عرض مشاركة واحدة
قديم 11-18-2010, 12:52 AM
المشاركة 75
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ثالثا : أما النقطة الثالثة فقد تمثلت في برقية السادات لهنرى كيسنجر التي أوردها هيكل في كتابه وأقام الدنيا ولم يقعدها وسبق أن قام بنشر البرقية في جريدة الأهالى عقب اغتيال السادات موحيا أن نص البرقية يحمل معانى الخيانة لانجاز أكتوبر !!
وعن هيكل تلقفتها الألسنة والأقلام لتغزل منها ما شاءت رغم أن النتائج المبنية على هذه البرقية تبدو شديدة التعسف مع قائد منتصر تمكن من دحر قوة الجيش الإسرائيلي وإذلاله ,
والبرقية تمت في السابع من أكتوبر وتضمنت عبارة ( أن السادات لا ينوى تعميق المواجهات أو تعميق الإشتباكات ) ,
ولست أدرى من أين استقي هيكل استنتاجه الذى أبرزه في كتابه حول البرقية وأنها كانت برقية مشئومة أفشلت الجهود المصرية في الحرب !
ففي البداية البرقية يمكن فهمها في إطار المناورات السياسية , لا سيما وأن السادات عندما أرسلها في السابع من أكتوبر قام بمخالفة مضمونها أكثر من مرة ,
فالقوات المسلحة لم تكن في ذلك الوقت قد تعمقت بأكثر من ثلاثة كيلومترات في سيناء ولم تتسن لها إقامة الكباري الموحدة ,
هذا فضلا على أن السادات تلقي اقتراحا بقبول وقف إطلاق النار ولم يستجب له سواء في السابع من أكتوبر أو التاسع من أكتوبر ,
والأهم من هذا وذاك أن القوات المصرية عمقت الإشتباكات واستمرت في التقدم حتى أقامت رءوس الكباري الموحدة على مسافة 15 كيلومترا في عمق سيناء بالمخالفة لنص البرقية !
وفضلا على ذلك قام السادات بإصدار أوامره بتطوير الهجوم نحو الممرات يوم 12 أكتوبر بكل ما يحمله هذا من معنى تعميق الإشتباكات وتوسيع مداها ؟!
والسؤال الآن أين هو أثر البرقية فعليا على الأحداث ؟!!
الأمر الآخر الهام ..
كيف يمكن أن نتصور أن هنرى كيسنجر يمكن أن يأخذ أقوال السادات على محمل الجد ؟!
وكيف يمكن إذا اقتنع هو جدلا أن يقنع قادة إسرائيل بذلك؟!
ثم إن فهم مدى البرقية وما تصل إليه يبعث على الحيرة من ردة فعل هيكل ,
ذلك لو أن البرقية كان مقصودا بها التوقف عند عبور القناة وتحطيم خط بارليف دون التعمق لأكثر من ثلاثة كيلومترات , فقد خالف السادات نص البرقية صراحة بل ورفض وقف إطلاق النار عندما اقترحه السوفيات في ثانى أيام الحرب ,
ولو كان الهدف من البرقية هو إبراز النية المصرية في أن الجيش المصري لا ينوى التعمق في الأراضي الإسرائيلية عقب تحرير سيناء , فهذا ليس فيه أدنى كشف للنوايا ,
لأن الولايات المتحدة ومن قبلها إسرائيل تدرك تماما أن قدرات الجيش المصري لن تتعدى مدى حائط الصواريخ , وإذا كانت القوات المصرية ليس في استطاعتها الوصول إلى خط الحدود الدولى وقصاري ما تهدف إليه الخطة بدر هو الوصول للمضايق فقط , فكيف يمكن تصور اختراق القوات المصرية للأراضي الإسرائيلية ,
ولهذا فالفهم الصحيح للبرقية يمكن إدراكه من أنه كان محاولة من السادات لتهدئة الخواطر الأمريكية وطمأنتهم إلى أن المواجهات لن تتوسع بالشكل الذى يستحق التدخل الأمريكى بثقله ,
وهى محاولة لو نجحت لعطلت الجسر الجوى الأمريكى عدة أيام على الأقل ,
فالبرقية لم تكن أكثر من مناورة سياسية تقليدية ووسيلة لدفع الإتصالات بين السادات وهنرى كيسنجر لترتيب الأوضاع فيما بعد وقف إطلاق النار ,

يضاف إلى ذلك :
أن هيكل أوضح لنا أن البرقية تعتبر كارثة كما لو أن نص البرقية عبارة عن دستور لن يستطيع السادات أن يتنصل منه !
