عرض مشاركة واحدة
قديم 11-05-2010, 08:06 PM
المشاركة 70
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
وبهذا وقع زعماء التيار القومى في تناقضات بلا نهاية أدت في النهاية إلى انهيار التيار القومى بعد نكسة 1967 م ,
ومنها :
أولا : من الغريب أن مفكرا في قيمة محمد حسنين هيكل يتخذ من النداء الديمقراطى منهجا ثم يرفض حقيقة أن الشعوب العربية لا تقبل المنهج الإشتراكى , بل ويلتمس العذر لممارسات القمع في عصر الناصر وتأميم الإعلام من أجل ترسيخ العقائد الإجتماعية الجديدة في المجتمع !
فأين هو النداء الديمقراطى ولماذا نصب القوميون أنفسهم أوصياء على الشعوب التي قاموا بالثورة بهدف تحريرها من الطغيان وهدف ترسيخ القيم الديمقراطية ,
ثانيا : ناقض هيكل نفسه ومعه المنادون بالقومية عندما عادوا التوجه الإسلامى ورابط يجمع العرب وغير العرب , ونادوا فقط بالعروبة دون الإسلام !
ولم نجد أحدا من القوميين يجيب عن أسئلتنا الحائرة !
إذا كانت العروبة ـ منهجا وجنسا ـ لم تُخلق إلا بسبب الإسلام الذى كان الرابط الرئيسي الذى جمع أشتات القبائل العربية المتناحرة وجعلها دولة واحدة , ثم رحلت العروبة مع الإسلام إلى الشمال الإفريقي وانتشرت العروبة في تلك البلاد بسبب الدعوة الإسلامية ,
فكيف يفصل القوميون بين الإسلام والعروبة بينما العروبة ما وجدت إلا بالإسلام ؟!
ولم يجبنا أحد من القوميين بشأن قضية القدس وفلسطين , والتى تعتبر من أكبر أدبيات القومية , لم يجيبونا عن مستند ملكيتهم لهذه الأرض ,
ومن أين أتوا بالإثبات التاريخى أن القدس وفلسطين من حق العرب ؟!
لو فتش القوميون إلى يوم الدين عن دليل في مواجهة الغرب على هذه الملكية لما وجدوا إلا الفتح الإسلامى للقدس في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه
فإذا كان الإسلام هو الذى يمنحنا مستند الملكية لأكثر قضايانا تعقيدا , فكيف تستبعدوه من معادلة الصراع ؟!
وسؤال أخير :
من المعروف أن النظرية تظل في حكم النظرية ولا يتم الحكم عليها بفشل أو نجاح إلا بعد تجربة على الأرض تثبت نجاحها ,
وقد جاءت نظرية القومية في الخمسينات والستينات دون أن تحقق ـ في أزهى عصورها ـ هذه الوحدة العربية التي اتخذوها بديلا للوحدة الإسلامية , بل إن العداء العربي ـ العربي في ظلال القومية كان أشد فتكا عما قبلها من العصور ,
فكيف نترك تجربة الوحدة الإسلامية التي صنعت لنا دولا عظمى على مدى ثلاثة عشر قرنا ونتشبث بنداء قومى أثبت فشله الذريع على الأرض ؟!
ثالثا : يعترف هيكل في كتبه وتجربته ـ على نحو غير مباشرـ أن القومية قامت على أساس هش لم يجمع العرب بقدر ما فرقهم وبعثر شملهم إلى أشلاء منذ الستينيات ,
ومن ذلك أنه ينتقد ممارسات الحكام العرب عندما يواجهون جماهيرهم بشعارات القومية والوطنية للإستهلاك المحلى وفى نفس الوقت لم ينتقد موقف عبد الناصر عندما فعل نفس الشيئ !
فعندما أعلن عبد الناصر أنه لا يمتلك خطة لتحرير القدس ـ كان هذا قبل 67 ـ وقامت قيامة الجماهير العربية وجاءه أنصار القومية من شتى الأقطار متوسلين سحب تصريحه ــ رغم أن الرجل كان بالفعل يتكلم بالواقع ولا يخادع ! ـ ولكنهم أصروا على خداع أنفسهم وعلى سياسة المزايدات العقيمة وقبل عبد الناصر هذه السياسة , وسحب التصريح !
