عرض مشاركة واحدة
قديم 11-18-2010, 12:50 AM
المشاركة 74
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
كتاب ( السلاح والسياسة ) لهيكل :


محمد حسنين هيكل لا يختلف اثنان على قدراته الهائلة باعتباره المحلل السياسي الأبرز في المنطقة العربية وكتاباته دائما هى مرجع رئيسي للمهتمين بأى جانب سياسي في التاريخ الحديث ,
ولا يمكن الإختلاف مع هيكل في صحة الوقائع التي يسجلها في كتبه ولا التشكيك في مصداقية كتاباته لا سيما وأنه يراعى التوثيق الكامل لكل معالجة في أى قضية ,
لكن هذا ليس معناه أن كتاباته تخلو من العيوب ,
فالإختلاف حول مصداقية الوقائع وإن كان غير متوفر مع هيكل , إلا أن الإختلاف معه في نظرته إلى تلك الوقائع وتحليلها واستنباطاته منها يظل حقا مشروعا دون شك ,
ولهذا نقول إن هيكل يمكن لأى شخص أن يختلف معه في التحليل أما في صحة الوقائع فهذا أمر مستبعد ,

ولهيكل بعض وجهات النظرـ لا سيما في الناصرية ـ تعتبر وجهات نظر يستغرب منها قراؤه ومؤيدوه , إما لتطرفها الشديد في الإنحياز لعبد الناصر وإما في النتائج التي يطرحها بناء على هذه الآراء ,

وفى كتابه ( السلاح والسياسة ) عالج حرب أكتوبر بطريقة بالغة الغرابة تجعل القارئ موقنا أن يستكثر بشدة أن يقترن هذا النصر باسم الرئيس الراحل أنور السادات ,
كما احتوى على بعض الإنتقادات التي سنرى أنها انتقادات بعيدة عن الواقع , وكان جديرا بهيكل وهو أول المنادين بالقومية أن يعالج أمر حرب أكتوبر بالشكل الذى يستحقه هذا الإنجاز العريض , لا سيما أنه بالغ جدا من قبل في تضخيم الإنتصار السياسي لعبد الناصر في حرب العدوان الثلاثي رغم أنه كان هزيمة عسكرية مريرة !

ويمكننا أن نجمل الملاحظات على معالجة هيكل في الآتى :
أولا : خصص هيكل القسم الأول في كتابه لعرض مشوار السادات في أمر الحل السلمى وسعيه إلى إنهاء الأزمة بشكل سياسي بعيدا عن خيار الحرب ,
وقد أطال هيكل بصورة مبالغة في عرض هذا القسم لا داعى لها لا سيما ونحن بصدد كتاب يعالج وقائع حرب أكتوبر نفسها والتى أثبت فيها السادات أن سعيه للحل السلمى لم يكن أكثر من مناورة سياسية هدفها التعمية على قرار الحرب في الأصل ,
ورغم أن نية الحرب والقتال كانت ثابتة للسادات إلا أن هيكل أوضح أن السادات بالفعل كان بصدد البحث عن حل سلمى , بينما نجد أن شهادات المعاصرين وممارسات السادات تنفي ذلك وتبين أنه في عرضه القضية مرة أخرى على مجلس الأمن وفى عزله للفريق محمد صادق وزير الدفاع أن نيته الحقيقية كانت هى الحرب من أول لحظة تولى فيها المسئولية وأن هذه المناورات السياسية كانت ضرورية لتهيئة العالم أجمع بأن مصر بذلت المساعى السلمية واستنفذتها جميعا وبالتالى سيعذر العالم مصر إن اتخذت القرار باستخدام الحل العسكري وهو ما يضمن التأييد الدولى لمصر .. وهو التأييد الذى افتقدته مصر بشدة في حرب يونيو حيث تسببت سياستها ـ آنذاك ـ في اعتبارها الدولة البادئة بالعدوان والحصار لإسرائيل !
وحتى على فرض أن السادات فكر جديا في الحل السلمى ,
فليس في الأمر ما يشين لأن قرار الحرب ليس بالقرار السهل , وقد قبل عبد الناصر من قبل مبدأ الحل السلمى وقرنه بإزالة آثار العدوان وهو ما رفضته إسرائيل مما جعل عبد الناصر يعتمد سياسة القوة العسكرية لتحرير الأرض ,
وفى جميع الأحوال اختار السادات قرار الحرب وحسم أمره وامتلك شجاعة إصداره وهذا وحده يكفي لكسر أى انتقاد لسياسته فيما قبل اتخاذه هذا القرار ,
لكن هيكل ـ فيما يبدو ـ يتبع نفس أسلوب الناصريين المناوئين للسادات في محاولة إبراز السادات كما لو أنه اتخذ قرار الحرب مجبرا وخائفا !!

