عرض مشاركة واحدة
قديم 11-05-2010, 08:06 PM
المشاركة 69
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ثم ظهرت نداءات القومية العربية التى تنادى بوحدة العرب وحدهم على أساس الجنس وهى دعوة ما كان لها ذرة وجود قبل تلك الفترة ومع تفعيل اتفاقية سايكس بيكو وتقسيم وترسيم الحدود فى العالم العربي بالشكل الواقع حاليا
أصبح لكل قطر عربي توجه قومى منفرد
أى أن العرب وبمنتهى البساطة أقروا التقسيمات التى تفصل بينهم إلى دول شرذمية رغم أن هذا التقسيم جاء من الغرب المحتل فى اتفاقية سايكس بيكو والأدهى من ذلك أن العرب عندما اختلفوا فيما بينهم على تلك الحدود احتجوا بترسيم انجلترا وفرنسا لتلك الحدود واعتبروها مرجعا للخلاف !
أى أن المفارقة الكبري فى التيار القومى , تتبدى فى أنه تيارا وحدوديا فى مظهره , بينما أساسه عنصري بكل المقاييس لأن التيار القومى اعترف بالفعل والواقع أن المنطقة العربية ليست منطقة واحدة أو أقطار متوحدة , بل هى دول مختلفة لها حدودها وقوميتها الضيقة تسعى فيما بينها للتوحد !!
وهكذا نشأت دول الوطن العربي المعاصر والتى ليس لمعظمها أى أصل مستقل فى التاريخ ..فمثلا كانت الشام بأكملها قطرا واحدا وكذلك المغرب العربي وأيضا الجزيرة العربية .. وكذلك حوض النيل كله من أقاصي الصومال وحتى الإسكندرية بمصر وكل الدول القائمة حاليا بلا استثناء قامت على حدود عمرها من عمر اتفاقية سايكس بيكو وساهم الغرب فى توطين تلك الثقافة بتوطين شهوة الحكم والخلافات بين حكام تلك الأقطار الجديدة , وجاءت نداءات القومية العرقية لتؤكد هذا المعنى
لنصل إلى النتائج التالية :
* اندثار الإنتماءالإسلامى الواحد الذى جمع المسلمين عربا وعجما تحت لواء واحد لثلاثة عشر قرنا
* ظهور مسمى الوحدة العربية كبديل عن الخلافة الإسلامية والدولة الإسلامية
* ظهور الغيرة على القوميات الضيقة بل وظهور العداءات الجارفة بين تلك الأقطار التى تشكلت إلى دول مختلفة بينما كانت قبل مائة عام فقط دولة واحدة متحدة
*ضياع أراضي المسلمين ضياعا نهائيا بسبب نداء القوميات الذى فشل فى مواجهة اليهود فتركوا لهم فلسطين لقمة سائغة
وفى نفس الوقت أجرم أكبر جرم فى استبعاد الوحدة الإسلامية من قضية فلسطين لتصبح فى عهد القوميات مشكلة عربية لا إسلامية .. وبهذا وبجرة قلم أخرج القوميون عشرات الدول الإسلامية من معادلة الصراع فضلا على أن القومية وبطبيعتها كنداء جاهلى أدت إلى التضييق أكثر فأكثر فأصبحت قضية الأقصي قضية دول المواجهة ثم أصبحت قضية فلسطين بعد تشكل دولة فلسطين الورقية ثم أصبحت قضية غزة وحماس والمعابر .. وهكذا !
والتيار القومى ذاته هو الذى أنشأ منظمة التحرير كممثل وحيد للشعب الفلسطينى , فبدلا من أن تصبح قضية القدس قضية أمة , وقضية عقيدة وتاريخ , أصبحت قضية شعب مستقل يحمل اسم الشعب الفلسطينى وله ممثلون رسميون قوميون يتفاوضون فى هذا الحق ويملكون الخروج بتنازلات لا تستطيع الدول الإسلامية قبولها لأن التيار القومى ببساطة جعل القضية قضية إقليمية , رغم أن القدس لا تخص شعب فلسطين ولا حتى الشعب العربي بل هى ملك لأمة الإسلام جميعا ولا يوجد شعب أو عنصر معين له الحق فى الحديث باسمها خارجا عن السياق !
ولو أن التيار القومى لم يرتكب جريمة إلا هذه الجريمة لكفته !
*تخلى العرب بأنفسهم وبمنتهى البساطة عن دورهم المحورى فى الدول الإسلامية التى كانت معهم تحت مظلة واحدة طيلة ثلاثة عشر قرنا ووصل نداء القومية بهم إلى الوقوف على الحياد من قضايا دول إسلامية شقيقة فى إيران وأفغانستان وباكستان والشيشان وأندونسيا وغيرها مما قطع أى حلقة اتصال بين العرب وتلك الشعوب
*كانت واحدة من أكبر الجرائم القومية هى أن القوميون لم يكتفوا بالحياد المخزى بل قاموا بالإنضمام لضفوف الغرب ضد مصالح إخوانهم فى الدين بآسيا ..
فدخلت بعض الدول العربية التى كانت تمثل المرجعية الإسلامية لسائر مسلمى الأرض فى تحالفات مصالح مع الإتحاد السوفياتى ضد الولايات الإسلامية وتحالفوا مع الهند ضد باكستان ثم أخيرا اعتبروا الشيشان مسألة روسية داخلية
كما ساهموا بأعظم جناية عندما نشروا ثقافة القومية الضيقة فأصبح المخلصون من أبناء هذه الأوطان صما وعميانا عن إدراك الحقيقة الراسخة فى دينهم وهى أن تعاطفهم فرض واجب ـ ليس مع فلسطين فحسب ـ بل مع سائر قضايا الأمة الإسلامية وليست هناك أرض إسلامية أغلى من شقيقتها ..
ووصل التغييب اليوم بين المثقفين فضلا عن العامة إلى درجة مفزعة بلغت بالمثقفين أنهم يجهلون حتى مسمى الدول الإسلامية فى آسيا فلا يمكنهم معرفة من هى الدول المسلمة فى العالم من غيرها !


وقد قيل أن القومية لا تعادى الإسلام ,
باعتبار أن القومية هوية وطن والإسلام دين لا علاقة له بالأوطان بل هو علاقة بين العبد وربه ,
وهذا أساس علمانى حاول التيار القومى فرضه على الجماهير قسرا , فالجماهير بطبيعتها تنزع إلى الدين ولهذا يعترف محمد حسنين هيكل أنه في سبيل فرض التغيرات الإجتماعية التي فرضها عبد الناصر على الشعب , كان ضروريا أن يؤمم الإعلام ويراقبه بحيث لا يرتفع صوت واحد يعادى هذا التيار !
وعندما رفض عدد كبير من القضاة الإلتزام في أحكامهم بالقوانين الإشتراكية لم يجد عبد الناصر بدا من أن يقوم بتنحية هؤلاء القضاة جميعا فيما عرف باسم مذبحة القضاة عام 1969 م ,