الموضوع: قصة النكسة
عرض مشاركة واحدة
قديم 11-21-2010, 09:07 PM
المشاركة 3
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
بخلاف أن التيار القومى جعل الصراع مع إسرائيل حصرا ,
ولم تصبح المواجهة مع الغرب إلا مواجهة الداعم لإسرائيل , مجرد داعم يمكن استقطابه أو تحييده لا طرفا أصيلا في المعركة
أما الطرف الحقيقي في الصراع فأصبح الدولة اليهودية ,
وهذا الأمر كانت له أخطر الآثار إذ أن العلاقة العربية ـ الغربية لم تصبح علاقة صراع وعلى قدم المساواة في المواجهة مع إسرائيل بل أصبحت قضية صراع سياسي يقبل الحلول السياسية ولا يجد تناقضا بين أن تكون لنا أقوى العلاقات مع دول الغرب باعتبار أنهم طرف ثالث محايد أو شبه محايد !
وهكذا رتع الغرب ممثلا في أوربا والولايات المتحدة بين عناصر الثروة العربية واستبدل الغرب الإحتلال العسكري بالإحتلال الفكري والإقتصادى والسياسي
والأثر التطبيقي المباشر لهذا الأمر ,
هو اعتبار الولايات المتحدة مجرد طرف يميل بمصالحه إلى إسرائيل ,
وعليه ظهرت بعض وجهات النظر الخيالية التي تقول بإمكانية تحييد الولايات المتحدة عن الصراع مع إسرائيل أو استقطابها لصالحنا دون أن يدرك القوميون المغيبون أن أصل المواجهة هى مواجهة مع الولايات المتحدة كممثلة للغرب وليست مواجهة مع إسرائيل !!

وعليه ..
بدأت علاقة عبد الناصر رائد القومية العربية بعلاقة حميمية وحسنة مع الطرف الأمريكى في بداية الأمر ,
وسعت مصر في قيادتها الجديدة إلى اكتساب الولايات المتحدة !
لا سيما بعد أن انحازت السياسة الأمريكية إلى مصر فقامت بحماية الثورة الوليدة من التدخل البريطانى , وكان التدخل البريطانى عن طريق قواته في القناة والبالغة 80 ألف جندى كفيلة بالقضاء على النظام الجديد في ساعات ,
لولا أن مد النظام الجديد علاقته مع الولايات المتحدة عن طريق علىّ صبري الذى قابل الملحق الجوى الأمريكى وشرح أهداف الثورة وأنها لا تهدف للمساس بمصالح الأجانب في مصر ,
ونظرا لأن الصراع الغربي بين الحيتان كان مشتعلا , وكانت الولايات المتحدة تتطلع في طمع إلى تركة البريطانيين , فقد تدخل الأمريكيون لحماية الثورة الوليدة
وبالفعل لم يتدخل البريطانيون لتنفيذ الخطة ( روديو ) والذي حصلت على موافقة رئيس الوزراء البريطانى وينستون تشرشل وكان الغرض منها استغلال أزمة الخلافات والتدخل في مصر عسكريا وإعادة احتلال القاهرة والدلتا

كما تدخلت الولايات المتحدة في صراع مجلس قيادة الثورة مع محمد نجيب إلى جوار عبد الناصر على نحو ما ورد في مذكرات أحد أبرز قادة ثورة يوليو وهو خالد محيي الدين !
ثم كانت الخاتمة بتدخل الولايات المتحدة لصالح مصر في حرب العدوان الثلاثي وتمكنت من رد الإعتداء ووقف احتلال بريطانيا وفرنسا لمصر في مقابل اتفاقية بين جمال عبد الناصر وأيزنهاور يضمن فيها أيزنهاور لإسرائيل حرية الملاحة في خليج العقبة وعدم تدخل مصر عسكريا بأى عمل ضد إسرائيل لمدة عشر سنوات تمهيدا لاتفاقية سلام نهائية ! [1]
وتم تنفيذ الإتفاق كاملا ..
وتجمد الصراع مع إسرائيل لعشر سنوات تمتعت فيها إسرائيل بالحماية في وجود قوات الطوارئ الدولية بينها وبين مصر , وتمتعت كذلك بحرية الملاحة في خليج العقبة ووجود قوات الطوارئ في قلب سيناء عند شرم الشيخ ! بالإضافة لنقاط الحدود الدولية
وهذه الأمور ما كان لها أن تحدث لو كان الأساس الذى يحكم عبد الناصر هو الأساس التاريخى والحضاري المعتمد على معادلة الإسلام والصراع المستميت بينه وبين الغرب ,
ذلك لأن التوجه القومى قفز فوق التاريخ وطمس حقائق المواجهة واعتبرها من منتجات المتاحف وظن بنفسه القدرة على إنشاء علاقات وطيدة بالغرب ممثلا في أكبر طغاته الجدد .. الولايات المتحدة الأمريكية
بينما كان التوجه الإسلامى المستند إلى حقائق التاريخ يمنح معتنقيه إيمانا كاملا بأن الصراع مع الغرب هو المعادلة التي لا تنتهى وأنها مستمرة إلى قيام الساعة

