عرض مشاركة واحدة
قديم 11-05-2010, 08:07 PM
المشاركة 71
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
فكارثة التيار القومى أدت إلى مهزلة يونيو 67 م بسبب هذه المزايدات وعدم الصدق مع النفس وعدم التعامل بواقعية مع قضايا الأمة ,
ولهذا كانت مكاسب إسرائيل في تلك الحرب خرافية ما توقعتها إسرائيل نفسها ولا الولايات المتحدة ,
فقد كانت الأوامر للجيش الإسرائيلي أن يدخل سيناء ويقف عند الممرات , لكنه فوجئ بانهيار الجيش المصري فصدرت الأوامر بإتمام إحتلال سيناء ,
ولم تكن هناك خطة أصلا لاحتلال الجولان , وصدر قرار وقف إطلاق النار يوم 9 يونيو والجولان سورية , ثم فجأة وجد الإسرائيليون الطريق مفتوحا فدخلوا الجولان بعد أن قضموا الضفة الغربية في طريق عودتهم من سيناء
وكانت إسرائيل أول من يدرك أنها لم تنتصر على العرب , بقدر ما هزم العرب أنفسهم قبل أن يواجهوا الجيش الإسرائيلي !
وفى ذلك يقول يوحشفات هركابي ـ أحد مدراء الموساد السابقين والمنسق العام للأجهزة الأمنية ـ في كتابه ( العقل العربي ) أننا لم ننتصر على العرب بفضل قوتنا بل بفضل ضعفهم وهزيمتهم من أنفسهم واحتكارهم للمظهرية , وهذا الأمر الذى يجب أن ترسخه إسرائيل حتى لا تتكرر تجربة أكتوبر والتى كانت نصرا حقيقيا للعرب عندما تركوا الكلام وأقبلوا على العمل

هكذا كان حال العرب قبل أكتوبر 1973 م ,
أصبح كل حاكم عربي تجرفه نداءات القومية فى بلده يلجأ لحل بسيط , وهو أن يواجه شعبه بسياسة عنترية مناسبة وفى نفس الوقت تتواصل فيه علاقاته مع الأطراف الغربية بلا مشاكل
ولو أخذنا الملك حسين ملك الأردن السابق مثالا , لعرفنا مثلا أنه ـ باعترافه شخصيا لمؤرخه الرسمى اليهودى آفي شلايم ـ قابل الإسرائيليين وجلس معهم منذ بداية حكمه ـ أثناء معترك القومية ـ حوالى 4000 ساعة كاملة !
وفى قاعة البيت الأبيض أثناء توقيع معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل في عهد الرئيس الأمريكى ( بيل كلينتون ) لاحظ هذا الأخير مدى التلاطف والحميمية بين الملك حسين ورئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين ,
فسأل كلينتون ضيفيه قائلا : متى كان أول لقاء بينكما يا ترى ؟!
فرد الملك حسين : منذ عشرين عاما يا فخامة الرئيس !
فصحح رابين التاريخ قائلا : بل منذ واحد وعشرين عاما يا صاحب الجلالة !![1]
ودوره فى نكسة 67 وفى حرب 73 تكفلت بكشفه الوثائق الأمريكية نفسها ,
ومع ذلك فقد كان فى أثناء جنوح التيار القومى قوميا أكثر من القوميين بل وقفت الأردن مع قرار تجميد عضوية مصر بعد معاهدة السلام لأنها اتصلت وتفاوضت علانية مع إسرائيل بينما مؤتمر الخرطوم الذى انعقد عقب النكسة أعلن اللاءات الثلاث الشهيرة وهى :
( لا للتفاوض ـ لا للصلح ـ لا للإعتراف بإسرائيل )

