن الإعلام الرسمى وظيفته الرئيسية هى تجميل صورة الحاكم وتصويره على أنبغ عصره .. بغض النظر عن حقيقة حكمه أو نظامه ,
وقد تم هذا بعد تأميم الصحف وانتزاع ملكيتها من أصحابها الأصليين وإحالة الملكية إلى الدولة ممثلة في الإتحاد الإشتراكى ,
وعليه أصبح الصحفيون ورجال الإعلام مجرد موظفين يخضعون لرقابة عسكرية معلنة يقوم بها مكتب الرقيب لا يسمح بشاردة أو واردة حتى لو كانت كلمة عادية عابرة أو نكتة
!!
وقد تم اعتقال عدد لا محدود من الكتاب والصحفيين وفُصل بعضهم الآخر وتشريدهم نتيجة لنكتة عابرة قالها أحدهم في جلسة خاصة ـ تم تسجيلها قطعا ـ أو بسبب مقال يَــشْـتم فيه الرقيب معارضة لظاهرة من ظواهر الفساد في الحكم ,
ويكفينا أن نمثل لحادثة واحدة تخص
محمد حسنين هيكل
وهو زعيم الناصرين المبرّز ,
فقد وجدناه يروى واقعة اعتقال
الدكتور جمال العطيفي
وهو أستاذ جامعى وقانونى بارز وعالم فذ , كان يعمل في الأهرام مع هيكل ,
وجمعته جلسة خاصة مع بعض رفاقه وتناولوا في هذه الجلسة الخاصة تحليلا لملابسات قرار عبد الناصر بتعيين هيكل وزيرا للإعلام , وثار النقاش حول ما إذا كان هذا القرار تمهيدا لنزعه من فوق عرش الأهرام الذى يشغل فيه منصب رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير ,
وبالطبع احتوت الجلسة على بعض الإنتقادات لعبد الناصر وللإتحاد الإشتراكى ,
وتم تسجيل الجلسة بأجهزة التصنت التي تبثها المباحث في كل مكان وتم رفعها لعبد الناصر ليصدر قراره باعتقال الثلاثة فورا
!!
وهنا ثار هيكل وقاطع عبد الناصر حتى تدخل السادات بينهما بالصلح وذهب هيكل لمقابلة عبد الناصر وتحدثا حديثا طويلا يصفه هيكل بكل معانى الإجلال والإكبار ثم يثنى على عبد الناصر في أنه أصدر قراره بالإفراج عن العطيفي ورفاقه !
والسؤال هنا :
كيف فات على هيكل أنه لم يعترض على مبدأ الإعتقال ومبدأ التصنت على الحياة الخاصة التي كان النظام يتوسع فيها في ذلك العهد ويفرض الرقابة على الشعب بأكمله !
وكيف فاته أن يعترض على مبدأ كتم الحريات لهذه الدرجة المهينة التي تسمح باعتقال أستاذ جامعى في قامة العطيفي لمجرد أنه أبدى اعتراضا سياسيا عابرا على إحدى قرارات الرئيس !
والأهم من ذلك ..
كيف يعتبر هيكل تدخله لإنقاذ العطيفي أمرا محمودا في نفس الوقت الذى عاش فيه صحفيو مصر ومفكروها حقبة إرهاب مستمرة ودخلوا المعتقلات دون أن يجد أيا منهم هيكل آخر يتدخل بنفوذه فينقذهم !!
رابعا :
صدّرت مصر للعالم العربي أسلوب السيطرة البوليسية على الجمهور وضغط المعارضين أو الخلاص منهم مما كثف من ثقافة الخوف الجماهيري ,
وأصبحت الجماهير المصرية ـ
ومن بعدها الجماهير العربية
ـ أسيرة لعقدة الخوف من القتل أو الإعتقال بعد أن كانت هذه الجماهير ـ تحت نير الإحتلال ـ تملك إرادتها وتملك فرضها عبر زعمائها الشعبيين ,
ولعلنا نذكر تجربة
عرابي
وتجربة
مصطفي كامل
وتجربة
سعد زغلول
وغيرها من التجارب التي أحيت يقظة الحركة الوطنية الشعبية على أساس حقيقي لا أساس موجه ومبرمج من الإعلام
خامسا :
كانت مصر في ظل نظام عبد الناصر هى صاحبة السبق في اختراع نسبة 99.99 % ,
مما جلب لنا سخرية العالم أجمع على هذه الشعوب التي يقبل حكامها هذا النفاق الفج من السلطة ويصورون أنفسهم آلهة تحظى بالإجماع المطلق من شعوبها !
بينما خلق الله البشر على الأرض وفى طبيعتهم سنة الإختلاف ولم يحدث أن أجمعت أمة من الأمم بمثل هذه النسبة على شيئ !
بل إنهم لم يجمعوا على توحيد الله سبحانه وتعالى وهو خالقهم , وظل هناك في كل أمة من يكفر به
وكان هيكل ـ
وهو على رأس تحرير الأهرام
ـ هو الذى روج لهذه النسبة الخيالية في أول انتخابات خاضها جمال عبد الناصر على مقعد رئيس الجمهورية , واعتبرها إنجازا غير مسبوق في التاريخ !!
ولم يستح النظام أن يعلنها رغم أن قطاعات عريضة من الشعب كان مؤكدا أنها ستقول لا , وأقلها جماهير ملاك الأراضي مثلا وجماهير الإخوان المسلمين وحزب الوفد صاحب الشعبية الكاسحة , الذى تم حله وتحديد إقامة زعيمه النحاس باشا
فكيف ساغ لهيكل أن يمرر هذه النسبة وهو يعلم علم اليقين أن هذه القطاعات لابد لها من أصوات !!
سادسا
: كانت مصر عبد الناصر هى التي اخترعت أيضا ظاهرة المجالس النيابية الموقرة التي لا تكف عن تكرار الموافقة على أى إشارة تصدر من أصغر اصبع للحاكم ,
وظهرت للوجود معارضة فريدة في تلك المجالس وهى المعارضة المستأنسة
,
وشهدت البرلمانات العربية أعضاء في مجلس الشعب يبدو على سيماهم أنهم في الأصل من رجال المباحث !
وبالطبع كانت جلسات البرلمان المصري (
مجلس الأمة
) تشهد التسبيح بحمد النظام ولو كانوا بصدد مناقشة كارثة حقيقية ,
ولهذا كان طبيعيا أن يجتمع مجلس الأمة بقيادة
أنور السادات
لمناشدة الرئيس عبد الناصر بالعدول عن قرار التنحى عقب كارثة 67 م ..
وعندما قبل الرئيس هذه المناشدة نقلت عدسات الإعلام صورة لأحد أعضاء المجلس الموقر وهو يرقص فرحا على تراجع الرئيس عن قرار التنحى !!
الصفحة الشخصية بموقع فيس بوك
القناة الخاصة بيوتيوب
رد مع الإقتباس