عرض مشاركة واحدة
قديم 11-18-2010, 12:46 AM
المشاركة 73
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
قراءة في معالجة القوميين لحرب أكتوبر


يكمن سر العداء الرهيب المتبادل بين القوميين وبين السادات ,
أن هذا الأخير بعد أن استقرت في يده مقاليد الحكم مشي في طريق معاكس لما ينتهجه عبد الناصر وانقلب على مرحلته وسمح للكتابات الحرة المنتقدة للناصرية أن تظهر في الصحف وفى الكتب والتى كان من أوائلها كتاب ( الصامتون يتكلمون ) وهو كتاب محاورات لسامى جوهر حاور فيه عددا من أعضاء مجلس قيادة الثورة ممن أطاح بهم عبد الناصر على مراحل متفاوتة من حكمه
كذلك كتابات المفكر الكبير توفيق الحكيم وأبرزها كتاب ( عودة الوعى ) , وغيرها من الحملات التي كان بعضها صادقا ويتناول ظواهر حقيقية في عهد عبد الناصر والبعض الآخر احتوى على ظواهر مبالغ فيها أو مفتراة مثل كتابات موسي صبري ومصطفي أمين وأنيس منصور وغيرهم من الكُتاب المحسوبين على تيار السادات ,


وتعتبر حرب أكتوبر عقدة العقد بالنسبة للناصريين والقوميين حيث أنها تمت تحت قيادة أعتى خصومهم وهو أنور السادات بينما رحل عبد الناصر ومصر والعالم العربي كله رهن هزيمة ساحقة من إسرائيل ,
والأنكى بالنسبة لهم أن عبد الناصر لم يشن معركة هجومية واحدة على إسرائيل كذلك لم يهزمها في ميدان قتال , فقد انسحب الجيش المصري في حرب 56 وكذلك في حرب 67 م ,
ولهذا جاءت الإنتقادات المبالغ فيها لانتصار أكتوبر والمحاولات المستميتة منهم إلى تقليل حجم إنجازها المبهر دون أن يرتفعوا فوق الخصومة فيركزوا انتقادهم على السادات في فترة حكمه مثلا أو في مسئوليته المشتركة مع عبد الناصر عن الإنتقادات التي يثيرها الساداتيون ,
دون أن يتعرضوا لانجاز مبهر مثل حرب أكتوبر فيعتبرونه نصرا قد تحول لهزيمة !!ّ
وهو الرأى المتطرف الذى لم يصل إليه أعتى الإسرائيليين لا سيما في ظل نتائجه على خريطة الواقع المتمثلة في الإنسحاب الإسرائيلي المتتالى من سيناء ,
وجاءت مجموعة منهم فاعتبرت أن عبد الناصر هو الممهد لانتصار أكتوبر وأنه صاحب الفضل الحقيقي في هذا الإنتصار !!
وكلها بالطبع محاولات تبدو للمتأمل العاقل شديدة التعسف في فرض صورة الرئيس الراحل بأى شكل على الأحداث حتى يمكن أن يكون له نصيب من هذا الإنتصار ,
وزاد الناصريون في التعسف عندما لم يكتفوا بالرأى السابق بل قال محمد حسنين هيكل في كتابه خريف الغضب أن السادات لا يحمل من الفضل كثيرا في حرب أكتوبر وأن أكتوبر صنعه الجنود البواسل على خطوط النار !
وهى كلمة حق نعم .. لكن يُراد بها باطل ,
ويكفي أن هيكل نفسه أرجع الفضل في الإنجازات الناصرية لشخص عبد الناصر وحده , رغم أن بعض هذه الإنجازات كانت بسبب أدوار لرجال قدموا ما لديهم لأوطانهم مثل دور الدكتور محمود فوزى في أزمة السويس مثلا
كذلك بدا غريبا إشادتهم بدور عبد الناصر فىحرب أكتوبر وهو غائب , وإهمالهم لدور السادات وهو صاحب القرار !