ثم أعادت الولايات المتحدة النظر إلى العلاقة بعد أن استدعى عبد الناصر النفوذ السوفياتى للمنطقة
مما استدعى معه إعادة النظر في نظام عبد الناصر القومى الذى أخذ الجانب السوفياتى كاملا في المجالات السياسية والإقتصادية والعسكرية ,
فأصبحت مصر شيوعية السياسة والإقتصاد , ولكن بعد تخفيف وقع الشيوعية بمسمى آخر لا يغير شيئا من المضمون وهو مسمى الإشتراكية !
واستخدم عبد الناصر الجهاز الإعلامى المنفرد لفرض التغيير على عقيدة الشعب إجتماعيا ودينيا وثقافيا ,
وكتم أى صوت مخالف ليتمكن من فرض هذا التغيير !
عن طريق فرض التأميم على الصحف وضرب معاقل الفكر الإسلامى والسيطرة على مؤسسة الأزهر سيطرة تامة بقانون إصلاح الأزهر ثم السيطرة العسكرية على البلاد بقبضة حديدية ليتغنى الشعب ببستان الإشتراكية !
وأصبح الحديث في الخطب الرنانة يتحدث ( باسم الأمة ) و ( باسم الشعب ) !!
واختفت بسم الله من الخطاب الرسمى إلا على سبيل البركة ودفع الحرج !
وحل ( الميثاق) محل القرآن وأصبح الميثاق ( وهو كتاب يحتوى ما يسمى بالمبادئ الإشتراكية كتبه محمد حسنين هيكل رائد التنظير لعصر عبد الناصر ) أصبح هو المرجعية وهو الدليل
وحلت كلمات مثل ( القومية ـ التقدمية ) محل التوجه والإنتماء الإسلامى !
وأصبح ( الإتحاد القومى ) الذى تغير إلى ( الإتحاد الإشتراكى ) هو القبلة الجديدة التي يجب أن يتبرك بها المواطنون من تحالف قوى الشعب العامل ضد الإمبرالية والإستعمار !
وأصبح الدين ـ كما عبر عنه محمد حسنين هيكل ـ عبارة عن شيئ في الضمير وليس من الضرورى أن يُتخذ أساسا لأى إدارة في أى شأن من شئون الوطن
وعمت الصراعات المستحيلة في المنطقة العربية بين التوجه القومى الذى تمثله مصر وبين الدول الملكية القديمة التي رأت في الملكية عالم من الرجعية ,
واتخذ الصراع جانبا دمويا ولم يقتصر على الشتائم المتبادلة في الصحف أو الإذاعات , والتى كانت بحق ملهاة مضحكة في العالم كله على العلاقات العربية التي تدعى التضامن
وتورطت مصر بجيشها في اليمن لمحاربة قوات الملكية التي تدعمها السعودية هناك ,
لتصبح المعركة الهجومية الوحيدة التي خاضها الجيش المصري في عصر عبد الناصر ضد السعودية !
وكانت بريطانيا هى الداعم الأكبر لهذا التوريط وهى التي تولت استقطاب عشرات الآلاف من المرتزقة ليحاربوا الجيش المصري في اليمن بحرب العصابات التي أفلست الإقتصاد المصري ودفعت بنصف الجيش المصري وقوته الضاربة إلى متاهات الجبال اليمنية ليحارب طواحين الهواء
وسادت ـ بناء على نتائج التيار القومى ـ نظرية تقول أن الطريق إلى القدس يمر ببعض العواصم العربية !
في محاولة لفرض القناعة بأن الصراع الرئيسي ليس صراعا بيننا وبين الغرب أو بيننا وبين إسرائيل بل هو صراع بين التقدمية والرجعية في العالم العربي ويجب أن تسود الوحدة التقدمية بلاد العرب جميعا !!
ثم نلفت بعد ذلك للصراع مع إسرائيل !




الهوامش :
[1] ـ لمراجعة التفاصيل يرجى العودة إلى ( نحو حكم الفرد ـ دراسة فى مذكرات قادة يوليو ) ـ د. محمد الجوادى ـ دار الخيال