الموضوع: قصة النكسة
عرض مشاركة واحدة
قديم 11-21-2010, 09:17 PM
المشاركة 7
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
ويمكننا القول بإطمئنان كامل ,
أن جحافل العسكرية الغربية ومعها جحافل المستشرقين الفكرية لم تزد الإسلام إلا عزا , فقد فشلت الحملات الصليبية فشلا ذريعا أمام أبواب الشام ومصر التى أسرت قائد آخر الحملات لويس التاسع بدار بن لقمان ,
وفى المجال الفكرى أهدى المستشرقون ـ كما سبق القول ـ هدية لا تقدر بثمن بتصنيفهم فهارس الحديث , بالإضافة إلى أثر أعظم عندما تصدى الفقهاء والمفكرون لشبهات المستشرقين فاستنبطوا ـ بسبب الشبهات ـ أروع آيات الإعجاز والبلاغة فى القرآن والسنة
ولكن الجهة الوحيدة التى تمكنت من النيل من المسلمين ـ ولا أقول من الإسلام ـ كانت الجبهة الأخيرة التى أثبتت نجاحا فى مواجهة الإسلام وهى عينة عملاء القلم والفكر الذين بذلوا الجهود فى تقويض أى التفات للحضارة الإسلامية داعين المسلمين فى مشارق الأرض ومغاربها إلى ترك هذه المواريث طواعية وهى التى بذلنا فيها الدماء عبر أجيال لنحافظ عليها فأتى هؤلاء ليكون نصحهم أن نهديها للغرب بلا مقابل !
وكان نجاحهم النسبي ليس لأنهم برعوا فى التنفيذ بل لأنهم سلكوا طريق التسطيح والجهل وبرعوا فيه وساعدهم لجوء أغلب الحكومات العربية بالذات إلى النظم العلمانية وفتح الباب لمحاربة التيار الإسلامى المناهض
فهؤلاء الزمرة لم تدخل لمعركة الفكر حجة بحجة ـ كما فعل المستشرقون ـ وإنما لجئوا إلى الآلة الإعلامية والإنفراد بها على ساحة الجماهير عبر عشرات المقالات والدراسات والتبشيرات بل والمسلسلات والأفلام التى تؤكد أن الحضارة معدنها أوربي , والتقدم فكرة أمريكية !

ناسين أو متناسين أن يقفوا قليلا أمام تصريحات الغرب وإعلانه لنواياه عبر ألف تصريح وتصريح !
ولعلنا نذكر ما فعله القائد البريطانى الذى دخل القدس ووقف أمام قبر صلاح الدين قائلا في شماتة :
( ها قد عدنا يا صلاح الدين )
ولعلنا نذكر زميله الآخر القائم بالأعمال في العراق في بداية القرن الماضي عندما قال في مذكرة رسمية :
( إننا لن نستطيع السيطرة ما دام هذا القرآن موجودا في أيديهم )[1]
ولعلنا نقف أمام تصريح رونالد ريجان بعد سقوط الإتحاد السوفياتى :
( فرغنا من الشيوعية ولم يبق أمامنا إلا الإسلام )
ولعلنا نتذكر تصريح شيمون بيريز رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق ورئيس إسرائيل الحالى عندما قال :
( إن أخطر ما يواجه إسرائيل اليوم هو المقاومة الإسلامية ! )[2]

والسؤال الآن لأصحاب العقول ..
كيف يمكن أن يفشل الغرب طيلة ثلاثة عشر قرنا فى نيل أهدافه بطمس الهوية والمرجعية الإسلامية عن الشعوب العربية سواء بالسلاح أو الحرب الفكرية ,
ثم يأتى تيار القومية ـ الذى يعتبر الصراع مع الغرب من أدبياته ـ ويُهدى للغرب أكبر أهدافه .. وبلا مقابل ! ؟!
وكيف يتخلى تيار القومية فى بساطة مذهلة عن الأساس الوحيد الذى يرتكز عليه لإثبات حق العرب فى الأرض المحتلة , وهو الأساس الإسلامى الصرف القائم على فتح المسلمين للشام فى عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ؟!