بينما البرقية كانت اتصالات سريا عبر دوائر المخابرات ومن المستحيل أن يرتب إلتزاما جبريا على السادات باتباع سياسة معينة في الحرب كتعهد قطعه على نفسه لأنه تعهد معدوم بطبيعته !
والذي لا يعرفه الكثيرون أن تلك البرقية لم تكن فريدة في نوعها فقد تلتها برقيات أخرى عبر قناة اتصال سرية ـ من المفارقات أنها قناة منشأة أصلا أيام عبد الناصر والذي أنشأها هو أمين هويدى ـ وتولاها حافظ إسماعيل في أيام السادات ,
أى أن البرقية لم تكن رسالة منفردة بل كانت هناك قناة اتصال سرية كاملة عرض منها هيكل أكثر من عشرين رسالة متبادلة بين السادات وهنرى كيسنجر ومنها رسائل توضح تماما أهداف السادات من قناة الإتصال ,
بل وفيها برقية تخلى السادات بها عن تعهداته وتوعد أن يطور الصراع إذا استمرت إسرائيل في انتهاكها لوقف إطلاق النار مما استدعى معه تهديد هنرى كيسنجر بالتدخل الأمريكى المباشر في الحرب
وهذا ما يكفي تماما لبيان طبيعة الإتصالات وأنها اتصالات أقران لا اتصالات عملاء كما صورها هيكل !
وإذا كان الإعتراض على كون الإتصال تم مع عدو في وقت الحرب ,
فهذا اعتراض ساذج لا يمكن أن يخطر ببال سياسي ضليع كهيكل , لا سيما وأن واحدا من ألد أعداء السادات وهو الفريق الشاذلى رئيس الأركان انتقد بشدة معالجة هيكل لموضوع البرقية واعتبرها مبالغة من جانب هيكل في تصوير الأمر كما لو كان كارثة قومية رغم أنه مجرد مناورة سياسية

أما عن توجهات السادات إلى الولايات المتحدة عبارة عن خط سياسي اختاره السادات كما اختار سلفه التوجه نحو الإتحاد السوفياتى ,
ولو جاز لهيكل أن ينتقد توجه السادات السياسي فسنحتاج منه أن يبرر السير في فلك السوفيات والذي كانت عليه سياسة عبد الناصر في حقبته على امتداد ثمانية عشر عاما جلب فيها عبد الناصر سائر القوانين الإشتراكية من التجربة السوفياتية وطبقها جبريا على مصر رغم الإختلاف الفادح في العقيدة !
ومن له الحق في انتقاد السادات على التزامه الخط الأمريكى هم أصحاب التوجه المستقل الذين يدعون لترك الشرق والغرب والإلتزام في مقدرات الأمة بماضيها وتاريخها الإسلامى الصرف ,
وليس هذا حقا لأنصار اليسار أو اليمين ,


ومن دواعى الإستغراب الشديدة التي تحضرنا هنا مع اعتراض هيكل على الإتصالات مع كيسنجر في نفس الوقت الذى غض فيه النظر تماما عن اتصال سري أكثر فداحة بمراحل تم على يد الرئيس عبد الناصر أثناء أزمة السويس عام 1956 م ,
وهى المعركة التي يعتبرها هيكل والقوميون انتصارا كاملا رغم أنها كانت انتصارا سياسيا وهزيمة عسكرية تولدت على إثرها أزمة بين عبد الحكيم عامر وبين عبد الناصر ,
ورغم هذا فقد حظيت معركة السويس بالإشادة المبالغ فيها من هيكل ولم يتعرض بحرف واحد من النقد للأداء العسكري الهزيل في الحرب ولم يتعرض لما هو أخطر ,
وهو تعهد الرئيس عبد الناصر السري للرئيس الأمريكى أيزنهاور بضمان حرية الملاحة لإسرائيل في خليج العقبة !!