والملك الحسن ملك المغرب كان هو نفسه همزة الوصل بين الرئيس السادات والقيادات الإسرائيلية , وهو الذى رتب اللقاء السري الذى تم بين موشي ديان وحسن التهامى ـ مستشار السادات ـ بعد حرب أكتوبر لبحث سبل الإتصال بين مصر وإسرائيل والتفاوض ,
لكن الغريب أن الملك الحسن بعد إعلان السادات لمبادرته بزيارة القدس والتفاوض العلنى وقف مع الجانب الآخر وكان تعليقه أنه كان يرعى اتصالا سريا وهو ما يمكنه استيعابه أما العلانية فتلك هى التى لا يحتملها أحد !
وعرفات نفسه وفريق منظمة التحرير الفلسطينية كانوا على علاقة بمسئولى المخابرات المركزية الأمريكية في إدارة الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون أثناء معمعة حرب أكتوبر !
فقد راسل عرفات المسئولين في الإدارة الأمريكية ببرقية سرية إلى كيسنجر قال فيها عرفات :
( أنه يعتقد أن مصر وسوريا ستهزمان في هذه الحرب في آخر أيامها ولذلك فهو يبتغي إنشاء قناة تواصل بين ومسئولى الإدارة الأمريكية ) !!
وبالفعل توسط الملك الحسن ملك المغرب لهذا الأمر وأرسلت المخابرات المركزية أحد كبار مسئوليها وهو ( هيرمان وولترز ) إلى مدينة فاس بالمغرب ليلتقي مع خالد الحسن وماجد أبو شرارة مبعوثي ياسر عرفات لعمل قناة اتصال سرية بين المنظمة والإدارة الأمريكية ومعرفة الشروط الأمريكية للقبول بالمنظمة !
وقامت المخابرات المركزية باستخدام المنظمة سياسيا أكثر من مرة ,
ويقول كيسنجر في مذكراته المنشورة بعنوان ( سنوات القلاقل ) , أن ميلشيات منظمة التحرير في فترة السبعينيات هى التي كانت تتولى حماية السفير الأمريكى في بيروت لعدة سنوات !
وبذلت المنظمة جهودا خدمية جبارة ثم لم تصل المنظمة لنتيجة , ولهذا عاودت الكرة مرات ومرات حتى تم لها المراد بالرضا الأمريكى في بداية التسعينيات !
وهو الرضا الذى لم يستمر طويلا مع مجئ إدارة بوش الإبن وتولى إرئيل شارون الحكومة في إسرائيل وإعلانه نهاية اتفاقية أوسلو وقام بضرب مقر عرفات بالصواريخ !
ورغم كل هذا أرسل عرفات برقية تهنئة لشارون بمناسبة أحد الأعياد اليهودية , وأثناء معترك انتفاضة الأقصي الثانية !
ثم مد الوساطة حتى آخر مدى لكى يرضي شارون بمقابلته , وأخيرا وافق على مقابلة عومرى شارون , وهو شاب لا علاقة له بالعمل السياسي ولا يمتلك منصبا تنفيذيا !
بخلاف أنه أعلن إدانته الكاملة لما سماه بجريمة الحادى عشر من سبتمبر وأعلن تضمانه مع إدارة بوش الإبن الذى أذاقت العرب الويلات , ثم لم يستح أن يتمدد أمام كاميرات القنوات الفضائية متبرعا بالدم لضحايا 11 سبتمبر !
في نفس الوقت الذى كانت فيه أشلاء الأطفال والعجائز في الضفة والقطاع لم تجف بعد !
فإذا وضعنا هذا التواصل المذهل بين الأطراف التي تدعى الصمود وتتاجر به وبين أعدى أعداء الأمة , وهم الذين أعلنوا وجه الغضب أمام السادات للقيام بمبادرته أمام هذه الحقائق التي تكشف لنا مدى الإستغلال الذى وقعت فيه الجماهير العربية من متاجرة هؤلاء القوم ,
ألسنا نخلص إلى استنتاج منطقي وهو أن هؤلاء المعترضين على السادات أن همهم كان بغرض استمرار القضية ساخنة بلا حل والضحايا متوهجة حتى تتكاثر المكاسب !
ولهذا فإن براءة القوميين من السادات ليس لأجل الخيانة التي يترنمون بها بل لأجل أن السادات أخذ ما كان مخفيا تحت المائدة ورفعه فوقها ! فقامت الدنيا ولم تقعد لأجل هذا الكشف ,
ولم يتساءل أحد أو يهتم بمحتوى الأطباق العفنة ذاتها !

وكان السادات يوقن تماما أن السياسة العربية قائمة على هذا الأمر وأن المحرمات واللاءات والمقدسات إذا جرى اقتحامها عنوة بقوة الأمر الواقع فهذه هى الخيانة أما إذا تمت فى السر وعلى أبشع صور الخيانة فهذه هى السياسة !
لهذا قلنا أن التيار القومى بنى نفسه على الكذب والتضليل فكان من الطبيعى أن يسقط هذا السقوط الذريع لأن ما تبديه القيادات العربية من صلابة ونضال إنما هى مظهرية تخفي ما تحتها من حقائق الواقع ,
وكان السادات قبل أن يتورط فى اتفاقية كامب ديفيد بشكلها الذى خرجت به مؤخرا , كان يلاقي التأييد العربي التام من حكام الدول العربية أو أغلبهم ولكن فى السر أما فى العلن فقد طلبوا إليه أن يراعى موقفهم !!

وعندما أعلنت مصر اتفاقية كامب ديفيد منفردة بعد أن رفضت باقي الدول العربية أن تشارك فى مسيرة التفاوض ورفضت إعطاء السادات حق التفاوض على الحقوق العربية كلها بمقتضي قرار مجلس الأمن 242 , والذى كان يكفل عودة الأراضي العربية المحتلة عام 67 إلى أصحابها الأصليين ,
اجتمعت الجامعة العربية وقررت عدم الدخول فى المفاوضات وقررت قطع العلاقات مع مصر وتكوين جبهة عربية للصمود والتصدى ,
وما كان أسعد العرب والمسلمين لو أن هذه الجبهة فعلا اتخذت طريق الصمود والتصدى بإخلاص , وواصلت المواجهات العسكرية ـ طبقا لما كانت تنادى به وهو الحرب بلا نهاية ـ إذا لكان هذا كفيلا برجعة مصر إلى تيار الجهاد حتما مهما كانت الضغوط السياسية ,
لأن عذر وحجة السادات الوحيدة كان متركزا على أن من ينادون بالحرب المستمرة يكتفون بالنداء ولا يتحركون ,
ولكن لأن أساس جبهة الصمود والتصدى كان هو نفس الأساس الرخو القائم على شعارات القومية , فقد أصبح الصمود مظهريا وأصبحت الحرب بالكلمات كما هى العادة ,
فقبلت سوريا مبدأ التفاوض في ظل مبدأ الأرض مقابل السلام , وهو ذات العرض الذى جاء به السادات فرفضه الرئيس السورى حافظ الأسد وأصر على تحرير الجولان عسكريا ثم عاد فقبله عام 1991 م في مؤتمر مدريد ,
ثم كانت المفاجأة أن الذى رفض العرض هى إسرائيل رغم التنازل السورى وأصر شيمون بيريز على أن تظل إسرائيل محتفظة بقطعة من الجولان وتنسحب بشكل محدود منها دون انسحاب نهائي !
وهكذا ظلت الجولان ليومنا هذا ,
فلا هى تحررت بالقوة العسكرية ولا هى تحررت بالدبلوماسية استثمارا لنتائج حرب أكتوبر !


الهوامش :
[1] ـ المفاوضات السرية ـ الجزء الثالث ـ محمد حسنين هيكل ـ دار الشروق