وقد تفاوتت آراء الناصريين في حرب أكتوبر بحسب تطرفهم في الناصرية أو القومية فمنهم ـ كما قلنا ـ من اعتبره هزيمة مثل سامى شرف ـ أحد أعضاء مراكز القوى التي تغلب عليها السادات في بداية حكمه ـ وحسين الشافعى وغيرهم ,
وأصحاب هذا الرأى بالطبع ينطلقون من كراهية عنيفة للسادات نتيجة الخصومات السياسية بينهم ,
ومنهم من اعتبر نصر أكتوبر نصرا عسكريا فائقا لكنه هزيمة سياسية وهى وجهة النظر التي تزعمها الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل , وذلك في كتابه ( السلاح والسياسة )
وهذا الرأى ـ كما سنرى في تفصيله ـ كان من الممكن أن يكون رأيا وجيها لولا أن هيكل تعسف في انتقاد سياسة السادات وأخذ عليه بعض الأخطاء السياسية , وهذه الأخطاء كان عبد الناصر يرتكب ما هو أفدح منها دون أن يعلق هيكل عليها بشيئ أو يعتبرها سياسة منحرفة !
ومنهم من اعتبر أن نصر أكتوبر كان نصرا قليل الحجم ضاعت فيه فرص كثيرة كان ينبغي استغلالها , وهى وجهة النظر التي قادها اللواء أمين هويدى مدير المخابرات في أواخر عهد عبد الناصر , وهذا في كتابه ( الفرص الضائعة ) , والفريق محمد فوزى وزير الدفاع السابق الذى خرج في عملية مراكز القوى ,
وهذه الزمرة يمثلها العسكريون الذين خرجوا من الخدمة قبل حرب أكتوبر , ويبدو بالفعل من كتاباتهم أنهم يحاولون البروز بأى شكل في لوحة الإنتصار على اعتبار أنهم لو كانوا في قيادة الحرب لفعلوا أكثر مما فعله القادة الفعليون !
ويظهر ذلك جليا في انتقاد أمين هويدى للضربة الجوية في حرب أكتوبر وانتقاده للسلاح البحرى والتعليق بالسلب على شتى مراحل الحرب بشكل لم يفعله أعتى المتحاملين من الجانب الإسرائيلي !
كما يتضح في مذكرات الفريق فوزى الذى حاول أن يقنع قراءه أن خطة حرب التحرير كانت موضوعة منذ عهده هو في وزارة الدفاع ,
وثبت أن هذا الإدعاء غير صحيح لأن الفريق فوزى لم يسلم للوزارة أى خطة من هذا النوع عند رحيله منها , وقد أكد الفريق الشاذلى أنه عندما تسلم مهمة رياسة الأركان للقوات المسلحة لم تكن هناك أى خطة فعلية تم اعتمادها ولم تكن الخطة بدر أو خطة المآذن العالية قد تم تنفيذها بعد
ناهيك عن أن هذه الخطة كانت خيالية تحت أى مقياس عسكري , كما بين المحللون حيث أن الفريق فوزى يتغنى بها في مذكراته ويزعم أن هذه الخطة كانت معدة لتقوم القوات المسلحة بتحرير سيناء كاملة حتى خط الحدود الدولية في اثنى عشر يوما فقط !
وهذا الكلام لا يتنافي فقط مع قدرات الجيش المصري بعد استكمال استعداده في حرب 73 , بل يتنافي من باب أولى مع قدرات الجيش عام 1970 م وهو تاريخ خروج الفريق فوزى من الوزارة حيث كان الجيش لا زال في مرحلة التسليح والإعداد وتخريج دفعات الضباط التي تحتاجها القوات المسلحة ,
فهذه الخطة كانت عبارة عن تصورات على الأوراق لا أصل لها في الواقع سواء بمشروع تدريبي أو حتى خطة منطقية !


وتلك الكتابات يجمعها عامل واحد مشترك وهو عامل الغرض المسبق من الكتابة والتحليل ,
ووجود الغرض الشخصي في أى قضية يصرفها من الحق إلى الهوى , ولهذا فإننا لا نقبل الحق نفسه إذا جاء على لسان مغرض لأنه حتما يريد استثمار الحق لصالح هدف ما بغض النظر عن الحق المطلق والأمانة العلمية ,
وقد جاءت معظم كتابات القوميين والساداتيين في نقد عبد الناصر والسادات مليئة بالغرض الفاضح وهو الهجوم الأعمى على طول الخط أو الإنحياز الواضح في وجهات النظر ,
ويتناسي القوميون والناصريون حقائق ساطعة كالشمس وهم ينتقدون السياسة المصرية بعد وقف القتال ,
وأهم هذه الحقائق أن النظام في مصر في ذلك الوقت كان نظاما محترفا يدرك حقيقة القوة التي يستند إليها وحجم انتصاره ويستثمر انتصاره وفق طاقته الفعلية لا وفق ما هو مطلوب منه في دعاوى القومية التي كانت تعتمد على القدرات الصوتية ! والتى كانت تتميز بها حقبة الناصرية وتكلف مصر ما لا طاقة لها به في سبيل تأكيد الزعامة بغض النظر عن الإستطاعة
ويتناسي القوميون أيضا أن ما نفذه السادات عندما تمكن من استثمار حرب أكتوبر في تحرير أرضه لم يكن برغبة منه وإنما كان بسبب الرفض العربي القاطع مصاحبته في المفاوضات !

