الموضوع: قصة النكسة
عرض مشاركة واحدة
قديم 11-21-2010, 09:09 PM
المشاركة 4
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
حدث كل هذا ..
والغرب يتأمل بسخرية وتأن وهدوء ..
ولا مانع بالطبع من زيادة سخونة الصراع عن طريق استفزاز العرب إعلاميا ليزدادوا تورطا في الصراعات القومية ويصدق الزعماء أنفسهم !
وكانت الكارثة الـمُرة يوم أن صدق زعماء العرب في تلك المرحلة ما يروجونه من شعارات !
فانطلقت التصريحات الخيالية التي تثير الدهشة حقا ,
فقد روجت القيادة المصرية مثلا أن قواتنا هى أقوى قوة ضاربة في الشرق والأوسط , كما تضمنت تصريحات جمال عبد الناصر كثير من العبارات التي تلهب حماس الجماهير وتؤكد زعامته للعالم العربي ويصفق لها المغيبون
فسمعت الجماهير من عبد الناصر عبارة ( أمريكا إن لم يعجبها البحر الأحمر تشرب من البحر الأبيض ! )
وغير ذلك من العبارات التي توهم الجماهير العربية بأن فناء إسرائيل وتدميرها هو أمر رهن الإرادة العربية , وأن جمال عبد الناصر سيلقن الغرب كله ـ وليس إسرائيل فقط ـ درسا قاسيا إذا فكرت في التعرض له ,
ولم تكن غيبة عبد الناصر عن واقع حاله بسبب أنه صدق انتصاره في حرب 1956 م وظن بالفعل أنه انتصر على إنجلترا وفرنسا فحسب
بل كان السبب الرئيسي أن مغامرات عبد الناصر بالتدخل في اليمن والكونغو أغرته بالمزيد , وظن أنه بالفعل قادرا على تحدى القوى العظمى التي باتت تخشي سطوته !
دون أن يدرك للحظة واحدة أن مغامراته كلها تمت بتدبير غربي , على نحو ما فعلت بريطانيا معه في اليمن وكان يسعدها أن ترى القوات المصرية تتضاعف كل يوم في جبال اليمن ,
وعلى نحو ما فعلت معه الولايات المتحدة عندما سمحت له بتفريغ شحنات الإستفزاز عبر خطب رنانة تأكل قلوب الجماهير وتجعلها في قمة السعادة ,
وتركته حتى تمت طبخة يونيو ..
ليصحو على الحقيقة المرة وهى أن الزعيم الذى أرسل جيشه ليحمى الثورة اليمينية ويتدخل في الصراع على السلطة في الكونغو لصالح ( لومومبا ) ويطلق التصريحات الرنانة عن حمايته لثورة العراق وحمايته لسوريا وأن أى اعتداء على أى منهما هو اعتداء على الجمهورية العربية المتحدة , وكل هذا في تهديدات صريحة
هذا الزعيم بكل جلالته تلك اصطاد الإسرائيليون جنوده وسلاح جيشه الذى تكلف المليارات كما يصطادون العصافير !
وظهرت مجلات التايم والنيوزويك وهى تحمل صور مئات الجثث التي نهشتها الكلاب في سيناء , وصور للجنود المصريين بملابسهم الداخلية وهم يفرون من طائرات الهليوكوبتر الإسرائيلية التي كانت تستمتع بمطاردتهم حتى ينهكوا تعبا ,
ثم أعلنت إسرائيل أنها لن تأسر أى جندى مصري بعد أن اكتظت الوحدات الإسرائيلية بمئات وآلاف منهم ولم يعد لمزيد مكان !
ثم أعلن الجيش الإسرائيلي أنه سيحتفظ بالخمسة آلاف أسير المصري ليبادلوهم جميعا بالجندى الإسرائيلي الوحيد الذى أسره المصريون !
وظهرت الإذاعة العبرية بعد إتمام احتلال سيناء والسيطرة على خليج العقبة , بممارسات هدفها شن حرب إذلال حقيقي على الجماهير العربية ,
فكانت تضع صوت عبد الناصر وهو يعلن بقوة ( لن يمر العلم الإسرائيلي من خليج العقبة )
ثم تعقبه ضحكة ساخرة من المذيع الإسرائيلي وهو يقول ( بدون تعليق ! )
وكانت هذه المشاهد هى الرد العملى من الغرب على صراعات عبد الناصر معهم في الخطب الرنانة , فلم يردوا عليه في حينها ولم يكلفوا أنفسهم جهد بذل الصوت , بل تركوه يتوغل ويتمادى أكثر حتى هزم نفسه بنفسه قبل أن يهزمه القتال !

ولابد لنا أن ندرك حقيقة هامة وتاريخية :
أن ضربة صهيون ( الاسم الرسمى لعمليات حرب يونيو ) لم تكن هى السبب في أحداث يونيو ,
فالتدبير الأمريكى ـ الإسرائيلي لم يكن له أن ينجح إلا في هزيمة قواتنا عسكريا في معركة متكافئة ,
لكن ما حدث في يونيو لم يكن هزيمة , لأنه لم تكن هناك حرب في الأصل !
وقد فقدت مصر جيشها هى والأردن وسوريا دون قتال يذكر !
وكانت الأسباب الرئيسية من جانبنا نحن , لأن الأنظمة العربية ـ كما سنرى في التفاصيل ـ هزمت بنفسها وتخلت بنفسها عن أسلحتها المعنوية والحضارية ووقعت في فخ الإستنساخ الغربي ودعاوى القومية التي هدمت جذور العقيدة الإسلامية التي حركت الجبال فيما مضي
والتفت إلى الظواهر بدلا من العمق والعمل الجاد ,
وهذا أمر طبيعى لأن القومية تطلبت أن يسعى كل امرؤ للزعامة , وغاب الإخلاص بغياب الإسلام , وتقاصرت الأوطان وتم اختزالها ,
ودخلت الجماهير العربية دوامة من غيبة الوعى !
وحرص القوميون ـ بحب الذات ـ على تأكيد غياب الوعى فأصبحت الجماهير في الخمسينات والستينيات بالفعل أشبه بقطعان الغنم التي تقودها العصي إلى حيث تريد !
وهذا هو التفسير الوحيد الذى يوضح لنا حقيقة هذا التغييب الذى صدقته الأمة
وانقلب إلى كابوس مرعب بوقوع نكسة يونيو 67

ولم تتعلم الجماهير أو تستعيد ذاكرتها الحضارية الإسلامية لتتعلم كيف تكون الوحدة الحقيقية ؟
والوحدة هى الركيزة الأساسية التي ينبغي أن ينبنى عليها الصراع ,
ولكن أية وحدة يا ترى
هل هى وحدة العرب المبنية على أساس عرقي والتى أطاحت بكل مقدراتنا في القرن العشرين ؟!
أم الوحدة الإسلامية المبنية على حقائق التاريخ البعيد والقريب ؟!