وهذا معناه ترسيخ خداع الشعوب بالشعارات البراقة بغض النظر عن الواقع !
ففي كتاب ( الإنفجار ) لهيكل يروى رواية بالغة الوضوح في هذا الصدد , وهو أن مؤتمر القمة العربي الذى انعقد في منتصف الستينات بالمغرب , اعترض فيه جمال عبد الناصر على مشروع قرار يناقش كيفية الهجوم على إسرائيل والخلاص منها قبل أن ينتبه العالم !! ـ على حد تعبير الرئيس السورى أمين الحافظ ـ بدلا من الإكتفاء بتشكيل قوات عربية تحمى مياه نهر الأردن من الإستغلال الإسرائيلي
وأصر الرئيس السورى على مناقشة الموضوع في جدول الأعمال ووافق عبد الناصر على المناقشة رغم إدراكه التام أنها مزايدات لن تؤدى لشيئ , لكنه استجاب لدواعى القومية التي يجب ألا تهتز في الإعلام
وبالفعل تمت مناقشة القرار الخيالى وأعد الفريق على على عامر قائد القوات العربية المشتركة قائمة بالمطلوب من كل دولة عربية وتم وضع الأمر في وثائق رسمية !

وفى اليوم التالى وصلت نسخة كاملة من وثائق ومحضر إجتماعات القادة العرب في قمة المغرب إلى إسرائيل ! وعبر مصدر لم يتم كشفه إلا في التسعينيات , وكان الذى كشفه هو محمد حسنين هيكل نفسه [1] والمصيبة السوداء أن هذا الصديق الحميم جدا لتل أبيب والذي نقل لها هذه التفاصيل كان هو نفسه رئيس ما يسمى ( المجلس الأعلى للقدس ) والذي أنشأته إحدى القمم العربية للدفاع عن قضية القدس !!
ولا عجب مع العرب
المهم ..
استخدمت إسرائيل هذه الوثائق لتقديمها إلى الإدارة الأمريكية لتفتح هذه الأخيرة باب تعاونها مع إسرائيل إلى مداه الأقصي وتم تجهيز مؤامرة 67 بحيث تبدو إسرائيل فيها كالحمامة فى مواجهة الوحوش الذين يرغبون فى القضاء عليها !
ولم تكن إسرائيل تحتاج جهدا لإثبات ذلك فها هى وثائق القمة العربية الأخيرة تثبت بشكل قاطع أن الحكام العرب مجتمعون للتخطيط على إبادة إسرائيل قبل أن ينتبه العالم !
وعرف عبد الناصر عن طريق الرئيس تيتو رئيس يوغسلافيا أن الوثائق وصلت لإسرائيل وتساءل الرئيس اليوغسلافي عن مدى صدق هذه الوثائق الخطيرة وهل تفكر مصر والعرب جديا فى ذلك !
وصُعق عبد الناصر وسأل تيتو عن كيفية معرفته فأخبره أن ( ناحوم جولدمان ) أحد زعماء الصهيونية الكبار قابله على عجل ونقل إليه هذا الكلام كدليل على نوايا العرب !
وعلى حد تعبير الأستاذ هيكل , حاول عبد الناصر مرارا أن يشرح المعضلة فى أن الوثائق نوقشت بالفعل لكنها ليست واقعية فى نفس الوقت , لكن تيتو كان صعبا عليه جدا استيعاب هذا المنطق العربي الغريب الذى يستجيب لجو من المزايدات يعرفون تماما أنها خيالية ومع ذلك يبرزونها ويعطونها لخصومهم ليغزلوا ما شاءوا من مؤامرات !
كل هذا بسبب الطبع القومى المترسخ في أعماق حكام تلك الفترة ألا وهو الزعامة الصوتية والظهور بمظهر المناضلين في سبيل الأمة العربية , والتنافس بين بعضهم البعض على حديث القوة دون أن يمتلكوا من أسبابها ذرة !


الهوامش :
[1]ـ كلام فى السياسة ( قضايا ورجال ) ـ مجموعة مقالات وجهات نظر ـ محمد حسنين هيكل ـ دار الشروق