وعندما جاء العرب خلفه بعد ذلك كانت الفرصة قد فاتت , وكان أمل جبهات الرفض أن تستمر مصر ـ كما كانت فى عهد عبد الناصر ـ تستنزف قدراتها السياسية والإقتصادية في سبيل دعاوى الزعامة الفارغة التي أدت إلى نهاية حرب يونيو , فالنتائج التي ينتقدها الناصريون الآن هى نتيجة لمهزلة حرب يونيو التي جعلت من إسرائيل ــ التي كانت شبه دولة ــ
دولة مترامية الأطراف تمكنت في عدة أيام من الإستيلاء على الجولان وسيناء والضفة الغربية في انتصار ساحق عانى منه العرب ولا زالوا يعانون منه حتى اليوم !
ولهذا تبدو دعاواهم ضد حرب أكتوبر في مصر دعاوى بالغة الغرابة لأنهم في المقابل التمسوا كل الأعذار الممكنة لعبد الناصر رغم أنه المسئول الأول والأخير عن معركة النكسة !
وتسببت سياسته في أنها أعطت لإسرائيل ما فاق جميع أحلامها بشهادة الإسرائيليين أنفسهم الذين لم يضعوا في خطة حرب يونيو أنهم سيستطيعون الوصول لقناة السويس وأخذ الضفة الغربية كاملة , وأخذ الجولان أيضا , ولم يكن لديهم من الخطط المسبقة ما يمكنهم من تحقيق كل هذه النتائج لولا الفرص السانحة التي أعطتها سياسة عبد الناصر قبيل الحرب
ولسنا ندرك بالضبط ما الذى كان يريده القوميون من السادات , وهل المطلوب هو استمرار الحروب بلا نهاية وفى ظل تفوق نوعى وكمى كاسح لإسرائيل لا سيما بعد أن انتهى عنصر المفاجأة وانطلق الدعم الأمريكى بلا حدود , على نحو كاد يهدد بخسارة مصر بالفعل لمكاسبها لو تجددت المعارك لأى سبب
وكيف يمكن لعاقل أن يتصور إمكانية الدخول في مواجهات مستمرة بكل تكاليفها البشرية والإقتصادية المتهالكة ضد عدو يتجدد ما لديه من قدرات بدعم أقوى قوة في العالم ؟!

فالقصد ..
أن كتابات القوميين في هذا المجال لم تكن للحقيقة والتاريخ كما يحلو لهم الترديد دائما , وإنما كان منبعها الإنتصار لعهد القومية ولشخص عبد الناصر في مواجهة السادات التي يعتبره الناصريون أعدى أعدائهم ومحاولتهم تبرير فشل التجربة الناصرية في اختبار الواقع فشلا ذريعا بعد أن ضاعفت إسرائيل بسبب السياسة القومية العربية احتلالها للأراضي العربية والتى كان من المستحيل أن تحتلها إسرائيل لولا تلك السياسة القائمة على الحناجر
كما ينسي الناصريون والقوميون أننا حتى إذا انتقدنا التصرفات السياسية المصرية في استثمار نتائج حرب أكتوبر فنحن على الأقل أمام إنجاز عسكري وسياسي يمكننا الإختلاف حول ثماره ونتائجه ,
ولسنا أمام سلسلة طويلة من الهزائم السياسية والعسكرية التي تلونت بشعارات براقة من حقب سابقة قامت على الهتاف بالإنتصار والترويج له دون أى أساس من الواقع !


وسنكتفي بإطلالة على كتاب هيكل ( السلاح والسياسة ) باعتبار أن هيكل هو العقل المفكر للمرحلة القومية ونرى معالجته لحرب أكتوبر التي تلخصت في أنها حرب خذلت السياسة فيها السلاح , ولم يكن الإستثمار السياسي لنتائج الحرب متوافقا مع حجم الإنجاز العسكري لها ,