وهو الأمر الذى ظل سرا مكتوما منذ عام 1956 م حتى تم إعلانه في مايو 1967 م , ولم يكن هناك مخلوق يعلم بأمر هذا التعهد الذى حقق لإسرائيل هدفها من غزو العدوان الثلاثي عندما ضمنت حرية الملاحة في خليج العقبة !
وفرض أيزنهاور على عبد الناصر هذا التعهد مشروطا بوجود قوات دولية في شرم الشيخ وعلى خط الحدود الدولية في سيناء , ومع ذلك لم يعتبر هيكل أن التعهد هزيمة أو انتقاص من السيادة كما فعل مع السادات !

رابعا : نأتى الآن للعنصر الرئيسي الذى دارت حوله انتقادات هيكل في كتابه ـ بل وفى أحاديثه ـ وهو أن السياسة خذلت السلاح في حرب أكتوبر وأن السياسة تسببت في أن تكون بدايات حرب أكتوبر مختلفة عن نهاياتها ,
والأسباب كما ساقها هيكل تتلخص في أن الهدف من الحرب لم يكن هو تحرير سيناء فسيناء كانت معروضة على مصر من قبل في مشروع روجرز مقابل السلام ودون حرب , فكيف يقبل السادات الحل المنفرد والسلام في مقابل سيناء وحدها وقد كانت معروضة دون قتال , وهذا في رأيه إهمال لنتائج حرب أكتوبر وإنجازها الكبير ,
والسبب الثانى يتعلق بأن مطالب إسرائيل أساسا كانت في حرب يونيو 67 هى إخراج القوة المصرية من حلبة الصراع العربي الإسرائيلي وهو ما تحقق لها كاملا رغم انتصار أكتوبر ,

ولا شك أن هذه الأسباب غير مقبولة وفيها تجنى كبير على الحقائق ,
وهيكل نفسه هو الذى علمنا أن الحكم على أى حرب بالإنتصار أو الهزيمة إنما يقع بالنظر إلى الأهداف التي تحرك الطرف المهاجم وهل نجح في تحقيقها أم لا .. كما أن إنتصار الطرف السلبي يكون مرهونا بنجاحه في منع العدو من تحقيق أهدافه أو فشله في ذلك ,
وبالنظر إلى وقائع حرب أكتوبر يتضح فيما يلي :
* نسي الأستاذ هيكل أن حرب أكتوبر لم تكن وسيلة لتحرير الأرض , بل كانت الحرب غاية في حد ذاتها ,
فقد خاض العرب ثلاثة حروب ضد إسرائيل منذ عام 1948م كانت الهزيمة العسكرية والسياسية من نصيب العرب فيها , على نحو رسخ لأسطورة الجيش الذى لا يقهر ,
وحققت إسرائيل أهدافها كاملة من كل تلك الحروب ,
ففي عام 1948 م تمكنت من بسط نفوذها على المساحة الأكبر من فلسطين بالمخالفة لقرار التقسيم ,
وفى عام 1956 م ورغم نجاح مصر في الإحتفاظ بقناة السويس إلا أن إسرائيل حققت أهدافها بضمان الملاحة في خليج العقبة ووجود قوات الطوارئ الدولية على الحدود المصرية الإسرائيلية ومنع مصر من حشد أى قوات لها في سيناء !