ورغم أن قضية الصراع مع إسرائيل هى في الأصل قضية صراع دينى وحضاري بيننا وبين الغرب
ورغم أن إسرائيل أقامها الغرب أصلا على مبدأ دينى وهوية دينية في المقام الأول , [3]
ورغم أن إسرائيل أطلقت أخيرا مشروعها القائل بنص صريح بيهودية الدولة كأساس للمواطنة
ورغم أننا هنا نعالج غياب البعد الدينى عند العرب وحدهم , لأنه بُعد موجود وفاعل بل ورئيسي فى الناحية الأخرى
إلا أن اللعبة الغربية نجحت نجاحا تاما فى جعلها قضية وطن وساعد على ذلك ـ بجهل أو بقصد ـ تيار القومية العربية الذى ظن أنه بنسبة القضية لتيار القومية فإنه بذلك جعلها قضية العرب جميعا وقضية أمن قومى عربي , وتلك منتهى الخفة فى المعالجة
ففضلا على فشل تيار القومية فشلا ذريعا منذ عام 1967 م , وانتهائه إلى الأبد عام 1990 بالعدوان العراقي على الكويت ..
كان هناك أثر آخر أدى إلى قتل قضية الصراع العربي الإسرائيلي فى مهدها ,
السبب فى ذلك أن من فتح الباب للتفاوض والإعتراف بإسرائيل لم يكن يضع بذهنه مطلقا أهمية قضية القدس وإنما كان تركيزه على الفوز بدولة فلسطينية ترتكز أساسا على نتائج المفاوضات , حتى لو كانت ورقة القدس مجرد ورقة يمكنها أن تكسب ما على الطاولة إذا ما تم قبول تقسيم القدس بين العرب وإسرائيل

بينما التوجه الإسلامى للقضية كان سيضع قضية القدس ـ كما هو واجب ـ فى إطارها الصحيح بعيدا عن أى نتائج تخص الأرض أو الضحايا , فلا فارق بين الضحايا التى وقعت فى فلسطين وبين الضحايا فى سائر الأقطار العربية التى بذلت أضعاف هذا العدد فى سبيل حريتها
هذا بالإضافة إلى أن تيار القومية العربية الذى كان يتحدث عن فلسطين باعتبارها قضية أمن قومى عربي , أخذ فى التضاؤل حتى انتهى شعاعه تماما عام 1992 م وفى العام التالى وقف عرفات فى مفاوضات أوسلو ليعلن أن القضية الفلسطينية آن لها أن تعود إلى أصحابها الأصليين !
وهو نتيجة طبيعية لركام القومية الذى أعطى الأرض والجنس أساسا للحق , فامتلك عرفات حق التفاوض والتنازل كما يشاء باعتباره الممثل القانونى القومى لقضية فلسطين بعد أن أصبحت قضية قومية !
وهى نتيجة نالت منها إسرائيل من المكاسب ما لم يتحقق لها بالسلاح طيلة ثلاث حروب مع العرب !
فأول الكوارث أن إنتهاء تيار القومية .. دفع بالقضية إلى حيز التضييق حتى انقلبت من قضية عربية إلى قضية تخص فلسطين وأرضها وشعبها
مع الوضع فى الإعتبار أن التيار القومى أصلا حصر القضية من قضية إسلامية تعالج ثالث أقدس مساجد المسلمين إلى قضية عربية فقط فضلا على أنه لم يكن بأجندته المبادئ الإسلامية التى تُعلى قيم الجهاد ولا تقبل الإخلال بالثوابت نتيجة الضعف أو قوة العدو , ولنا أن نتخيل الفارق الشاسع بين البعدين الدينى والقومى عندما نلقي نظرة واحدة على تجربة أفغانستان مع الإتحاد السوفياتى والولايات المتحدة الأمريكية
بل وتجربة الشيشان التى قادها جوهر دوادييف وخلدت اسمه فى مواجهة القوة السوفيتية الغاشمة ,
وأيضا تجربة باكستان مع الهند , والتى وقفنا فيها إلى جوار الهند ـ كعرب ـ وتناسينا الإنتماء الإسلامى بسبب وجود التيار القومى الذى كان يعتبر الهند حليفا إستراتيجيا فى حركة عدم الإنحياز , ورغم ذلك نجحت باكستان نجاحا مبهرا بالبعد الدينى وحده



الهوامش :
[1]ـ الثورة البائسة ـ د. موسي الموسوى ـ طبعة حرة
[2]ـ المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل ـ الجزء الثالث ـ محمد حسنين هيكل ـ دار الشروق
[3]ـ اليهود واليهودية والصهيونية ـ د. عبد الوهاب المسيري ـ دار الشروق