ويضاف إلى ذلك أن هيكل ركز أكثر من مرة على موضوع الخطة ( جرانيت ) والتى تم وضعها أيام عبد الناصر للحرب وأن هذه الخطة هى التي تطورت فيما بعد إلى الخطة بدر التي تمت بها المعركة !
وهذا تعسف آخر من هيكل يكذبه واقع شهادات قادة القوات المسلحة المشاركين في الحرب ,
ولم يكن هناك داع لمثل هذا الإدعاء لا سيما وأن جهود عبد الناصر في إعادة بناء القوات المسلحة موجودة ولا تنكر , ولكن ليست هناك أدنى خطة اعتمد عليها منفذو حرب أكتوبر فيما بعد وتم وضعها أيام عبد الناصر وهو أمر نفاه الشاذلى رئيس الأركان في لقائه ببرنامج ( بلا حدود ) وأوضح أن هيكل صدق كلام الفريق فوزى الغير دقيق في معلوماته ,
فالخطة العسكرية لا تعتبر خطة إلا إذا اقترنت بخرائط وتدريبات ومناورات , وما يدعيه الفريق فوزى من وجود هذه الخطة تكذبه الوقائع حيث أنه لم يسلم قيادة الوزارة ورقة واحدة أو يقوم بإجراء مناورة عملية واحدة على هذه الخطة , قبل خروجه
وعندما اقترحت لجنة التاريخ العسكري عقد لقاء بين الفريق فوزى والفريق الشاذلى لحسم أمر هذه الخطة .. وافق الطرفان ,
وسأل الفريق الشاذلى .. الفريق فوزى عمن سلمه هذه الخطة بعد خروجه من الوزارة ,
فكان رد الفريق فوزى أنه لم يسلمها لأحد لدواعى السرية !!!
وانتهى النقاش بالطبع لأن الفريق الشاذلى استنكر هذه الإجابة , فإذا كانت الخطة ظلت مع الفريق فوزى ولم يعلم بها أحد غيره فكيف يمكن القول أن هذه الخطة كانت أساسا للخطة بدر !!

ثانيا : كنت أتوقع أن الأستاذ هيكل مع تقدمه في العمر وقد أصدر كتابه هذا في بداية التسعينات , كنت أظنه قد تراجع عن وجهة النظر العلمانية أو القومية التي كان عليها أثناء كتابته لكتابه السابق عن حرب أكتوبر بعنوان ( الطريق إلى رمضان ) والذي ضمنه انتقادات عنيفة لمنشور الشئون المعنوية للقوات المسلحة الذي بشر المقاتلين برؤيا شيخ الأزهر الدكتور عبد الحليم محمود للنبي عليه الصلاة والسلام وهو يبشره بالنصر ,
فقد انتقد هيكل في كتابه ( الطريق إلى رمضان ) توجيه هذا المنشور إلى القوات المسلحة , ثم عاد وكرر انتقاده في كتابه ( السلاح والسياسة ) ومؤدى اعتراضه أن هذه الأقاويل ليست مناسبة مع الإنجاز الإنسانى والحضاري الضخم الذى حققه المقاتلون وأن حمل النصر على الجانب الإيمانى والتوفيق الإلهى فيه إغماط لحق المقاتلين وإهمال لعظمة أدائهم !
ولسنا في حاجة بالطبع إلى انتقاد هذا الرأى , فهو يحمل بين طياته أسباب انتقاده , ولا يمكن لأى مقاتل من هؤلاء الذين شاركوا في صنع ملحمة أكتوبر أن يقبل مثل هذا الكلام ,
لا سيما وقد جلجل صوت ( الله أكبر ) بين صفوف المقاتلين واعتمدوا في استراتيجيهم التي أذهلت العالم على إيمانهم بالله فقذف في قلوب أعدائهم العرب ففروا منه من داخل حصونهم مصداقا لقوله تعالى
[إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى المَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ] {الأنفال:12}
ولا توجد أى شهادة من شهادات قادة الجيش المصري أو أفراد القوات المسلحة خالية من إبراز الجو الإيمانى الساطع الذى قادهم , حتى أن قادة الجيوش الميدانية تضمنت أوامر العمليات الخاصة بقواتهم استشهادات متعددة بآيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية والتى كان لها أبلغ الأثر في شحذ الهمم لتحقق إحدى الحسنيين .. النصر أو الشهادة ,
ورأى هيكل ـ مع الأسف الشديد ـ يبين إلى أى مدى تعادى القومية الشعور والإنتماء الدينى , رغم أنه التفسير الوحيد لكل معجزات أكتوبر التي فاقت طاقة البشر ولم يستطع العدو استيعابها ,

أيضا قام بهيكل بإفراد عدة صفحات لانتقاد أمر تطوير الهجوم الذى كان وفقا لما يراه هيكل فرصة ضائعة وأن القوات المصرية كان يجب أن تستثمر النجاح فتطور الهجوم ابتداء من يوم التاسع من أكتوبر
وهى وجهة النظر التي انتقدها القادة العسكريون جميعا ـ عدا الفريق الجمسي ـ فقد أصر كل قادة الأسلحة وقادة الجيوش الميدانية ووزير الدفاع ورئيس الأركان على أن يتم صد الهجمات المضادة أولا قبل التطوير وتحت مظلة الصواريخ لأن الخروج من تحت مظلة الصواريخ معناه منح العدو فرصة إيقاع مذبحة بمدرعات الجيش المصري عن طريق طيرانه المتفوق ,
وهذا الأمر تعرضنا له تفصيلا في شرح مبررات الوقفة التعبوية في الفصول السابقة ,