الموضوع: قصة النكسة
عرض مشاركة واحدة
قديم 11-21-2010, 09:25 PM
المشاركة 10
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
والأهم من ذلك :
لماذا لم تعط نفسك الفرصة للبحث عن أصل هذه الحكم في الحضارة الإسلامية وهى موجودة بعشرات الصياغات في آيات القرآن والسنة وأقوال السلف الصالح ,
فقد بوب الفقهاء بابا كاملا في الجهاد مؤداه ( إذا ديس شبر من أرض المسلمين فالجهاد فرض عين على كل مسلم ومسلمة )
وإذا تأملنا نظام الشورى الإسلامى والديمقراطية التي تعتمد على القرآن والسنة لوجدنا أنه من أدبيات السلطة في الإسلام أن الحاكم خادم للجماهير يتقاضي راتبا تحدده له صفوة الأمة
ويخضع للحساب العسير منها بل ومن أفراد الشعب والبسطاء أيضا
ولعلنا نستدعى للذاكرة قول عمر بن الخطاب ـ وهو أعدل الخلفاء بعد أبي بكر ـ قوله
( ماذا تقولون إذا ملت برأسي هكذا { يعنى الإنحراف عن الطريق القويم } )
فقال له أحد الأعراب : ( إذا نقول بسيفنا هكذا )
فرد عمر : الحمد لله الذى جعل من بينكم من يقوّم اعوجاجى

فهذه الأمثلة لم يصغها المؤرخون لكى تصبح حدوتة قبل النوم !
بل لكى تصبح مثلا ومثالا لما ينبغي أن تكون عليه دولة الإسلام , وهذه المبادئ هى الأولى بالإتباع بدلا من مبادئ كارل ماركس وأنجلز وأقوال ماو تسي تونج وأضرابه من ملحدى الشيوعية !
فهى مبادئ الوحى الذى هو تنزيل من عزيز مقتدر ,

والأخطر من ذلك :
أن هناك مرحلة من حياة الأستاذ هيكل توقف فيها مليا أمام ثراء الحضارة الإسلامية , ومع ذلك لم يتراجع ,
فمع غرامه الشديد بالإشتراكية والقومية ذكر أنه طالع عبارة لأحد الصحابة ( أبو ذر الغفاري رضي الله عنه ) وهذه العبارة التي أعجبته كانت في نظره حاملة للمبادئ الإشتراكية بصورتها المثلي ,
رغم أن عمر هذه العبارة أربعة عشر قرنا ,
هذه العبارة التي اعتبرها هيكل أصل الإشتراكية قبل مجيئ ماركس بأربعة عشر قرنا تقول
( ثلاث للناس جميعا .. النار والماء والكلأ )
وقال هيكل تعليقا عليها أنها توضح تأميم الدولة لوسائل الإنتاج الرئيسية ( الطعام والمياه ومصادر الطاقة ) قبل خروج النظرية الإشتراكية ب 14 قرن [1]
ومن المؤسف والمؤلم أن أستاذا ومفكرا في حجم هيكل وعبقريته لم يلتفت لنقطتين بالغتى الأهمية :
الأولى : أن العبارة ليست من أقوال الصحابي أبي ذر ! بل هى حديث للنبي عليه الصلاة والسلام وأبو ذر هو راوى هذا الحديث فحسب !
الثانية : أن الاشتراكية في الإسلام تختلف عن اشتراكية ماركس بفارق يستوعب المسافة من الأرض إلى السماء , لأن اشتراكية ماركس كانت تنكر حق الملكية الفردية بتاتا , وتجعل الدولة هى المسيطرة على السوق الإنتاجى سيطرة تامة ,
بينما اشتراكية الإسلام أوصت بنظام اقتصادى لا مثيل له وهو ضرورة تحكم الدولة في وسائل الإنتاج الرئيسية التي تتحكم في القوت الرئيسي لجماهير الناس وعدم منح الفرصة لجشع التجار أن يتحكم في المواد الضرورية للمجتمعات
لكنها في نفس الوقت تشجع الإستثمار والتجارة الحرة في ظل ضوابط الإسلام , فيقول النبي عليه السلام
( تسعة أعشار الرزق في التجارة )
وكان معظم كبار الصحابة من التجار الكبار , كعبد الرحمن بن عوف وأبي بكر وعثمان بن عفان
وهكذا تفادى النظام الإقتصادى الإسلامى عيوب الإشتراكية المتمثلة في قتل الطموح الفردى بتأميم جميع الممتلكات ذات الطبيعة الإنتاجية , مما أدى إلى الركود الإقتصادى الهائل الذى سقط بسببه الإتحاد السوفياتى ,
وفى نفس الوقت تفادى النظام الإسلامى عيوب الرأسمالية التي فتحت الباب على مصراعيه أمام الملكية الفردية وجعلت نظام السوق حرا إلى حد الفوضي فنجم عن ذلك تحكم فئة قليلة من أباطرة الإقتصاد في أقوات الناس ومعاشهم وأصبح أصحاب المليارات هم أصحاب الرأى في الدولة فعليا واختفت سلطة الدولة عليهم مما أدى للأزمة الإقتصادية التي يعانيها الغرب الآن بعد انهيار نظام البنوك الربوى في أسواقهم

فلنا أن نتخيل لو أن هيكل ـ وهو في موقعه الفريد بقرب السلطة في عهد عبد الناصر ـ اعتمد الفكر الإسلامى لا الإشتراكى كأساس لتنظيم الدولة ,
ما الذى كان يمكن أن يحدث ؟!
لا شك أن جمال عبد الناصر ساعتها كان سيملك من المكانة أضعاف ما امتلكه فعليا في تلك الفترة ,
ليس هذا فحسب ,
بل كانت المنطقة العربية ستتحول لقوة عظمى فاعلة في النظام العالمى لأن اعتماد الفكر والعقيدة الإسلامية أساسا لمنهج الحكم كان سيقف أمام أى محاولة مظهرية للزعامة ,
فالإسلام لا يعترف بالأقوال بل بالأفعال فحسب ,
وبالتالى ..
كان يمكن لنظام جمال عبد الناصر أن يبنى فعلا وعلى أساس متين وحدة بين دول المنطقة العربية قائمة على العمل والجهد والكد والتطبيق الفعلى لمبادئ القوة لا التطبيق المظهرى بالشعارات والخطب الرنانة التي لا أصل لها في الواقع !
فكارثة نظام القومية جاءت بسبب أنه نظام اعتمد صاحبه على ضرورة خلق زعامة عامة له على المحيط العربي
ولأن الزعامة يلزم لها أسباب من القوة لم تكن متوافرة لمصر في ذلك الحين
فلم يتوقف حتى يبني تلك القوة تدريجيا ,
بل عمد إلى الحصول على الزعامة اعتمادا على التظاهر بالقوة ,
فلما اصطدمت الظواهر ـ ذات الأساس المعدوم ـ بحقائق الواقع ,
هوت كبيت من رمال ودفنت تحتها الواقع العربي الكسير !




الهوامش :
[1] ـ مدافع آية الله .. محمد حسنين هيكل ـ دار الشروق