وفى حرب 67 تمكنت إسرائيل من مضاعفة الأرض الواقعة تحت سيطرتها عدة مرات وقامت بتأمين حدودها من جميع الإتجاهات في نفس الوقت الذى ألحقت بالعرب هزيمة ساحقة مريرة كان أفدحها تحطيم الجيش المصري في سيناء
من هنا تولدت لدى القوات المصرية وجهة نظر عبر عنها الفريق عبد المنعم رياض رئيس أركان حرب القوات المسلحة بعد حرب يونيو 67 حيث صارح الرئيس عبد الناصر بألا يقبل أى حل سياسي حتى لو تضمن إزالة آثار العدوان لأن الجيش المصري يجب أن يحارب في معركة عادلة , ويستحق المقاتل المصري أن يخوض حربا عادلة في مواجهة المقاتل الإسرائيلي لأن كل الحروب السابقة ظُلم فيها الجيش المصري ظلما فادحا ولم تتح لأفراده قدرة القتال ,
بالإضافة إلى أن هذا المطلب ـ مطلب الحرب وضرورتها ـ كان محوريا بالنسبة للعرب وإلا عربدت إسرائيل كما تشاء وعلى نحو أكثر فجورا مما فعلت إذا لم تقاتل ضد العرب في حرب حقيقية , يتمكن فيها العرب من رد الهزيمة ومحوها ونسف أسطورة الجيش الذى لا يقهر , وهى النظرية التي بنت عليها القوات الإسرائيلية نظرية الحدود الآمنة ,
وقد تحققت الحرب وتمكن المقاتلون العرب من دحر أسطورة الجيش الذى لا يقهر وعلى أفضل أداء ممكن ,

* إذا تأملنا التوجيه الإستراتيجى الذى وجهه الرئيس السادات للمشير أحمد إسماعيل يوم 5 أكتوبر سنجد أن الأهداف التي لخصها السادات للحرب تحققت بكاملها غير منقوصة ,
ومن الغرائب أن هيكل نفسه كان هو الذى صاغ هذا التوجيه بناء على تكليف من الرئيس السادات ,
واحتوى التكليف على مطلب تحطيم نظرية الأمن الإسرائيلي , وقد حطمها الجيش المصري بالفعل ,
واحتوى التكليف على مطلب تكبيد العدو أكبر خسائر ممكنة في الأفراد والمعدات , وقد تحقق هذا المطلب على أعلى مستوى
واحتوى التكليف على تحرير أرض سيناء على مراحل طبقا لإمكانيات القوات المسلحة , وقد تم هذا على أكمل وجه ,
ومعنى هذا ببساطة أن أهداف حرب أكتوبر لم تكن هى الأهداف التي يتصورها القوميون بل كانت الأهداف الواقعية هى ما حدده الرئيس السادات للقوات المسلحة والتزمت بتنفيذه كاملا ,
وبالتالى فقد كان الإنتصار المصري كاملا لأن جميع أهداف الحرب الموجودة في قرار التوجيه تم تحقيقها ,
أما الأهداف التي كان يراها هيكل وغيره من القوميين فهى أهداف وضعها الناصريون والقوميون ثم طالبوا القيادة السياسية المصرية بالعمل على تنفيذها باعتبار أن هذه الأهداف هى ما اتفقت عليه وجهة النظر القومية !!
ولا شك أن الأهداف التي طالب بها القوميون ـ كعادتهم ـ كانت أهدافا لا تمت بصلة للواقع أو بالإمكانيات الممكنة للقوات المسلحة المصرية والسورية في ظل ظرف دولى يتيح لإسرائيل غطاء لا مثيل له من الدعم في مقابل دعم غير متوافر بنفس القوة أو نصفها للقوات العربية
بل كانت بقاء إسرائيل وحدودها في عام 67 مضمونة لإسرائيل بضمان أمريكى ـ سوفيتى صريح ,
وقد سبق أن عرضنا لردة الفعل الأمريكية عندما قامت القوات السوفياتية بإثارة أزمة خرق إسرائيل لوقف إطلاق النار لعدة أيام , ورغم وجاهة الإعتراض السوفياتى وتآمر الولايات المتحدة الواضح في خرق إطلاق النار فقد بالغت الولايات المتحدة في تآمرها ووضعت إمكانيات الأسطول السادس جميعها في خدمة الجبهة الإسرائيلية ,
وتراجع السوفيات كالعادة !