الموضوع: قصة النكسة
عرض مشاركة واحدة
قديم 11-21-2010, 09:05 PM
المشاركة 2
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
نجح الغرب فى تصدير أفكاره إلى رعاة الرأى العام من المفكرين ودفعهم إلى التوجه للمذاهب الإنسانية واعتبار القرآن والسنة والحضارة الإسلامية تاريخا غير مُلزم ولا يناسب التوجه العصرانى الحديث
فظهر مبشرو العلمانية والشيوعية والوجودية والقومية ,
وهى كلها مذاهب تتفق ـ على اختلافها الظاهرى ـ فى مبدأ واحد
وهو ضرب الإنتماء للثقافة الإسلامية وضرب الإيمان بأن دين الإسلام منهج سماوى كامل لسائر جوانب الحياة والإكتفاء بحصر الدين ومبادئ الدين فى دور العبادة فقط !

ثم جاءت المرحلة الأخيرة من مراحل الصراع وهى غرس الكيان الصهيونى فى قلب الأمة العربية الإسلامية وتحديدا فى المفصل الشامى المصري لمنع أى اتحاد بين مصر والشام بعد أن ذاق الغرب الويلات من اتحادهما القديم ,
وهذه الفكرة الرهيبة ـ فكرة الفصل بجسم غريب بين مصر والشام ـ ابتكرها نابليون بونابرت وسعى لتنفيذها فعلا فى حملته على مصر والشام , وجاءت من بعده السلطات البريطانية فوضعت الفكرة موضع التنفيذ[1]

ومع ابتداء حركات التحرر الوطنى بالإنقلابات العسكرية , والتى بدأت في مصر عام 1952 ,
بدأت عهود الحكم الديكتاتورى المطلق القائم على القوة العسكرية الجبرية والحكم الفردى والحكومات البوليسية , وانتهى العصر الدستورى القائم على المشاركة الشعبية والثورات الجماهيرية الحقيقية التي تمثلت في ثورة 1919 م مثلا
ومع بداية هذا النوع من الحكم انتهى عمليا دور الجماهير والمفكرين والمثقفين ليخلو الجو لمفكرى ومثقفي السلطة وتدور الأوطان في فلك شخص واحد يمثل النظام ,
وبالتالى أصبحت السيطرة على شخص الحاكم بأى وسيلة تعنى مباشرة السيطرة على بلاده بأكملها لأن الصورة القديمة التي كانت تعتمد على جمهور واع يجبر حكامه على الإلتزام بالخط الوطنى برقابة شعبية فاعلة ,
هذه الصورة أصبحت في ذمة التاريخ عمليا
وليس من الضرورى أن يتجه الغرب لتجنيد الحكام تجنيدا مباشرا للسيطرة ,
بل تعددت الأساليب التي يتمكن بها الغرب من بسط النفوذ المطلق على أوطاننا بالسيطرة على الحكام ـ حتى الوطنيين منهم ـ بإدارة سياسية للصراع تعتمد اعتمادا تاما على أن الحاكم في أى قطر عربي هو موطن تركيز القوة ,
وبالتالى فهزيمته أو خداعه أو توجيهه يصبح أمرا أيسر بكثير من ممارسة هذه السيطرة على الشعوب إذا كانت شعوبا حرة ديمقراطية تتحكم في حكامها وتراقبهم
ولهذا مثلا سقط حكام وطنيون في شبكة الغرب دون أن يبذل الغرب جهدا لاستمالتهم بدافع الخيانة ,
بل على العكس استغل وطنيتهم التي اقترنت بصفات الأنا والإنفراد بالذات في تحقيق أهدافه كاملة ,

ولعل أبرز الأمثلة الحديثة صدام حسين الذى ركزت عليه الولايات المتحدة حربا نفسية ماهرة وأوحت له عبر مخطط مرسوم باجتياح الكويت وتلقي من الإدارة الأمريكية تنويها عابرا أن الولايات المتحدة لا تنوى التدخل في أى خلافات عربية ـ عربية
وتم المراد واجتاح صدام الكويت تحت رقابة وتشجيع الولايات المتحدة التي كانت تراقب التحركات العراقية رقابة تامة إلى الحد الذى سمح لها أن تنقذ العائلة الحاكمة في الكويت بالوقت المناسب وتنقلهم للسعودية قبيل الغزو مباشرة ! [2]
دون أن يتساءل صدام حسين أو يكتشف اللعبة ودون أن يكتشفها حتى بقية الحكام العرب , وأولهم أمراء الكويت الذين أنقذتهم الفرقة الأمريكية بشكل يشي بأنها كانت تعلم التفاصيل الكاملة للغزو
فلماذا لم تتدخل الولايات المتحدة بشكل مباشر ـ لو كانت النوايا مخلصة ـ لمنع صدام من الغزو
ولماذا كان الصوت الأمريكى غائبا تماما عن ساحة الصراع على النفط بين العراق والكويت ولم تتدخل السياسة الأمريكية في الأمر ولو بتصريح واحد !!
بينما عندما وقع الغزو فعلا ,
لم نجد الحضور الأمريكى يقتصر على الصوت أو التصريحات فقط ,
بل قامت العاصفة الأمريكية في المنطقة وبسرعة محمومة لتقلع القوات الأمريكية إلى المنطقة وتحتل أماكن شاسعة كقواعد عسكرية دائمة قرب مناطق النفط ,
وفق ما كانت تخطط له من البداية عن طريق استخدام صدام حسين لتحقيق الذريعة الكافية ,
ونفذها صدام حسين بشكل تام الدقة وبأفضل مما يفعله أى عميل مأجور يؤدى دورا مرسوما له
رغم أنه كان مثالا في وطنيته !

فهذه اللعبة مع صدام حسين ما كانت لتنجح لولا أن النظام العراقي ـ والعربي بشكل عام ـ منذ مطلع الثورة المصرية لم يتحول إلى النظام الأتوقراطى ( نظام ما هو أقوى من الديكتاتورية حيث أن الأوتوقراطية معناها تعلق الحكم بشخص واحد يملك كافة شئون الحكم , ويكون شخص الحاكم هو نفسه النظام , بينما الديكتاتورية هى تسلط نظام حكم متعدد الأشخاص في الحكم الجبري على الشعوب )
وهكذا ..
عندما بزغت بوادر الحكم العسكري في مصر وقامت مصر بتصدير هذا النمط لدول الجوار العربي
وجد الغرب أن الفرصة جاءته على طبق من فضة دون أى مجهود ,
ذلك أن الثورة المصرية بعد أن صعد إلى سدتها جمال عبد الناصر وتمكن من إزاحة محمد نجيب , قام بتحقيق هذا الهدف ـ دون أن يدرى ـ عندما اعتمد التوجه القومى والقومية العربية كأساس للتوحد بين أبناء المنطقة العربية
وتم استبعاد الإسلام كرابط مشترك من عوامل الصراع نهائيا
وليت أن الأمر اقتصر على الإستبعاد ,
فقد جاءت القومية بحرب فكرية عنيفة ضد التوجه الإسلامى لمنع ظهوره لما يمثله من خطورة تقضي على دعاوى القومية باعتبار أن الإسلام نبذ التعصب للعرق والجنس نبذا تاما ,
والأهم ..
أن الإسلام قائم على الشورى ورفض تسلط الفرد وعلى العدالة التامة بين الحكام والمحكومين مما يمثل خطورة بالغة على أى نظام حكم متسلط
فخاضت السلطة في مصر حربا عنيفة ضد الثقافة الإسلامية والإنتماء للإسلام وتم إعادة اختراع التاريخ على أساس قومى يجمع العرب وحدهم في الصراع مع الغرب
ثم ضاق الصراع أكثر ليخرج للوجود مصطلح بالغ الخطورة وهو مصطلح ( الصراع العربي ـ الإسرائيلي )
وهذا المصطلح تمكن من تحقيق أكبر أهداف الغرب دون أن يطلق طلقة واحدة !!
فقد تم استبعاد الشعوب الإسلامية من رابطة الصراع ضد الصهيونية رغم أن أساس الصراع هو أساس دينى في المقام الأول لأن الدولة اليهودية قامت أصلا على هذا الأساس ,
بالإضافة إلى أن القدس ـ وهو الحرم الإسلامى الثالث ـ يربط القضية بالمسلمين ارتباطا عضويا لا مجرد ارتباط شكلى كما نجم عن تيار القومية وأصبحت العلاقة بين العرب القوميين وبين الدول الإسلامية عبارة عن علاقة ظاهرية بين أقطار لا يجمعها جامع إلا الدين !
وهو رابط ـ وفق التوجه القومى ـ لا يمنح الدول الإسلامية دورا في هذا الصراع من الأصل



الهوامش :
[1] ـ المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل ـ الجزء الأول ـ محمد حسنين هيكل ـ دار الشروق
[2] ـ حرب الخليج ـ محمد حسنين هيكل ـ مركز الأهرام للترجمة والنشر